عيبٌ ما بتنا نراه كل يوم...
أناس مْجتَمعون من أجل ربطة خبز، بات فارق سِعرها الصغير ثقيلاً في زمن الشَحّ والنَهب والبَطالة...
عاد الناس الى تموين الشمع، لأنّ ملفّ الفيول لم يعد يُعرف في أي كذبة بدأ والى أي فضيحة سينتهي.
عيب...
محلّاتٌ تُقفِل، إزدحام عند ابواب المصارف، رفوف تَفرُغ وتبقى فارغة، «نقزة» من العتمة الآتية، أناس يترحّمون على إيّام الحرب، حيث أنّ المواطن كان قادراً تحت القصف على سحب امواله من البنك ويحمي نفسه...
عيب أن نكون قد وصلنا الى هذه الحال... والدولة مشغولة بأولويّات أُخرى.
أوّل وأهمّ بند على لائحة الهموم الرسميّة هو حماية مصالح حزب المصارف، ولا داعي للتسمية هنا، لأنّ أعضاء هذا الحزب فرزوا انفسهم في موقف موحّد شعاره: «عفا الله عمّا مضى»، وهدفه هو أن ينسّينا المليارات من الدولارات التي سُحِبَت من جنى عمر المودعين، والأموال المهرّبة والفوائد المرتفعة وخسائر موازنة مصرف لبنان المركزي.
حتّى صندوق النقاد الدولي (آي. إم .إف) استغرب أرقام لجنة تقصّي الحقائق النيابية التي تُظهر أنّ الوضع ليس سيئاً الى هذه الدرجة... وقال لحاكم مصرف لبنان: انت في حالة نكران، لا تعترف أنّ سعر الدولار الحقيقي هو سعر السوق السوداء.
والأغرب إنّ سياسيّي المنظومة التي أوصّلتنا الى ما نحن، فيه تبنّوا هذه الأرقام لمصلحة المصرف وضدّ مصالح المواطنين والمودعين.
عندما حُكيَ عن تحقيق مالي جنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي كانت ردّة الفعل بكلّ وقاحة إقصاء شركه «الأوديت» بحجج سيادية، مع العلم إنّ لدى شركة التدقيق مع المصارف اللبنانية تاريخاً من التعامل العلمي والشفّاف...
ويومها لم يُشغل أحد باله على السيادة.
لو أنّ هذه الغيرة الوطنيّة في محلّها لما كان هناك من شيء يمنع تكليف شركة أخرى لديها القدرة والشفافية في التدقيق ولا تمسّ السيادة الوطنيّة.
والسؤال: لماذ رُفِضَت شركة «الأوديت»؟
رُفِضَت لأنّه يوجد خطر على مصالح وصفقات يمكن التدقيق الحقيقي والنظيف ان يكشفها ويدلّ الى اصحابها.
هدفهم تحييد المصارف ومصرف لبنان والدولة... وفي هذه الحال تقع الخسارة على رؤوس المودعين والشعب اللبناني كله.
المواطن طوال عمره مجبور على أن يقدّم ضمانة عقارية أو ماديّة لأي قرض يأخذه من البنك... وإذا قصّر في الدفع، يضع البنك يده على العقار ويصادره.
اليوم، بعدما صارت المصارف عاجزة عن تسديد أموال المودعين... صار من حق المودع ان يضع يده على ممتلكات المصارف مثلما تعاملت معه لسنين.
بمعنى أوضح، نحن نشهد اليوم أخطر وأكبر عملية إختلاس منظّم ضد شعب بكامله في تاريخ الإنسانية.
وفي إختصار، تبيّن أنّ حزب المصارف أقوى من الدولة كلّها مجتمعةً، بفعل الشراكة المخفيّة بين الجميع... ولو كانت الدولة صادقة ومسؤولة وشفّافة... لما كان كان هناك من شيء مستحيل.
القصّة ليست في الإمكانيّة... القصّة في سوء النيّة.
تعليقات: