يُفترَض مع نهاية شهر آذار الحالي تعيين رئيس محكمة جديد خلفًا لرئيس المحكمة الحالي العميد الركن حسين عبدالله بعد إعلان تنحيهِ بُعَيْد صدور قرار المحكمة بالإجماع بكفِّ التعقبات عن العميل عامر الفاخوري ومغادرة الأخير لبنان على متن طوافةٍ عسكريّةٍ أميركيّةٍ.
قضائيًا، بقيَ الملف عالقًا بعدما ميَّزَ مفوّض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية القاضي غسان خوري القرار بناءً على طلب النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، فيما كان لافتًا السرعة القصوى التي تمَّ فيها ذلك على الرغم من تشعّبِ الملفِ!
أما سياسيًا، فإنّ مطالبة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابهِ الأخير تشكيل لجنةِ تحقيقٍ بَقِيَت ملتبسة من دون معرفةِ الغايةِ تحديدًا من إنشاءِ هذه اللجنة والجهة المكلَّفة بذلك وحدود صلاحيّاتها ومدى إلزاميّةِ نتائجها إن تمّ تشكليها أصلًا.
والأهمّ هل هكذا لجنة ستكون معنية أيضًا بمساءلةِ من يَلزم من المسؤولين عن خاتمةِ "فيلم الفاخوري" بمغادرتهِ لبنان عبر طوافةٍ عسكريّةٍ أميركيّةٍ ... والدولة "تتفرَّج".
بالتأكيد، لا تزال تداعيات قرار المحكمة العسكرية تأخذ مداها في النقاشِ السياسي، مع تسليم جهّاتٍ حقوقيّة بارزة جدًا، اطلعت على حيثيّاتِ القرار، بأنّ "أعضاءَ هيئةِ المحكمة لم يكن لديهم على الصعيد القانوني أيّ خيارٍ آخر إلّا إسقاط التهم الموجّهة الى الفاخوري بمرور الزمن العشري، ولأن لا سابقة بتاريخ القضاء اللبناني بالأخذ بالإتفاقيات الدولية لمحاكمةِ مُجرمي الحرب".
وفي أوّل تعليقٍ له منذ صدورِ القرار، يقول العميد الركن حسين عبدالله رئيس المحكمة العسكرية لـ"ليبانون ديبايت"، "مع تقديري وإحترامي الشديدَيْن لعذاباتِ ومعاناةِ أسرى سجون العدو الإسرائيلي وعملائهِ ولآلامِ ذوي الشهداء، إلّا أنني لم استطِع، من موقعي كقاضٍ على رأسِ المحكمة العسكرية الدائمة وإحترامًا لقسمي ومسيرتي العسكرية إلّا أن أكون حياديًا وأطبّق القوانين من دون أيّ إعتباراتٍ أو تأثيراتٍ أخرى، خصوصًا أنّ اجتهادَ المحكمة العسكرية قد استقرَّ على تطبيق مرور الزمن على الجرائم المُماثلة كافة متى توافرت شروطها القانونية".
ويضيف، "المحكمة العسكرية ذاتها كانت أصدرت بتاريخ 16/11/2001 حكمًا بجريمةِ قتل الأسيرَيْن إبراهيم أبو عزّة وبلال السلمان عمدًا بحق أحد العملاء السابقين وهي الواقعة الجرمية ذاتها التي يُلاحَق على أساسها المتهم عامر الفاخوري في الملفّ الراهن والتي لم يُلاحق بها في حينهِ بحيث قضى الحكم بإسقاطِ دعوى الحق العام بمرور الزمن العشري، وإنَّ أسبابَ قبول الدفع كافة مفصّلة في القرار المُتَّخَذ".
وردًّا على توقيتِ صدور قرار المحكمة قبل تاريخِ إقفال مطار بيروت وفي ظلِّ وجودِ قرارٍ صادر عن وزيرة العدل ماري كلود نجم القاضي بتعليق الجلساتِ، يجيب عبدالله:"ليس هناك أيّ رابطٍ بين القرار الصادر عن المحكمة وقرار إقفال المطار. أما فيما خصَّ التعميم الصادر عن وزيرة العدل فهو قضى بتعليق الجلسات في المحاكم والدوائر القضائية فقط وأبقى على استمراريةِ البتِّ بالطلباتِ والمراجعاتِ القضائية الجزائية وطلبات تخليةِ سبيلِ الموقوفين كافة والتي تُتَّخَذ في غرفِ المذاكرة وليس على قوسِ المحكمة".
ويوضح عبدالله:"وفي ما يتعلَّق بتوقيتِ صدور القرار، فإن ملفَّ القضية كان قد وردَ إلى المحكمة بتاريخ 5/2/2020 بعد إحالته من قاضي التحقيق العسكري نجاة أبو شقرا التي اتهمته بموجب المواد 549 و549/201 و569 من قانون العقوبات، أي جرائم القتل ومحاولة القتل والخطف وذلك بعدما مَنعت عنه المحاكمة بجرائم العمالة مع العدو المنصوص عنها في المادتين 273 و278 عقوبات لسقوطِ الحق العام بمرور الزمن العشري، وقد تمَّ تحديد موعد الجلسة الأولى بتاريخ 16/4/2020، وعلى إثر ذلك تقدّم وكلاء الدفاع عن الفاخوري بطلب تقريب موعدِ الجلسة بغية التقدّم بدفوعٍ شكليةٍ مرفق بتقريرٍ طبيٍّ بوضعهِ الصحي الحَرِج وقد تمَّت الموافقة على ذلك وتم تحديد موعدٍ جديدٍ للجلسة بتاريخ 5/3/2020، إذ تقدَّمَ وكلاء الدفاع بطلب إخلاء سبيل ودفوع شكلية بمرور الزمن العشري".
وتابع، "بتاريخ 5/3/2020 سطّرت المحكمة استنابات عدّة إلى مديرية المخابرات والمديرية العامة للأمن العام ووزارة الداخلية لتزويدها بالمعلومات المتوافرة لديها حول إخفاء الأسير علي عبدالله حمزة، إضافةً إلى كتابٍ موجَّه إلى دائرة قاضي التحقيق في بيروت الرئيس بلال حلاوة بإيداعنا نسخة عن التقرير الطبي بوضع الموقوف الفاخوري الذي نظّم من قبل الطبيبَيْن الشرعيَيْن عدنان دياب وشربل عازار بناءً لتكليفٍ منه، وتمَّ تأجيل الجلسة حتى تاريخ 12/3/2020 لدراسة وبتّ الدفوع الشكلية المقدَّمة".
يُكمِل عبدالله: "بهذا التاريخ، لم تكن قد وردت إلى هيئةِ المحكمةِ المستندات المطلوبة كافة للبتّ بالدفوع، فتمَّ تأجيل الجلسة إلى 19/3/2020. وبتاريخ 13/3/2020، صدر مجددًا تعميمٌ عن وزيرة العدل بتمديدِ تعليق الجلسات أسبوعًا إضافيًا لغاية 20/3/2020. وبتاريخ 16/3/2020 التأمت هيئة المحكمة في غرفة المذاكرة للبتّ بالطلبات المقدّمة إليها في قضايا عدّة".
ويشير، الى أنّه لما كان قد ورد التقرير الطبي الرسمي المطلوب واطلعنا عليه والذي أكد ما حرفيته: "إنَّ حالة المتهم عامر الياس الفاخوري لا تسمح بالحضور إلى قصر العدل أو بحضور جلسات التحقيق، لوضعه الصحي العام المتردي جدًّا لإصابته بسرطان الدم اللمفاوي من النوع المتقدِّم ومن الدرجةِ الرابعة والذي لا يتجاوب مع العلاجات الكيميائية وحالته الصحية سيئة". وبعد ورود الإجابات كافة من مديرية المخابرات ومديرية الأمن العام ووزارة الداخلية، تقرَّرَ البتّ بالدفوع الشكلية وإصدار القرار.
وعن تعرّضهِ لضغوطٍ قادت إلى إصدار القرار بكفِّ التعقبات عن العميل الفاخوري، يقول عبدالله:"ممّا لا شك فيه بأنّ قضية العميل الفاخوري، ومنذ لحظةِ توقيفهِ، تحوّلت إلى قضية رأي عام ترافقت مع ضغوطٍ إعلامية، شعبية، سياسية، دبلوماسية ودولية بدت واضحة للعيان، لكنني لم أتعرَّض شخصيًّا لأيٍّ من تلك الضغوطات بل كان همّي الأول والأخير أن أقومَ بواجبي كرئيسٍ للمحكمة العسكرية بكلِّ حيادية وأن لا أتأثر بهذه الضغوطات ولا حتى بعاطفتي الشخصية التي هي في مكانٍ آخر تمامًا، ولاسيما أنني إبن المنطقة التي عانت من قهرِ وظلمِ الإحتلال والتي قاومت وصمدت، وأدرك تمامًا دقة وحساسية القرار الذي سيصدر ولكنني لم أتهرَّب من تحمّل مسؤولياتي".
ولا ينفي عبدالله "قناعته ومعرفته المُسبَقة بالمواقفِ المبدئية والثابتة للمقاومة تجاه هذا الملفّ ورغبتها بإنزال أقصى العقوبات بحق العملاء وخاصة الذين أقدموا على قتل وتعذيب المقاومين والاسرى"، مؤكدًا، "إنّ كل ما ذكر في بعض وسائل الاعلام بأني أبلغت بعض الجهات أنني أتعرّض لضغوطٍ خارجية لا استطيع مقاومتها، وأنّه قد طُلِبَ مني أن استقيل أو أتنحى عن القضية ليس له أساس من الصحة".
ويجزم عبدالله: "أنه بالإستناد إلى ملف القضية والمعطيات القانونية، لم يكن بإمكان هيئة المحكمة الخروج بغير هذه النتيجة"، مضيفًا، "أتمنى أن تكون هذه القضية وما آلت إليه مدخلاً لتعديل النصوص القانونية المتعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم العمالة وجرائم الإرهاب بما يكفل عدم تقادمها بمرور الزمن، خصوصًا أنه لم يكن ممكنًا لهيئة المحكمة اتخاذ قرارٍ يشكّل سابقة من شأنها أن تخالفَ ما استقرّت عليه الأوضاع القانونية بالنسبة الى هذا النوع من الجرائم لجهة تقادمها بمرور الزمن، الأمر الذي يخرج عن صلاحية المحكمة ويدخل في مجال عمل السلطة التشريعية".
وعن سبب عدم تنحيهِ عن النظر في القضية يقول عبدالله:"منذ لحظة ورود الملف والدفوع الشكلية إلى المحكمة، وكوني إبن بلدة الخيام، كان التنحي عن النظر بها هو أحد الخيارات لديّ، ولكنني وبعد دراسةٍ معمَّقةٍ وقانونية للملف وبالاطلاع على الحكم الصادر عن المحكمة ذاتها بالجريمة نفسها، تكوّنت لديّ ولدى أعضاء المحكمة القناعة القانونية بالقرار المُتخذ، وحينها لم أجد في قرار التنحي سوى هروب من المسؤولية وتخاذل وضرب هيبة المحكمة ورئيسها وأكون حينها كقبطان سفينة تخلّى عنها في خضم عاصفة هوجاء".
ويختم "لم أتهرَّب من مسؤولياتي في النظر بقضايا وملفات كبرى وخطيرة وأشدّ حساسية خلال السنوات الأربع التي أمضيتها في رئاسة المحكمة، وقرار التنحي لاحقًا عن رئاسة المحكمة كان ذاتيًا بالمطلق بعدما لمسته من ردودِ فعلٍ يُصعَب معها الإستمرار في موقعي".
تعليقات: