لبنان يقفل أبوابه بوجه المغتربين عنه: سياسة عامة
...
لا تريد الدولة اللبنانية إعادة آلاف اللبنانيين من الخارج. الرعايا اللبنانيون متروكون بعهدة أنفسهم، يحاصرهم فيروس كورونا في الاغتراب وليس من خطة رسمية لإجلائهم، والأصحّ أنه ليس من نيّة لإعادتهم. فعلى المغتربين أن يبقوا حيث هم، في أوضاعهم ومع قلقهم. ويمكن هذا القرار الرسمي نتيجة عوامل عدة، منها عدم المخاطرة بإجلاء مغتربين مصابين، فتتفشّى العدوى أكثر، ومنها عدم زيادة الضغط على الجسم الطبي في لبنان في مواجهة كورونا، ومنها أيضاً كلفة نقل الرعايا من مختلف أنحاء العالم. لكن المستجدّ في ملف المغربين اللبنانيين أنّ الدولة لا تعرف أيضاً أعدادهم في الخارج. فاعترف وزير الخارجية، ناصيف حتّي، بهذا الأمر، وأشار خلال حديث تلفزيوني إلى أنه ليس من ضمن عادات اللبنانيين أن يسجّلوا أسماءهم لدى السفارات.
كما أنّ الأكيد أيضاً أنه ليس بحوزة الوزارة لائحة بأعداد المصابين اللبنانيين بكورونا في الخارج، ولا أسماءهم ولا بياناتهم. ويضاف إلى كل هذا انقطاع التحويلات المالية من لبنان إلى الخارج، وإقفال شركات تحويل الأموال نتيجة قرارات كورونا في أوروبا وكل العالم. فبات آلاف اللبنانيين أيضاً بلا أكل ولا شرب. وتوالت الصرخات من الجاليات من مختلف القارات والبلدان، علّها تعيد السياسيين والحكومة إلى رشدهم. فاستيقظت الحكومة، إلا أنّ موقف رئيسها في الصحو كما في السبات، هو نفسه: لا عودة للمغتربين. وبينما يستمّر الموقف الرسمي على حاله، أشارت معلومات إلى هبوط طائرات خاصة قادمة من تركيا تحمل بعض الميسورين. كما تحدّث معلومات أخرى عن وصول طائرة من السعودية بغضون أيام وصلت فيها تذكرة السفر إلى آلاف الدولارات. فثمن كسر قرار التعبئة العامة وإقفال الحدود والمطار، عالٍ ولا يمكن أن يكسره إلا من هو ميسور أو مدعوم.
دياب: لا استثناءات
مع ذلك، أكد رئيس الحكومة حسان دياب أنه "لا يمكن إجراء إي استثناء بإعادة اللبنانيين قبل نهاية فترة التعبئة العامة"، مشدداً على أنّ هذا القرار هو "لحماية اللبنانيين في الخارج وحماية البلد". وأوضح دياب أنّ الحكومة تدرس تصوّراً لإعادة اللبنانيين قبل 12 نيسان المقبل، موعد الانتهاء المبدئي للتعبئة، مؤكداً أنّ "الحكومة تكافح تطور هذا الوباء وخصصنا 60 مليون دولار للتجهيزات والأدوية، وهذه المرحلة صعبة ويجب أن نتعاون جميعا، لأنه من دون هذه الثقة نهدم الوطن".
صفعة بري
أما رئيس مجلس النواب، نبيه بري، فوجّه صفعة للحكومة إذ أشار على أنّ "العقوق في اللغة العربية تُطلق على الولد الذي يخالف والديه، لكن للأسف لم نجد وطناً عاقاً بحق أبنائه كما حصل ويحصل اليوم عبر الأداء الهمايوني الذي لمسناه أمس من الحكومة، فكفى من وطننا عقوقا بأبنائه المغتربين فهم كانوا على الدوام قرش لبنان الأبيض ليومه الأسود، والأوان قد حان لمبادلتهم بأقل واجباتكم". فطالب بري بعقد جلسة استثنائية، اليوم قبل الغد، "من أجل إعادة النظر بقضية المغتربين اللبنانيين الذين يواجهون خطر الوباء في أماكن انتشارهم في شتى أصقاع الأرض وبعضها خال من المستشفيات ويفتقد لأبسط قواعد الرعاية الصحية". وقال إنّ الحكومة "اخترعت البارود لأنها شكلت الشذوذ عن كل دول العالم فكل هذه الدول تقوم بالبحث عن مواطنيها لإعادتهم الى بلادهم أما نحن في لبنان نسينا أن هؤلاء دفعهم إهمال الدولة أصلا كي يتركوا لبنان ومع ذلك أغنوها بحبهم ووفائهم وعرق جبينهم وثرواتهم".
خطة وزير الخارجية
يؤكد وزير الخارجية ناصيف حتّي لكل من يتصّل به أنّ الدولة تقوم بالإجراءات اللازمة لجدولة احتياجات اللبنانيين وجمع التبرّعات وإرسال الأموال لمساعدتهم في هذه المحنة. ويؤكد أيضاً أنه تم العمل على تشكيل لجنة من وزارة المال والخارجية ومصرف لبنان لمتابعة هذا الملف. وعند عودة المغتربين الفورية، يشير إلى أنّ "لا عودة لأي لبنان قبل إجراء الفحوص اللازمة للتأكد من عدم إصابته بكورونا". يعد خيراً بأنه يمكن الاعتماد على بعض الفحوصات السريعة، "رابيد تيست"، في الأيام المقبلة وعلى ضوئه يُتّخذ الإجراء اللازم. لكن الواقع يقول أيضاً أن الـ"رابيد تيست" غير دقيق، وبالتالي لا يمكن إخضاع آلاف اللبنانيين في الخارج إليه، وهو ما يؤشر أيضاً إلى أنّ إلزامية الفحص الطبي قبل العودة إلى لبنان مجرّد ورقة رسمية للمماطلة وإبقاء المغتربين في الخارج.
مآسي اللبنانيين في الخارج
في يوميات كورونا، تسجّل مئات حالات معاناة اللبنانيين مع كورونا، من الإصابة به أو من آثار الحجر والعزلة وانقطاع التحويلات المالية. وما رصدته "المدن" يشير إلى إصابات لدى اللبنانيين في أفريقيا، عاجزين عن تلقي العلاجات اللازمة لافتقار هذه الدول للوسائل وضعف قطاعاتها الصحية. وفي إيطاليا، صرخة الطلاب اللبنانيين لا تزال على حالها وسط تأكيد عدد منهم لـ"المدن" أنّ "التواصل مع السفارة في روما غير مجدٍ، والحديث مع السفيرة أفضى إلى التواصل مع موظف آخر من السفارة لكن أيضاً من دون نتائج". وفي أوكرانيا، الواقع نفسه حيث لا يزال أكثر من 120 طالباً لبنانياً محتجزين في أماكن سكنهم ولم تتجاوب السلطات اللبنانية مع طلباتهم. وفي فرنسا الأمر نفسه، وكذلك في أميركا والخليج العربي حيث انقطعت السبل بعشرات اللبنانيين الذين لم يتمكنّوا من العودة في مهلة الأيام الثلاثة التي حدّدتها الحكومة قبل إقفال المطار. كما أنّ عدداً من هؤلاء بات يقيم بطريقة غير شرعية في الخارج نتيجة انتهاء صلاحية الإقامات أو الفيزا، وهو ما يضع هؤلاء في خطر شديد لكونه يمكن للنظام الصحي في بعض البلدان أن يرفض استقبالهم.
منذ أيام، لا يتردّد المسؤولون اللبنانيون في شكر المغتربين الميسورين على دعهم للقطاع الطبي في لبنان وللجاليات في الخارج. وإذ بالدولة تقفل أبوابها في وجه كل هؤلاء، ميسورين أو "مقطوعين"، أصحاء أو مصابين. ربما لأنّ جمع التبرّعات نهج حياة وسياسة عامة.
دياب يؤكد أن لا استثناءات وبري يجود في انتقاد الحكومة (مصطفى جمال الدين)
تعليقات: