تبقى شامخاً كالقمم يا سمير القنطار


تمرّ السنون وتبقى شامخاً شموخ القمم المتوجة بعنفوان الحق ومعالم الانتصار.

هي ثلاثون عاماً مضت وأنت رهين الأسر وقضبان الزنازين وأنت رمز لحرية المناضلين. عزيمتك ما زالت كالصخر تقهر بها السجن وتلهب بها ظهور السجانين وتبشر بالأمل الموعود في مساحات الوطن وفوق شفاه الأطفال وعلى وجنات العذارى... وأنت ترسم بابتسامك ورموش عينيك خارطة النصر القادم لا محالة.

لم تستطع الأعوام أن تنسيك هموم أمتك التي تنتمي إليها، وتكتب سطراً من تاريخها متوجاً بالحلم المشروع دفاعاً عن حقوقها.

أنت أيها السباح في القمم لم تنتمِ يوماً إلى مساحة محدودة من الوطن الذي حاولوا أن ينسبوك إليه قطراً أو ديناً أو مذهباً، لأن انتماءك كان للأمة الأعظم... فكما كنت لبنانياً ولادة وانتماءً، انتميت في براعم عمرك لفلسطين عشقاً وحباً ونضالاً وقضية... كنت نوراً بمبادئك وإيمانك، وناراً تصلي بها الأعداء بكل الأطياف والأشكال.

أيها المناضل، كيف يكون الإنسان حراً في مساحات المادة وهو سجين في مساحة تسمى الوطن مقيداً بقيد الدين والمذهب، وكل انتماء ضيق... أنت قد سموت حينما انتميت إلى فلسطين قضية العرب المركزية وطرزت آمالك بأفكارك التي انحازت إلى الأمة والوطن إلى الشعب والقضية. فحملت السلاح الذي وجهته إلى صدور كل عدو لتحقق الحلم الأسمى...

سنون تلو سنين واسم سمير القنطار الأسير وعميد الأسرى العرب يدغدغ فينا الحلم بالنصر والحرية، وحينما تجف قلوبنا وتتيبس شفاهنا، فإن اسمك يمثّل لنا قطرات الندى التي تعيد إلينا طراوة الأمل وبريق الحلم.

وحين تذوي الأضواء في نفوسنا، نتذكرك لكي تتوهج لدينا جذوة الأمل ويتحقق الانتصار. أيها الحر الأسير، لقد انتصرت وأنت تواجه السجن والسجان. وفي اللحظة هذه وأنت الحر في سجنك الصغير، هناك من هم أسرى في مساحة الوطن الكبير. أسرى الحقد والخيانة والخديعة.

أسرى المؤامرات على كل خير في الوطن. أولئك الذين لا يسبحون إلا في مياه التآمر النتنة المتدفقة من ينابيع الشر.

والآن بعد احتلال العراق تحت مطرقة آلة العدو الصماء وسندان التآمر والتواطؤ العربي، متوّجة بالصمت والسكوت والخنوع عند أدعياء القومية والوطنية والعروبة، نراك يا أيها الذي يستمد من صلابته ورجولته تجذر انتمائك الأشمل إلى هذه الأمة العظيمة، وتقف موقف الرجل الرجل، وتعلن موقفك القابض على نيران الانتماء بالتضامن مع العراق أرضاً وشعباً ومقاومة. كيف لا وأنت توجّهت برسالتك المؤيدة لإعلان الهيئة الوطنية اللبنانية لدعم المقاومة والشعب العراقي، مزينة بإعلانك الوقوف إلى جانب الحق العربي في كل شبر من هذا الوطن.

كيف يمكن لمقاوم أن لا ينحاز إلى المقاومة في كل مكان من هذا العالم عامة وإلى لبنان وفلسطين والعراق خاصة، ونحن نعلم أنه «من فلسطين إلى لبنان إلى العراق المقاومة واحدة والهدف واحد والنصر آتٍ لا محالة».

أيها العملاق الواقف جسداً خلف القضبان التي تستمد من صمودك ورجولتك ورفاقك الأبطال الأسرى قوة الاستمرار في هذا الوطن خارج القضبان، وأنت بوجهك تنير عتمات ليالينا الحالكة من فعل الخيانة والمذلة.

ونحن حينما نشاركك في الذكرى السنوية لأسرك، فإننا نستمد من شموخك عوامل الصمود والمواجهة والمقاومة ضد أذلاء بوش وحلفائه. ونحن يا عميد الأسرى العرب نستذكر دائماً عنفوانك وأنت تشد من عضد إخوانك ورفاقك العرب في الأسر الفلسطيني، حيث أراد القدر أن تكون أرض فلسطين جامعة لحلم النصر في مواجهة العدو الصهيوني. ثلاثون عاماً أيها النسر وأنت تعانق صهيل الخيل وتمتطي صهوة القمم وتنشر شمس الحرية من تفاصيل وجهك وسلم أشعة النصر القادم بأصوات ستلهب بها وجه السجن وتفتت أسوار سجون العدو المحتل لفلسطين والعراق.

إسمح لنا وإن كانت كلمة حق لا تليق بعظمة عطائك وصمودك وعطاء كل الذين نذروا أنفسهم في سبيل الأمة والوطن، وإلى كل مناضل، أن نشد على الأيدي الحرة الطاهرة، وأن نتعهد الاستمرار على الطريق الذي خطته دماء الشهداء وحريات المناضلين.

تعليقات: