مواجهة العصابات بـ«النار» قد يقود المحافظة إلى تصعيدٍ لا يمكن معه التوقّع كيف ستنتهي الأمور (الأخبار)
«حقناً للدماء»، وفي محاولة جديدة لمعالجة مشاكل المنطقة الأمنية عبر طرق أخرى غير «الحلول الأمنية والعسكرية»، أبرمت السلطات السورية اتفاقية «صُلح» مع عصابة امتهنت الخطف والسلب لسنوات. وقضت المصالحة بانتشار الجيش في البلدة ومحيطها، حيث تتصعد الجرائم بشكل لافت، لكن ردود الفعل المحلية تتباين تجاه هذا النوع من التسويات
لم توفّر السلطات السورية حتى اليوم فرصةً للوجود في محافظة السويداء بحد أدنى من الاحتكاك أو التوتر. في المقابل، شريحة لا بأس بها من أهل المدينة لا تزال تحمّل الحكومة مسؤولية الاختلال والانفلات الأمني في المحافظة، والذي يتزايد منذ بداية الحرب. الشريحة ذاتها، تقف على مسافة واحدة من العصابات الفالتة والأجهزة الأمنية الرسمية، فلا هي تعفي العصابات من المسؤولية عن الممارسات غير القانونية، ولا هي تقرّ للسلطة بالقيام بالحد الأدنى من واجباتها تجاه أهل المنطقة. العنوان الأبرز في السويداء هو عمليات القتل والسلب والخطف مقابل الفدية. يكاد لا يمر يومٌ على المدينة الجنوبية، وقراها المحيطة، بلا تسجيل جريمة من هذا القبيل. البعض في المدينة يعيد أسباب تفشّي الجرائم إلى تردّي الوضع الاقتصادي والمعيشي، بينما ترفض القيادات العشائرية هذا التبرير، معيدةً الأمر إلى انتشار السلاح وصعوبة مواجهة هذه العصابات «بالنار»، ما قد يقود المحافظة إلى تصعيدٍ لا يمكن معه التوقع كيف ستنتهي الأمور.
وتحظى بعض هذه العصابات بتغطية محلية، وإن كانت محدودة، على صعيد القرى وبعض الفصائل المناوئة للدولة. الفصائل التي تعتبر نفسها معنية شخصياً بحماية المدينة، حتى من السلطة الرسمية نفسها، سرعان ما تحوّلت إلى خصم للمدينة ذاتها، عبر تشريع عمليات الخطف والقتل وعموم الممارسات التي جعلت من دخول المدينة مهمةً صعبة لغير ساكنيها. فالمستهدف الأول في الخطف هو الوافد من محافظة أخرى، ولا يخلو الأمر من خطف أولاد المحافظة ذاتها لأسباب متعددة، منها ما هو مرتبط بالثأر، أو تحصيل الحقوق، أو الخطف لأجل الفدية أحياناً.
وقد شهدت المدينة في حزيران/ يونيو الفائت، تظاهرات واحتجاجات على الوضع المعيشي المتردّي في البلاد، لكنها سرعان ما تحولت إلى تظاهرات سياسية رفعت شعارات مناوئة للسلطة، لتطالب أيضاً بخروج إيران وروسيا من البلاد، وتطالب حتى برحيل السلطة نفسها، في مؤشر على انقسام السويداء على نفسها، حيث قوبلت هذه التظاهرات بمسيرات مؤيدة نفذتها جهات حكومية وطلابية في المدينة.
وفي إطار تدخّل الأجهزة الحكومية لمحاولة كبح جماح الجريمة ووقف تصاعدها في المنطقة الجنوبية، كشف مصدر مطلع لـ«الأخبار» أن «السلطات أبرمت اتفاق مصالحة مع عصابة بلدة عريقة، وهي عصابة محلية تتخذ من القرية مقراً لها». المصالحة، بحسب معلومات «الأخبار»، شملت «أكثر من 20 عنصراً محلياً مسلحاً، قاموا بتسوية أوضاعهم قانونياً، وتعهّدوا بعدم ممارسة أي عمل يخلّ بالأمن العام». ويضيف المصدر الأمني: «قرارنا هذا جاء لرأب الصدع مع المكونات المحلية في السويداء وكمحاولة منا تعبّر عن حسن نيتنا». وفي حين أشار المصدر إلى أن اتفاقية المصالحة ستشمل ما يتعلق بقضايا الحق العام، لفت إلى أن «ما يتعلق بالدعاوى الشخصية يمكن لباقي الأفراد متابعتها قضائياً عبر توكيل محامٍ خاص». وقد سلّمت هذه العصابة نحو 10 بنادق آلية، وقواذف «آر بي جي»، وقنابل يدوية، وحشوات قذائف، وصناديق ذخيرة متعددة، على أن يكون هناك إعادة انتشار لنقاط الجيش على مداخل البلدة وداخلها.
ولا يبدو أن سبيل التسويات سالكٌ في المنطقة، أو قد يؤدي إلى نتائج إيجابية واضحة. إذ بعد يوم واحد على المصالحة المذكورة، أقدمت عصابة أخرى من البلدة ذاتها على طلب فدية بقيمة 15 مليون ليرة، مقابل شابين من حلب، كانت قد اختطفتهما سابقاً. وبمعزل عن هذه المصالحة أو سواها، فإن مسألة ازدياد الجريمة في المدينة وجوارها تستدعي بحسب رأي بعض سكانها «حلاً شاملاً تقوم فيه المرجعيات الروحية بدورها الواجب عبر مكانتها الدينية لدى أهالي المنطقة»، لوضع حد لتفلّت الأمور، وإيجاد طريقة لحماية المدنيين وتحصينهم، تمهيداً لإعادة المدينة إلى الوضع الآمن بعيداً عن كل المخاطر.
تعليقات: