باسيل يعيد مغتربيه بطائرات خاصة وكورونا يُشتت الحكومة


لمّا سُجِلت الإصابة الأولى بفيروس كورونا في لبنان، انقسم اللبنانيون على مصدرها، واتخذ التراشق حول الوباء ومصادره طابع الانقسام الطائفي والمذهبي.

باسيل ومحاسيبه

اليوم يتجدد الانقسام حول عودة اللبنانيين من الخارج، ويتخذ طابع انقسام إسلامي/مسيحي. فالرئيس نبيه بري فجّر أزمة بإعلانه أن البعض لا يعنيه في موضوع الاغتراب والمغتربين، سوى "قانون استعادة الجنسية"، لأسباب سياسية، شعبوية وانتخابية. فيما تفترض المسألة وهمومها التصرف بمسؤولية مع اللبنانيين في الخارج.

وفي الأسبوع الفائت وصلت استثنائياً إلى مطار وفيق الحريري طائرات ثلاث حاملة لبنانيين من الخارج من عائلات "باسيل، صفير، والخوري" تحديداً. ويقال إن العائدين هؤلاء عادوا بواسطة تدخلات واستثناءات خصّهم بها جبران باسيل.

كورونا حقل للتناحر

هذه الواقعة وسواها الكثير من مثيلاتها، ولا سيما تداعيات أزمة كورونا، تدفع إلى التبصّر في سلوك وتصرفات الجماعات والساسة اللبنانيين المتناقضة والمتضاربة، وفي ما تعكسه هذه التصرفات من دلالات فاضحة في هذه اللحظات الحرجة التي يعيشها لبنان واللبنانيون والعالم كله: تفشي وباء تُفترض مواجهته بالتكاتف والتعاضد.

بدلاً من هذا يسري وباء التناحر بين السلطات الثلاث وما تمثله من شرائح اجتماعية طائفية، وقوى سياسية.

المدخل لقراءة هذا السلوك، يجب أن يبدأ من معاينة أداء الحكومة اللبنانية، باعتبارها السلطة التنفيذية وصاحبة القرار والمبادرة لاتخاذ الإجراءات اللازمة. وهي السلطة التي تبدو منقسمة على ذاتها، وتتجاذبها صراعات القوى على مواقع النفوذ ومؤسسات الدولة كلها.

المصارف والمغتربين

في ما يتعلق بالمصارف، تنقسم الحكومة إلى تنويعات مشتتة تمثل قوى متناقضة: أطراف فيها تسعى إلى الدفاع عن المصارف. أطراف أخرى همها مواجهة المصارف وإلغاء امتيازاتها. وأطراف ثالثة تريد الضغط على المصارف لتطويعها.

ذلك أن المصارف مدخل أساسي لمقاربة سلوك الحكومة وتصرفاتها، إلى جانب الأزمات المترتبة عن انتشار وباء كورونا. فهي التي بيدها المال، سواء لتقديم دعم وهبات لتخفيف أعباء الناس والدولة نفسها. وهذا كله لا ينفصل عن ملفات أخرى، مثل التعيينات والسياسة المالية والخطة الاقتصادية وخطة الكهرباء.

أصبحت هذه الأزمات أسماء متعددة لمشكلة واحدة في سلّة واحدة، تتقدمها كورونا الآن. لم تخرج الحكومة بسياسة واضحة ولا بقرارات جذرية في ما يخص تداعيات انتشار الوباء.

فالخلاف على ملف إعادة المغتربين اللبنانيين الراغبين بالعودة، خير مثال على توسع رقعة الخلافات والصراعات والتناحر. وهذا ما عبّر عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري، بوصفه الوطن بالعاق الذي يهمل أبناءه في الخارج، وتتخلف أو تستنكف حكومته عن إعادة مواطنيها من الخارج، في ظروف استثنائية، وإغلاق مطار رفيق الحريري الدولي، ووقف الرحلات الجوية. هذا فيما حطت 3 طائرات خاصة في المطار الأسبوع الفائت، وهي استُئجرت على نفقة خاصة، لإعادة لبنانيين من دبي، و11 لبنانياً من تركيا. على متن طائرتين.

مواقف متناقضة

سلوك الحكومة يدفع بقوة إلى إظهار التناقضات التي تتسم بها مواقف أبرز مكوناتها: طالب الرئيس نبيه بري بإعلان حال الطوارئ، لكنه ما لبث أن أثنى على مقررات الحكومة في شأن إعلانها التعبئة العامة وإجراءاتها. بعد أقل من 24 ساعة على ثنائه خرج بري رافضاً سلوك الحكومة في ملف اللبنانيين في الخارج. وقال إن الدول تسعى إلى إعادة مواطنيها، بينما الحكومة اللبنانية تطلب من السفارات أن تسجل أسماء الراغبين في العودة، متبعة إجراءات روتينية وبيروقراطية يجب أن تسقط في أوقات الأزمات والكوارث. والحكومة لم تتخذ قراراً بإعادة هؤلاء قبل 12 نيسان. لذا هي تواجه مشكلة أساسية تتعلق بعدم قدرتها على إعادة هؤلاء إلى لبنان، لا سيما أنهم قد يكونون قنابل موقوتة وفق توصيف المعنيين، ولا قدرة للبنان على استيعاب المزيد من الحالات المصابة بالمرض.

دياب مهنِّئُ نفسه

تستغل الحكومة أزمة كورونا لإطالة أمدها بعيداً عن مواجهة استحقاقات أساسية وداهمة، كانت ترتبط بوضع خطة اقتصادية إصلاحية للحصول على مساعدات دولية. وجاء الوباء ليحررها من هذه الأعباء، إذ أصبح مؤكداً أنها غير قادرة على إنجاز أي مسألة تتعلق بخطة الإصلاح. لا سيما أن لا أحد في لبنان أو خارجه يتوقع منها أي شيء.

ومن أبواب انتهاز فرصة انتشار كورونا، يستمر الصراع على مواقع النفوذ في مؤسسات الدولة. وهذا ما يتجلى في الصراع على التعيينات في مصرف لبنان ولجنة الرقابة عل المصارف وهيئة الأسواق المالية.

حسان دياب معتدّ بنفسه، لا يترك مناسبة إلا ويمدح ويبارك نفسه لأنه ارتضى تحمّل المسؤولية في هذا الظرف العصيب. لا يبارح التذكير بمزاياه وعمله ونشاطه وبأنه قدّم أفضل الأمثلة التي تحتذيها دول كثيرة. لا يعنيه غير ذلك.

كلٌ يغني مواله

التيار العوني يمسك مفاصل الحكومة، ويستضعف الآخرين. يمتلك مفاتيح أساسية داخل الحكومة. خطة الكهرباء تبقى كما يريدها، بما أن وزيرها محسوب عليه، ويطبق توجيهات جبران باسيل بحذافيرها. وزير الاقتصاد ووزيرة الدفاع بما يمثلان من تقاطعات محلية وخارجية، يشكلان قوته الأساسية في تطويق وزير المال بما يتعلق بالخطط المالية والكابيتال كونترول.

أما حزب الله فمنشغل بملفات أكبر من التعيينات ويعمل على حشد جيوشه للمضي في حربه مع الوباء. وهذا يمنح التيار العوني فرصة أكبر لتطويق كل "شركائه" في الحكومة.

أسقطت أزمة كورونا ورقة التوت عن الشركاء في الحكومة. والتوصيف الدقيق للبنان هو: "بيت بمنازل كثيرة". بل بيوت بمنازل كثيرة تستحق الدراسة بعناية سريرية وعيادية: من التيار العوني وأدائه، إلى حزب الله ونشاطه، إلى الحزب التقدمي الاشتراكي وتحركاته، إلى الغياب التام لتيار المستقبل وأركانه، باستثناء صراعاتهم الضيقة على التعيينات التي رفضتها كتلة المستقبل، أو إدخال مواجهة كورونا في حسابات مذهبية وطائفية تنحصر بالمطالبة بالعفو عن الموقوفين الإسلاميين. وهكذا يصغر تيار رفيق الحريري وتصغر قضيته، وتتحجم طائفته ودورها.

يتجدد الانقسام حول عودة اللبنانيين من الخارج، ويتخذ طابع انقسام إسلامي/مسيحي (عباس سلمان)
يتجدد الانقسام حول عودة اللبنانيين من الخارج، ويتخذ طابع انقسام إسلامي/مسيحي (عباس سلمان)


تعليقات: