حاكم مصرف لبنان رياض سلامة
قرّر حاكم مصرف لبنان مصادرة تحويلات المغتربين التي ترد إلى لبنان عبر المؤسسات المالية غير المصرفية التي تقوم بعمليات تحويل نقدي إلكتروني. من تلقاء نفسه، قرّر أن يسلب المغتربين وذويهم في لبنان الحدّ الأدنى من الأمان في بلد يعاني أزمة مالية ونقدية وإقفالاً سببه فيروس «كورونا». ربما يجب اقتلاع الفيروس المحلي أولاً
مجدداً، يطعن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المغتربين وذويهم في لبنان. طعنهم مرّة بالظهر عندما استقطب الودائع بالدولار (التي لهم منها نصيب واسع) عبر المصارف وسجّلها خسائر مخفية في ميزانيته، ثم طعنهم أمس في الوجه مباشرة عندما فرض على المؤسسات التي تقوم بالتحويلات الإلكترونية دفع الأموال بالليرة اللبنانية، «بسعر السوق»، بدلاً من الدولار.
أمس، أصدر سلامة تعميماً موجّهاً للمؤسسات المالية غير المصرفية التي تقوم بعمليات التحويل النقدي بالوسائل الإلكترونية، يفرض عليها الآتي: «أن تسدد قيمة أي تحويل نقدي إلكتروني بالعملات الأجنبية وارد إليها من الخارج بالليرة اللبنانية بسعر السوق. وأن تبيع من الوحدة الخاصة المنشأة في مديرية العمليات النقدية لدى مصرف لبنان العملات النقدية الأجنبية الناتجة من العمليات المشار إليها».
ماذا يعني هذا التعميم؟
ببساطة، يقول سلامة إنه لم يعد مسموحاً لأي مقيم في لبنان أن يستحصل على قيمة التحاويل التي ترد إليه من الخارج بالعملة الأجنبية، سواء كانت دولاراً أو يورو أو أي عملة أجنبية أخرى. كذلك يشير إلى أنه بات لزاماً على المؤسسات التي تقوم بهذه العمليات أن تدفع قيمة التحويل الوارد بالليرة اللبنانية بسعر السوق الذي يحدّده هو بشكل استنسابي وغير واضح في مديرية العمليات النقدية التي أنشأها أخيراً بالتعميم 13216 والتي رسم مساراً زمنياً لعملها لستة أشهر.
المقصود بهذا التعميم شركات مثل ويسترن يونيون، أو أم تي، كاش يونايتد… وهو يأتي بعد تعديلين أجراهما سلامة على التحاويل التي ترد إلى لبنان إلكترونياً عبر هذه المؤسسات. في الأول فرض على هذه المؤسسات الامتناع عن تسديد قيم التحويلات بالعملات الأجنبية، ثم عاد وتراجع عن هذا التعديل وطلب منها الدفع بالعملة الأجنبية الواردة من الخارج.
في التعديل الأول، كان سلامة يحاول نشل الدولارات الواردة من الخارج بأي طريقة، وخصوصاً أن عدداً كبيراً من المغتربين العاملين في الخارج امتنعوا عن تحويل الأموال إلى ذويهم عبر المصارف بسبب التقنين الذي تمارسه هذه الأخيرة على تسديد قيم التحويلات بالدولار. ويتردّد أن سلامة أغرى أصحاب المؤسسات المالية غير المصرفية بهندسات نفّذها معهم لشراء الدولارات الواردة من الخارج، والتي دفعوا ثمنها بالليرة اللبنانية بسعر 1507.5 ليرات وسطياً فيما كان سعر هذه الدولارات قد بدأ يرتفع في السوق.
وكانت موجبات التعديل الثاني أنه بعد انفجار الأزمة المالية ــــ النقدية في لبنان وارتفاع سعر صرف الدولار في لبنان بأكثر من 35%، توقف المغتربون عن تحويل الأموال عبر هذه المؤسسات المذكورة، وعمدوا إلى إرسالها مع أصدقاء يسافرون إلى لبنان أو دفعوا من حساباتهم العالقة في لبنان مقابل حصولهم على الأموال في الخارج. هذا الأمر دفع سلامة إلى إصدار تعميم يفرض على المؤسسات المالية غير المصرفية تسديد قيم التحويلات بالعملة الأجنبية. الهدف هو استعادة قسم من الدولارات وامتصاصها لتغذية احتياطاته بالعملات الأجنبية.
هذه العملية لم تعد مجدية بالنسبة إلى مصرف لبنان الذي تبيّن أنه تكبد خسائر بقيمة تفوق 63 مليار دولار من الودائع المصرفية بالدولار (هي في جزء كبير منها أموال المغتربين المجمدة في حسابات محلية). وبما أن قسماً كبيراً من تحويلات المغتربين لم يعد يأتي عبر المصارف، بل عبر تحويلات إلكترونية، وبما أن سلامة بات يحدّد سعر الدولار بنحو 2600 ليرة مقابل تصفية الحسابات المصرفية الصغيرة التي لا يفوق قيمة كل منها خمسة ملايين ليرة أو ثلاثة آلاف دولار (الحسابات بالليرة تقلب إلى دولار بسعر 1500 ثم تحوّل إلى ليرة بسعر السوق) فهو اليوم يستكمل هذا المسار من خلال التعميم الأخير الذي يفرض على مؤسسات التحويل النقدي الإلكتروني تسديد التحويلات بالليرة وبسعر السوق مقابل امتصاص الدولارات.
من أتاح لسلامة المسّ بتحويلات المغتربين التي تمثّل الحد الأدنى من الأمان لذويهم في لبنان؟
بهذه العملية، يوجّه سلامة طعنة مباشرة إلى المغتربين في الخارج وذويهم في لبنان. فهذه التحويلات هي المساحة الآمنة بين المغتربين وذويهم، لأنها تمثّل تعويضاً عن انخفاض القدرة الشرائية لجزء من المقيمين في لبنان، وسلامة يسلبهم هذا الأمر تحديداً ويصادر الدولارات التي يشقى المغتربون قبل الحصول عليها. عملية السلب واضحة جداً، لأن قيمة الدولارات في لبنان تفوق «سعر السوق» الذي حدّده مصرف لبنان بأكثر من 15% وهي مرشحة للارتفاع أكثر مع مرور الوقت وارتفاع سعر الدولار في السوق مقابل مزيد من الانخفاض في قيمة الليرة اللبنانية. ببساطة، سلامة يسلب المغتربين وذويهم حقّاً واضحاً في الحصول على أموالهم. هو لم يصادر الودائع فقط لتمويل عمليات فساد وبسبب إدارته الفاشلة، بل يصادر الحدّ الأدنى من المساعدة التي كان ينعم بها ذوو المغتربين في لبنان. يثير هذا الأمر سؤالاً أساسياً: من الذي أتاح لرياض سلامة المسّ بتحويلات الناس وفرض تسديدها بالسعر الذي يقرّره هو؟ وفق أي معايير يقرّر سعر الصرف الجديد؟
تعليقات: