أبحث عن البراءة في الدعوة إلى التجمع في ساحة الشهداء، في وسط بيروت، في اليوم الذي يعود بالذكرى الاليمة إلى بدء الغزو الإسرائيلي البغيض للبنان يوم السادس، من شهر حزيران (يونيو) عام ١٩٨٢، في ما سمي بعملية السلام للجليل!
كما أبحث عن البراءة في رفع شعار "نزع سلاح حزب الله" في هذا اليوم بالتحديد، هذا التاريخ الذي يسجل إنطلاقة المقاومة الإسلامية اللبنانية التي حررت جزءا عزيزا كبيرا في لبنان عام ٢٠٠٠، من نير الكيان الصهيوني الطارئ على الأمة العربية جمعاء!
أبحث عن البراءة في التهيؤ والإستعداد لإعادة إحياء نقمة محاور الحرب الأهلية في هذا اليوم بالذات، والقيام بمواجهة السلاح للسلاح على تلك المحاور، الذي استدعى تدخل الجيش للفصل بين مطلقي السلاح الحي، ولكن دون الإعلان، للأسف، عن توقيف أحد من "زعران" الأطراف المتنازعة طائفيا!
لم أر أي شاهد أو أثر للبراءة المنشودة في كل ما أوردته أعلاه، بل تحسست خبثا مذهبيا رخيصا، وجشعا للتسابق من أجل تسلط فريق "لبناني" على فريق "لبناني" آخر، رغم قناعتي أن كل من يورط لبنان في هذه المسائل الدنيئة والرخيصة، هناك شك في لبنانيته، وشكوك أخرى عديدة حول هويته الوطنية الخالصة!
أصبح واضحا وضوح الشمس، أن كل من استمروا في إدعاء "الثورة الشعبية" بعد استقالة حكومة سعد الحريري، وحتى يومنا هذا، هم ضالعون ومتورطون سياسيا: محليا، وإقليميا، ودوليا، وهم استمرار لنزاعات "الربيع العربي" التي تتداعى مفاعيلها الهدامة على الساحة اللبنانية.
أعجب كيف أن جميع رؤساء الأحزاب اللبنانية، دون استثناء أحد منهم، كيف أنهم يحركون ويستغلون حاضناتهم البريئة، مذاهبيا، من أجل تحقيق أو الإبقاء على اطماعهم، وعنفوانهم، وجشعهم، حتى على أطلال تجويع، وتقاتل، وتهجير هذه الحاضنات! وأعجب كيف أنهم يحولون قطعانهم البريئة من دفة المطالبة بالعيش الكريم، إلى دفة التباغض، وبث الحقد، والتزمت الديني المذهبي، فيما بينهم!
انطلقت الثورة الشعبية العفوية بإمتياز، يوم السابع عشر من شهر تشرين الاول(أكتوبر)، ٢٠١٩، بصدق، وعزيمة، قل نظيرها، فاقفل الجائعون والفقراء والمعوزون والمرضى، والمستقلون كل طرقات الوطن ومسالكها، وملأوا الساحات، خارج الأحزاب، والطوائف، والمذاهب، والمناطق، والغايات الدفينة! شكل ذلك إحياء للروح الوطنية الحقة، ومحت من عقول الناس مفهوم خضوع القطعان إلى تيوسها المذهبية، واستعادت فخر الجميع بالإنتساب إلى بلد الإشعاع والنور حقا، إلى لبنان.
لم يخفت جمر هذه الثورة الصادقة، ثورة الأبطال الإحرار، بل لا زالت متوقدة تحت رماد الإنتظار، رماد مراقبة قرارات الحكومة الحالية غير المنجزة، الغارقة في عبارة "سوف" المستقبلية، لأنها لا تجرؤ على إنجاز وتحقيق أطماع الزمر السياسية الحاكمة على حساب المعوزين والمساكين، وفرض ضرائب ورسوم إضافية وجائرة عليهم، إرضاء لمطالب صندوق النقد الدولي!
يتحين الثوار الأبطال لحظات سقوط السلطة الحاكمة في أحابيلها حتى يستعيدون دورهم على كل مساحات الوطن.
أختصر كلامي بالقول أن الذين يطالبون بنزع سلاح حزب الله، يتقاسمون الأدوار معهم، حتى تعود اللعبة إليهم جميعا، فيحققون ديمومتهم، ويتساندون إلى بعضهم البعض، على ركام جثث قطعانهم البريئة!
حصل ما حصل يوم السادس من حزيران ٢٠٢٠، وأوجزت ليلا، إحدى مراسلات وسائل الإعلام المرئي كلامها الغامض بالقول: "... عادت الحياة إلى طبيعتها..."! هل كانت تقصد بذلك عودة الحياة إلى طبيعتها المذهبية التحاصصية، والتقاسمية، أو عودتها،أي الحياة، إلى التحين والتحسب الشعبي، الذي أعتقد جازما بعودته إلى النضال المتواصل ضد هذه الزمر المتلسطة، من أجل تحقيق دولة المواطنة العادلة، والقوية!
* سعد نسيب عطاالله
تعليقات: