أثناء تسلم مقر المستقبل الرئيسي في صيدا
قد يقال الكثير عن تدخّل العقلاء لفتح أوتوستراد الجنوب ــ بيروت، لكن المعارضة كانت جاهزة لفتحه بالقوة، ومع الحسم السريع في بيروت بدا أن الأطراف ليس باستطاعتها أن تبقى ملكية أكثر من الملك.
إقليم الخروب ـ
الطريق الساحلي باتجاه الجنوب «سالك وآمن» ابتداءً من بعد ظهر أمس. تدخّل كثر، بعضهم من تيار المستقبل من أجل عدم مد الصراع إلى منطقة الإقليم وتسوية الأمور وفتح الطريق من خلدة إلى الرميلة التي قُطعت في أكثر من مكان. وكان لنواب من الإقليم ونائبي مدينة صيدا بهية الحريري وأسامة سعد دورهم في رفع العوائق والسواتر وإبقاء الطريق آمناً، وأن لا يكون مسرحاً للعبث، وفي هذا وذاك الكثير من الصوابية والدقة، ولا سيما مع الجهود التي بُذلت، لكن هذا الطريق الذي هو شريان التواصل بين العاصمة والجنوب، وعدم قبول المعارضة بإقفاله أو إهانة الناس «على الهوية» يبقيان الأساس في حسم الأمر. فلا أحد يرغب في نقل التوتر إلى منطقة الإقليم. ولقد جرى الاتفاق على فتح الطريق في الأماكن التي أقفلت، وباشر المعنيون إزالة العوائق من الناعمة والدامور والرميلة، فيما بقي عشرات الشبان من الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل يصرون على قطع الطريق عند الأوتوستراد السريع في الجية عند مفترقات بلدة برجا، وعلى بعد مئتي متر من مكان القطع ربضت قوة من الجيش اللبناني ومعها جرافة. في انتظار تبلّغ المعنيّين في أرض الميدان من مركزهم إشارة فتح الطريق تبدو «تنتيعات» اللحظات الأخيرة «قبلنا لم نقبل» ورشق ناري من المحتجين واستنفار للجيش. وبعد أخذ وردّ وتفاوض مع ضابط من الجيش تقدم مع مجموعة من جنوده باتجاه الشبان، أذن هؤلاء بفتح الطريق مع شرط يقضي بأن يقوم أحدهم بقيادة الجرافة لإزالة السواتر الترابية والعوائق «نحن وضعناها ونحن نزيلها». تقدمت مجموعة الجيش وسائق الجرافة وهرع الإعلاميون لكن الشبّان تصدّوا لهم وممنوع التصوير «روحوا صوروا هونيك عند الزعران اللي حرقوا البلد..شو بدهن الشيعة نحنا عم ندافع عن الإسلام».
عودة إلى المربع الأول «لن نفتح الطريق» تفاوض آخر وشرط جديد يقضي بأن تجري العملية خارج عدسات التصوير. يبتعد الإعلاميون ويعيدون «التموضع» في مكان آخر لكن الشبّان يطاردونهم وينالون من أحدهم «ضربة على رأسه»، ويحاصرون آخر أفاده عناده بعدم الاستسلام لهؤلاء في وقف عنترياتهم. يتدخل نقيب في الجيش اللبناني يفكّ أسره ويمنعهم من الاقتراب من الإعلاميين الذين كان عليهم المغادرة السريعة، وواحد من قادة الاحتجاج وهو ثلاثيني من العمر كان متفهّما للعمل الإعلامي، مشيراً الى أن «الفتية غاضبون والله يحميكم»، متمنّياً المغادرة، وفي طريق العودة إلى صيدا تنشط سيارات أمنية تابعة للحزب الاشتراكي في مراقبة مغادرة وسائل الإعلام حتى آخر الرميلة، ونقطة للجيش تمنع السيارات بانتظار حلحلة عقدة برجا ـــــ الجية. أخيراً نفّذ الأمر. فُتحت الطريق، بدأت الحركة في ظل انتشار وحدات من الجيش. طلائع السيارات العابرة كانت بمثابة «دوريات استطلاع» للتأكد من خلوّ الطرقات من أي وجود لعناصر سلطوية.
وفي صور (آمال خليل) أفرغ بعض الشبان جام غضبهم في أرجاء دار الإفتاء الجعفري الذي يرأسه مفتي صور السيد علي الأمين بسبب مواقفه السياسية، التي «لا تشرّف الجنوبيين» بحسب البعض، وخصوصاً تصريحاته الأخيرة بشأن الأحداث الجارية، التي انتقد فيها المعارضة وحزب الله «لأن المعركة ليست مذهبية بل سياسية طنية». اقتحام الدار الهادئة والسيطرة على المكاتب، التي كانت حينها خالية من الموظفين، باستثناء نجلي الأمين والحراس، دام قرابة ساعة، ثمّ جمع الشبان قواهم مع الأهالي الذين تجمّعوا أمام الدار، وغادروا بعد إحكام إغلاق الدار بالأقفال الحديدية، قبل أن يؤمّن الغاضبون خروج نجلي الأمين.
ميدانياً، استعادت قوات اليونيفيل حركتها في المنطقة اطمئناناً ربما إلى كلام السيد نصر الله بالأمس، عن تحييدهم عن الأحداث الجارية. وبخلاف أول من أمس، سيّرت الوحدات. ومساءً، تسلّم الجيش اللبناني عدداً من المراكز التابعة لتيار المستقبل في صيدا، بينها المركز الرئيسي في بناية المقاصد. ولم تخل عملية التسليم من بعض الإشكالات، إذ رفض مناصرو المستقبل الأمر، وتجمّعوا بالعشرات أمام المركز الرئيسي وراحوا يطلقون هتافات ضد السيد حسن نصر الله. عملية التسليم جاءت بعدما تردد أن قوى المعارضة في المدينة أبلغت، عبر وسطاء وأمنيين، النائبة بهية الحريري بضرورة تسليم هذه المراكز طوعاً إلى الجيش، وإلا أقدمت المعارضة على اقتحامها بنفسها. وفور شيوع هذه الأنباء، تحولت منطقة الشمعون حيث يوجد المركز إلى ساحة مواجهة، إذ تجمّع مؤيّدو المعارضة داخل المدينة في مواجهة مناصري المستقبل وسط انتشار كثيف للجيش اللبناني الذي استقدم تعزيزات. لكن المفاجأة كانت تبادل النار بين انصار لحركة امل قدموا من خارج المدينة وعناصر من تيار المستقبل، الذي أدى الى وقوع قتيلين مدنيين هما صابر القادري وزوجته مبادي قصب وأربعة جرحى بينهم ابنة القادري. كذلك أصيب مركز المستقبل بقاذفة صاروخية.
تعليقات: