تملك السلطة في لبنان اختصاصاً واحداً: تحويل الأزمات إلى أداة زبائنية. هذا ما حصل بالفعل في خطّة الطوارئ الاجتماعية لمواجهة تداعيات «كورونا». فبدلاً من تقديم دعم إلى جميع الأسر اللبنانية التي لا تحظى بدخل ثابت ومستمر في ظل الأزمة، وعوضاً عن تحديد معايير واضحة ودقيقة لتصنيف الأسر الفقيرة والمحتاجة كتلك التي وردت في ورقة المدير العام للشؤون الاجتماعية عبد الله أحمد، تُرك الأمر بيد البلديات والمخاتير ليحدّدوا من هو فقير ومن هو بحاجة... معايير الدعم في لبنان لا تزال ترتكز على الولاء السياسي والحزبي والطائفي
قبل يومين، اجتمعت «اللجنة الفنية لخطّة الطوارئ الاجتماعية للاستجابة للكورونا» برئاسة وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرّفية، لدرس خطّة وضعها وزراء الصناعة، الزراعة، الدفاع، الداخلية والبلديات، العمل، الاقتصاد والتجارة، المال والإعلام. عصارة أفكار هؤلاء أنتجت الآتي: «تقديم سلّة دعم صمود للعائلات التي باتت منكوبة على أن يتم التنفيذ عبر البلديات والمجالس الاختيارية في القرى بإشراف مراكز الخدمات الإنمائية وفروعها والجيش اللبناني». عملياً، هذه السلّة سلتان: «واحدة غذائية وأخرى تحتوي على مواد تنظيف وتعقيم بناءً على دراسات وأبحاث علمية... وسنعمل على تقديم تسهيلات مادية تطاول حياة المواطنين لمساعدتهم على تخطي المرحلة الحرجة». وقد أقرّ مجلس الوزراء هذه الخطّة، أول من أمس، وخصّص لها 75 مليار ليرة.
خطّة كهذه لا تحتاج إلى اجتماع ثمانية وزراء، إذ كان يفترض أن يركّز اجتماع هؤلاء على آليات الدعم وتحديد الفئات المستهدفة. فما أُقرّ يترك للبلديات والمخاتير هامشاً واسعاً في تحديد المعايير التي سيتم من خلالها تصنيف العائلات المحتاجة. وقد تكون معايير رؤساء البلديات مزاجية، أو سياسية، أو طائفية، أو سواها من أدوات الزبائنية، وهذا كافٍ للإيحاء بأن الحكومة ترفض تبنّي خيارات واضحة. فتحديد الأسر المستفيدة وآليات الدعم هو المسألة المركزية، بعدما بات مسلّماً به أن الدعم واجب في ظل أزمة مالية ونقدية، جاءت فوقها أزمة تعطيل النشاط الاقتصادي بسبب مكافحة انتشار فيروس «كورونا». وقد أثبتت كل عمليات الدعم، سابقاً أنها «مزراب» لهدر المال العام لحساب شراكة رأس المال والسلطة. وثمة الكثير من الأمثلة عن ذلك، من دعم الطحين إلى الكهرباء...
ولعلّه هذا هو السبب وراء رفض ورقة المدير العام لوزارة الشؤون الاجتماعية عبد الله أحمد. خيارات هذه الورقة تحتاج إلى كثير من التدقيق، وخاصة لجهة عدم كونها شاملة، ولا تأخذ في الحسبان أن أزمة كورونا تصيب كل الطبقة العاملة، وأن أثرها الاقتصادي شمل كلّ الأسر التي لا دخل ثابتاً لها في هذه الأزمة. فهذه الخطة لا تزال تنظر إلى المجتمع بتصنيفات ما قبل جائحة كورونا. لكنها، ومقارنة بما قررته اللجنة الوزارية، بداية أفضل. وهي أكثر وضوحاً من تلك العبارات الواردة في محضر لقاء اللجنة الفنية. فورقة عبد الله تحدّد الفئات المستهدفة وتصنّفها فئتين: الأولى ثابتة في سجلات الوزارة في برنامج استهداف الأسر الأكثر فقراً. والثانية هي الأسر التي يجب التحقّق منها أو تلك التي قدّمت طلبات لتسجيلها في برنامج استهداف الفقر أو سائقي التاكسي وأسر صيادي الأسماك ومن صُرفوا من أعمالهم وسواهم. والفرق بين خطة اللجنة وخطة المدير العام، أن الأولى رسمت خطّاً فضفاضاً لعملية لامركزية بالكامل، فيما الثانية حدّدت السياسة المركزية للحكومة وفصلت بينها وبين آليات العمل اللامركزية. وفي ما يأتي خطّة المدير العام لوزارة الشؤون الاجتماعية:
الأسر المستهدفة
سيتم توزيع المساعدات والخدمات على الأسر الفقيرة، وتلك التي تضرّرت نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت منذ النصف الثاني من عام 2019 وتداعيات تفشي وباء كورونا. ويمكن تصنيفها على النحو الآتي:
* أسر ليس ضرورياً التحقّق من حاجتها للدعم في المرحلة الاولى:
- الأسر المصنّفة من خلال مشروع استهداف الأسر الأكثر فقراً بأنها في وضع فقر مدقع وتحمل بطاقة «حياة»، باستثناء الأسر التي تستفيد من البطاقة الغذائية (الأسر من حملة بطاقة «حياة» يبلغ عددها حالياً 28000 أسرة تضاف اليها 15000 أسرة من حملة بطاقة «حياة» والبطاقة الغذائية).
- أسر الاطفال والمسنين وذوي الحاجات الخاصة وغيرهم ممن يبيتون في مؤسسات الرعاية الاجتماعية، خصوصاً المتعاقدة منها مع وزارة الشؤون الاجتماعية (يتجاوز عددهم 25000 طفل ومسنّ وشخص من ذوي الاعاقة / الحاجات الخاصة).
- أسر الذين يطبّقون إجراءات العزل أو الحجر بناء على طلب وزارة الصحة العامة.
- أسر مصابي الالغام (ما يقارب 4300 أسرة).
- أسر سائقي السيارات والباصات العمومية.
- الأسر التي تقدّمت بطلب لدى مشروع استهداف الأسر الأكثر فقراً للاستفادة من خدمات المشروع، والتي أجريت لها زيارات منزلية وتمت تعبئة استمارة تقييم لقياس مستوى فقرها وتبين أنها تقع تحت خط الفقر الاعلى.
يمكن تصنيف أكثر من 200 ألف أسرة بشكل سريع وفق خطّة عبد الله
* أسر يقتضي التحقق من حاجتها للمساعدة وفقاً للآلية الآتية:
- أسر صيادي الاسماك المسجلين لدى وزارة الزراعة.
- أسر السجينات والسجناء.
- أسر العاملين/ات الذين تم تسريحهم/ن من عملهم/ن (وفقاً لبيانات وزارة العمل والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ووزارة الصناعة ووزارة السياحة وغيرها).
- الأسر التي تقدمت بطلب لدى مشروع استهداف الأسر الأكثر فقراً للاستفادة من المشروع ولم يتم إجراء زيارات منزلية لها حتى هذا التاريخ (لا يتجاوز عددها 10000 اسرة).
- كل أسرة تطلب مساعدة أو خدمة، شرط التحقق من أنها من الأسر المحتاجة.
عدد الأسر المذكورة، باستثناء أسر العمال والأجراء الذين تم صرفهم من العمل، يصل إلى 200 ألف، ويفضّل إعطاء الأولوية لتلك التي يكون عدد الأطفال فيها دون سن الثامنة (طفولة مبكرة) طفلين أو أكثر، والأسر التي يزيد عدد افرادها على خمسة وكبار السن المستقلين باقامتهم.
إدارة الازمة
تنشأ في رئاسة مجلس الوزراء هيئة إدراة الازمة التي تكون مهمتها على سبيل التعداد لا الحصر:
• وضع آليات تنفيذية لخطة ادارة الازمة.
• اقرار معايير اختيار الاسر المستهدفة / المحتاجة.
• اقرار لوائح الاسر المستهدفة / المحتاجة.
• التواصل والتشبيك مع كافة الجهات المحلية والاجنبية لتنسيق الجهود وتوفير المساعدات.
• الاستعانة بمن تراه مناسبا من الادارات والمؤسسات العامة والمجالس والهيئات والجمعيات لانجاز مهامها.
• كل ما يكلفها به مجلس الوزراء.
فرق عمل محلية (لامركزية)
تنشأ بقرار من المحافظ بناء على اقتراح القائمقامين في المحافظة فرق عمل لتحديد الاسر المستهدفة / المحتاجة على مستوى القضاء برئاسة القائمقام، على أن يؤخذ في الاعتبار عند اقتراح الفريق الوزارات والجهات المسماة في فريق عمل تحديد الاسر المحتاجة على مستوى الادارة المركزية، تكون مهمتها الاساسية رصد الاسر المحتاجة وفقاً للآلية التي تحددها هيئة ادارة الازمة، إضافة إلى ما تكلفها به الهيئة. اما في محافظة بيروت، فيتم تحديد فرق العمل على أساس تقسيم الدوائر الانتخابية وفقاً لقانون الانتخابات الأخير.
ويمكن لفرق العمل المحلية ان تستعين بمن تراه مناسباً من العاملين في الادارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات والجمعيات الاهلية والمنظمات الدولية على مستوى الاقضية لانجاز مهامها.
آلية التنفيذ
بالنسبة الى الاسر التي ليس ضرورياً التحقق من حاجتها للدعم، يمكن الحصول على بياناتها من الوزارات المعنية، على أن تزوّد الهيئة بكافة المعلومات المتعلقة بها وفقا لنموذج يحدّد لهذه الغاية ويتم توزيع جداول تلك الاسر على فرق العمل المحلية ليصار الى تأمين الخدمات والمساعدات لها فور المباشرة بالتنفيذ. وفي حال نقص المعلومات أو وجود أخطاء فيها يصار إلى استيفائها وفقاً لأليات وإجراءات يحددها فريق العمل المذكور.
أما بالنسبة للاسر التي يقتضي التحقق من انها بحاجة للمساعدة، فيمكن استقطابها عبر تحديد أرقام هاتف محدّدة لهذه الغاية بهدف إعداد جداول يومية بالاسماء من قبل فرق العمل في الاقضية وترسل إلى رؤوساء البلديات والمخاتير في القرى التي لا توجد فيها بلديات لاتخاذ القرار بشأن تصنيف هذه الأسر وأوضاعها. كما يمكن تكليف مراكز الخدمات الانمائية التابعة لوزارة الشؤون الإجتماعية والجمعيات الاهلية او المؤسسات الاجتماعية مهام إبداء الراي باللوائح.
توزيع المساعدات والخدمات
مع أفضلية التوزيع للاسر التي يزيد عدد الأطفال فيها دون سن الثامنة عن اثنين على الأقل، وتلك التي يزيد عدد أفرادها عن الخمسة، وتلك التي تتألف من مسنّين مستقلين في الإقامة، تكلّف القوى الامنية بقيادة الجيش اللبناني توزيع المساعدات على أماكن إقامة (السكن) الأسر التي تُحدّد من قبل الفرق المختصّة، وله الحق بالاستعانة بمن يراه مناسباً من القطاعات، مع الالتزام بكافة اجراءات السلامة والحماية من كورونا المحددة من قبل وزارة الصحة العامة.
تعليقات: