بعد الغارة الاسرائيلية التي استهدفت منذ ايام موقعاً قرب مطار دمشق واودت بحياة احد مقاتلي «حزب الله»، صار السؤال المطروح هو: كيف سيتصرف «الحزب» وما هي خياراته؟
ربما يفترض البعض أنّ الازمة الاقتصادية - الاجتماعية الخانقة التي تحاصر لبنان وتلقي بثقلها وتداعياتها على بيئة المقاومة، انما ستدفع «حزب الله» إلى التمهل في اتخاذ اي قرار بالردّ الميداني على الضربة الإسرائيلية، وصولاً الى احتمال ان يمرّرها و«يبتلعها»، على قاعدة انّ اولويته في هذه المرحلة هي لـ«الجهاد الاقتصادي» ومواجهة شبح الجوع الذي أصبح يشكّل الخطر الاستراتيجي الاكبر على سلاح المقاومة وبيئتها الحاضنة. وبالتالي يرجّح اصحاب هذه المقاربة، انّ الحزب لن يجازف بخوض اي مغامرة قد تؤدي إلى التدحرج نحو مواجهة واسعة لا قدرة للبنان على تحمّلها في هذه الظروف القاسية التي يعاني منها.
وهناك أيضاً من يوسّع دائرة الاجتهاد في اتجاه الاعتقاد أنّ الحزب لن يتصرف بطريقة انفعالية تسبّب له «صداعاً» داخلياً وتستفز جزءاً من المكونات اللبنانية التي تعارض خياراته، خصوصاً مع ارتفاع موجة الدعوة إلى الحياد بقيادة البطربرك الماروني بشارة الراعي في هذا التوقيت تحديداً.
لكن المطلعين على موقف الحزب بعد الاعتداء الاسرائيلي الاخير، يؤكّدون أن لا مكان في حساباته لأي مهادنة، وانّ قراره محسوم بعدم التسامح مع الخرق الاسرائيلي الفاضح لقواعد الاشتباك التي ارساها امينه العام السيد حسن نصرالله منذ عام تقربباً، وقوامها انّه كلما قتلت اسرائيل فرداً من الحزب في سوريا او لبنان سيتمّ الرد عليها من لبنان.
هذه المعادلة أطلقها نصرالله الصيف الماضي، عقب الاستهداف الاسرائيلي لمقاتلين من الحزب في الداخل السوري، وردّ المقاومة بتنفيذ عملية ضد آلية للاحتلال في الجليل عبر الحدود الجنوبية. وقد بقيت مفاعيل تلك المعادلة سارية المفعول على امتداد نحو عام كامل لم يُسجّل خلاله سقوط اي عنصر للحزب بقصف إسرائيلي، إلى أن حصلت قبل ايام الضربة الجوية على مركز قرب دمشق، والتي تلاها اعلان المقاومة في بيان عن سقوط شهيد في صفوفها جراء الغارة الإسرائيلية، وهو اعلان بدا توطئة لما سيليه.
من هنا، يؤكّد العارفون بما يدور في اروقة الحزب، انّ السؤال ليس ما اذا كان سيردّ ام لا، وإنما متى وأين وكيف؟
ويجزم المطلعون على موقف الحزب، بأنّ ردّه على الاعتداء الاخير ليس سوى مسألة وقت، وهو حتمي وآتٍ لا محالة. لافتين الى انّ المقاومة في جهوزية تامة لتنفيذ المهمة ولإعادة تثبيت قواعد الاشتباك التي خرقها العدو. ويوضح هؤلاء، انّ المقاومة تتصرف بكثير من الروية وبرودة الأعصاب «وهي ستختار التوقيت والمكان المناسبين للردّ في الشكل الملائم من ضمن مروحة احتمالات تدرسها، ولا بأس في أن يبقى الاسرائيلي حتى ذلك الحين حائراً ومتخبطاً، في انتظار ان تأتيه الصفعة من حيث يعلم او لا يعلم».
ويعتبر الحزب، وفق القريبين منه، انّ من حقه الطبيعي عملاً بمعادلة الردع، ان يردّ على الهجوم الاسرائيلي الذي أدّى إلى استشهاد احد مقاتليه، «بمعزل عن نيات تل ابيب، وما اذا كانت تعرف انّ الموقع المقصوف في محيط مطار دمشق يضمّ عناصر من الحزب ام لا».
وتبعاً لمقاربة «حزب الله»، كما يشرحها القريبون منه، فإنّ حقه في حماية معادلة الردع بكل الوسائل لا يتأثر بأي أزمة اقتصادية او اجتماعية او سياسية او صحية، لاقتناعه بأنّ التهاون في هذا المجال سيدفع الاسرائيلي الى استسهال قتل عناصر المقاومة في سوريا وربما في لبنان أيضا، كلما سنحت له الفرصة، «مع ما يمكن أن يستتبع ذلك من تدحرج نحو تصعيد عسكري كبير متفلت من الضوابط، ولذلك يصبح عدم التساهل مع الانتهاكات الإسرائيلية للتوازنات المرسومة أمراً ضرورياً لتجنّب الانزلاق الى حرب شاملة».
ويشدّد المحيطون بدائرة القرار داخل «حزب الله» على أنّ الكيان الاسرائيلي مخطئ في التقدير، اذا كان يظن انّ الوضع الصعب الذي يمرّ فيه لبنان حالياً يُضعف الحزب ويشكّل فرصة لتعديل قواعد الاشتباك. مشيرين الى انّ المقاومة لن تسمح بمثل هذا التعديل مهما كلف الأمر.
وينطلق المتحمسون للحزب من الهجمات الإسرائيلية المتكرّرة، ليلفتوا الى استحالة تطبيق الحياد مع وجود كيان محتل على الحدود مع لبنان، «إذ ان هذا الكيان لا يتركنا وشأننا ولا يُحيّدنا عن عدوانيته واطماعه. فكيف يمكن للحياد ان يتحقق عندها؟».
تعليقات: