في وقت تستجدي فيه البلاد دولاراً لتغطية استيراد كلفة الرغيف، تجهد شركة طيران الشرق الأوسط في حماية دولاراتها عبر «تهريبها» إلى حساباتها في الخارج، مراكمة الفوائد التي جنتها الشركة الوطنية من الأزمات المتلاحقة من «كورونا» إلى أزمة الدولار
مُعظم الأموال التي يدفعها المُسافرون الراغبون في السفر على متن شركة طيران الشرق الأوسط عبر بطاقات الدفع الدولية لا تدخل إلى لبنان، ويتم تحويلها إلى حسابات تابعة للشركة في الخارج. هذا ما يؤكّده مصدر في أحد المصارف رفض أخيراً تحويل أموال عدد من زبائنه إلى حساب الشركة في الخارج، فيما تدعم شبهة «تهريب» الأموال شهادات عدد من أصحاب مكاتب السفر، أكّدوا أن الـ«ميدل إيست»، منذ أشهر، تحوّل أموال التذاكر التي يُسدّدها المُسافرون «أونلاين» عبر بطاقات الدفع إلى حساباتها في الخارج، ومن ضمنها حسابها في لندن، في وقتٍ تستجدي فيه البلاد دولارات لتغطية استيراد الرغيف والمحروقات.
وفي ظلّ انهيار شامل تعانيه البلاد، تجهد الشركة الوطنية للاستثمار في الأزمات المتلاحقة ومراكمة أرباحها. في أزمة «كورونا»، مثلاً، ضاعفت الشركة أسعار بطاقاتها في عمليات إعادة لبنانيين من بلدان الاغتراب، متذرّعة بأن طائرت الإجلاء سُتقلع من مطار بيروت فارغة، وأنها ستعود بنصف حمولتها من الركاب بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي. لكن مسافرين أكدوا لـ«الأخبار» أنهم، في عزّ الأزمة، سافروا على متن طائرات الإجلاء في رحلات الذهاب، وأن هذه الطائرات كانت «شبه مُمتلئة وخلت من إجراءات التباعد». أحد الذين سافروا إلى فرانكفورت قال إنه أُجبر على حجز تذكرة سفر ذهاباً وإياباً على إحدى الرحلات التي كان يفترض أنها فارغة، رغم أنه كان يريد قطع تذكرة ذهاب فقط، «وقد فرضوا عليّ دفع 2400 دولار نقداً ثمن التذكرة». وبذلك، تكون الشركة قد حقّقت ربحاً مُضاعفاً، إذ استفادت من رفع أسعار التذاكر للوافدين إلى لبنان وفي الوقت نفسه لـ«الهاربين» منه!
استفادت «ميدل إيست» من ملف إجلاء المغتربين إلى لبنان و«الهاربين» منه على السواء
الاستثمار طال أيضاً فحوصات الـ pcr. فمن المعلوم أن كلفة إجراء الفحص حُدّدت بـ 100 دولار (أصبحت 50 دولاراً لاحقاً) يدفعها الوافد إلى شركة الطيران في البلد الذي يأتي منه، على أن تُسلّم أموال الفحوصات (بالدولار بطبيعة الحال) إلى شركات تقديم الخدمات الأرضية. وثمة شركتان تقدّمان الخدمات الأرضية في مطار رفيق الحريري الدولي، هما شركة meag التابعة لـ«ميدل إيست»، وlat. وبما أنّ أموال الفحوصات تُسدّد إلى المختبرات اللبنانية بالليرة، فإنّ هناك نسبة تنجم عن الفارق في تصريف الدولارات تذهب إلى «جيب» الشركة.
دائرة العلاقات العامة في الشركة رفضت، في مراسلات مع «الأخبار»، التعليق على المعلومات حول تحويل أموالها إلى الخارج، واكتفت بالاستفاضة في الحديث عن فحوصات الـ pcr، مؤكدة أنّ هذه الأخبار «عارية من الصحة»، و«الشركة تتحمل على نفقتها الخاصة كامل تكاليف الفحوصات، وأن الإجراء المتبع في الدول التي لا يتوافر فيها فحص الـ PCR يقضي بأن يخضع مسافرو شركة طيران الشرق الأوسط لفحص أوّل على نفقة الشركة لدى وصولهم إلى مطار رفيق الحريري الدولي، وفحص ثانٍ على نفقتهم الخاصة بعد 72 ساعة في أحد المختبرات المعتمدة وفق إرشادات وزارة الصحة العامة». وعن تكاليف التذاكر المرتفعة والتفاصيل المرتبطة برحلات الإجلاء، أكدت الشركة أن «أسعار التذاكر مخفضة وهي تنافس أسعار الشركات الأخرى (...) ومن صرح بذلك غير مطلع على الأسعار».
إلا أن مصادر «الأخبار» تؤكد أن الشركة أضافت كلفة إجراء فحص الـ pcr على بدل التذكرة، وبالتالي «لا صحة للحديث عن مجانية الفحص على حساب الشركة. أما المُسافرون على متن شركات طيران أخرى فيدفعون بدل الفحص في المطار بالدولار، وتسلّم الأموال الى meag وlat، ويذهب فارق تصريف التسعيرة بغالبيته الى الميدل إيست». ولفتت الى أن أسعار التذاكر التي تبرزها بعض المكاتب «كفيلة بدحض مزاعم الشركة في شأن أسعارها المخفضة».
أموال شركات الطيران لا تزال محتجزة في لبنان
يعود إصرار بعض شركات الطيران في لبنان على الدفع بالدولار نقداً ثمن تذاكر السفر، إلى احتجاز أموالها في مصرف «سيتي بنك» الذي جمّد عمليات تحويل الأموال إليها، بناءً على طلب مصرف لبنان. ومعروف أن المصرف المذكور معتمد من قبل الاتحاد الذي «يجبي» من مكاتب السفر في لبنان فواتير بيع التذاكر وفق خطة الفوترة والتسوية (Billing and Settlement Plan/ BSP) لمصلحة اتحاد الطيران الدولي (أياتا) الذي يوزع بدوره الأموال على شركات الطيران. فعلى سبيل المثال، يحتجز المصرف 10 ملايين دولار لشركة الطيران الإثيوبية التي تُصرّ في المقابل على تقاضي بدلات التذاكر في لبنان بالدولار نقداً.
دولار للطيران وإلا الانهيار خلال شهر
فعلياً، يقوم قطاع السفر في لبنان حالياً على هجرة العمال الأجانب وبعض اللبنانيين الذين يملكون جنسيات أخرى أو اللبنانيين الراغبين في الهجرة الدائمة. ممثل اتحاد وكالات السياحة والسفر زياد العجوز قال لـ«الأحبار» إن حركة السفر في لبنان حالياً لا تتجاوز الـ 5% من الحركة المعتادة قبل أزمتي الدولار وكورونا، مُتوقّعاً «صمود» القطاع في حال بقاء الوضع على ما هو عليه «لمدة شهر واحد فقط».
ويعود غلاء أسعار البطاقات إلى تداعيات الأزمة الاقتصادية، إذ إن كلفة «أرخص» تذكرة تُقدّر بمليونين ومئة ألف ليرة (300 دولار إلى القاهرة على أساس 7000 ليرة)، فيما تصل كلفة التذكرة إلى باريس إلى سبعة ملايين ليرة (1000دولار، فيما كانت التذكرة سابقاً بـ 500 دولار). وفي هذا السياق، يقترح العجوز تخصيص دولار مدعوم للطيران، أسوة بما تم اعتماده بما خص الفنادق، لإنعاش القطاع والحؤول دون تدميره نهائياً.
تعليقات: