التحويلات عبر المؤسّسات غير المصرفيّة: هل ستُدفع بالدولار مجدداً؟


وعد حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، ببحث اقتراح إعادة دفع التحويلات المالية عبر المؤسسات المالية غير المصرفية بالدولار إلى أصحابها، بعدما كان قد حصر سحبها بالليرة اللبنانية. من شأن الاقتراح أن يُهدّئ الأسواق المالية ويُعيد التداول بالعملة الصعبة داخل البلد، فهل يوافق المجلس المركزي لمصرف لبنان؟

قبل سفره إلى سويسرا يوم الثلاثاء الماضي، حطّ على مكتب حاكم المصرف المركزي رياض سلامة طلب: إعادة دفع التحويلات الواردة من الخارج - عبر الشركات المالية غير المصرفية - بالدولار. كان الحاكم مُستعجلاً، لكنّه وعد بإدراج الاقتراح على جدول أعمال المجلس المركزي لمصرف لبنان (يضم إضافةً إلى سلامة، نوّابه الأربعة، ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان والمديرين العامين لوزارتي المال والاقتصاد) يوم الأربعاء المُقبل. بقراءةٍ سريعة للطلب، اعتبر سلامة أنّه «لا يُمانع تسديد المبالغ بالعملة الصعبة، لكنّه يُريد أن يبحث الفكرة من مختلف جوانبها»، بحسب مصادر مُطلعة تُضيف بأنّ «من مخاوف سلامة أن يعمد الناس إلى إعادة تصريف الدولارات التي يحصلون عليها والتجارة بها».

«المُشكلة» بدأت في 16 نيسان الماضي، مع القرار الوسيط الرقم 13220. يومها، لم يجد حاكم «المركزي» أمامه سوى أموال المغتربين التي تُرسل عبر المؤسسات المالية («أو أم تي»، ويسترن يونيون، كاش يونايتد...) لتعزيز حساب الاحتياط بالعملات الأجنبية لديه. فنتيجة إجراءات المصارف بمنع سحب الدولارات من الحسابات، و«التعسّف» الذي تُمارسه على حسابات «الأموال الطازجة» من الخارج، والنزف المُستمر في حساب الاحتياط لدى «المركزي»، أصدر تعميماً ينصّ على: «تسديد قيمة أي تحويل نقدي إلكتروني بالعملات الأجنبية وارد إليها من الخارج بالليرة اللبنانية بسعر السوق. وأن تبيع من الوحدة الخاصة المنشأة في مديرية العمليات النقدية لدى مصرف لبنان العملات النقدية الأجنبية الناتجة من العمليات المشار إليها». الدفع كان يتم بحسب «سعر السوق» الذي تُحدّده «مديرية العمليات النقدية» التي أنشأها سلامة، وبلغ يومها 3625 ليرة لبنانية للدولار. صحيحٌ أنّه لا يوجد دولة في العالم تدفع قيمة التحويلات بغير عملتها المحلية، ولكن في لبنان لم تأت خطوة سلامة في سياق «الإصلاح»، بل في سياق «السطو» على أموال المغتربين بعدما بدّد «المركزي»، بالتعاون مع المصارف اللبنانية، دولارات المودعين. لم يرد أن يتمّ التداول بأي دولار في السوق خارج الجسم المصرفي. وحُجّته الجاهزة هي حاجته إلى هذه الأموال لتمويل سلّة الاستيراد الأساسية.

تعميم 16 نيسان، لم يكن الأول من نوعه. ففي 14 كانون الثاني، وبعدما امتنع مغتربون وأشخاص من الخارج عن تحويل الأموال عبر المصارف التجارية، أصدر سلامة التعميم الرقم 514 الموجّه إلى المؤسسات المالية غير المصرفية لدفع التحويلات لأصحابها بالليرة اللبنانية بسعر 1507.5 ليرة لكلّ دولار. كان الأمر «مقبولاً» نوعاً ما للزبائن، لأنّ الفارق لم يكن يومها كبيراً بين سعر الصرف الرسمي وسعره في السوق الموازية. سريعاً، بدأت التغييرات في عالم النقد، وفقدت الليرة الكثير من قيمتها، وباتت «السوق السوداء» تتحكّم بسعر الصرف، ما أدّى إلى تدنّي عدد الذين يُحوّلون أموالهم عبر المؤسسات المالية غير المصرفية بنسبة عالية. وجد سلامة نفسه مُضطراً إلى تعديل التعميم، وإعادة الطلب من مؤسسات التحويلات تسديد المبالغ بالعملة الأجنبية. حالياً، يتكرّر السيناريو نفسه.

يتخوّف سلامة من إعادة تصريف الدولارات التي يحصل عليها الناس والتجارة بها

قبل إصدار تعميم 16 نيسان، كانت تُقدّر التحويلات المالية إلى لبنان عبر المؤسسات غير المصرفية بحدود 150 مليون دولار شهرياً. الرقم وجده سلامة «مُغرياً» لتعزيز احتياطاته. تقول مصادر مُتابعة إنّ «الحاكم اعتبر أنّ الهدف من إصدار القرار 13220 هو تمويل السلّة الغذائية التي أعلنتها وزارة الاقتصاد». سعر الدولار في السوق الموازية «كان يومها يراوح بين 3800 و4000 ليرة، لذلك كان باستطاعة المؤسسات غير المصرفية أن تُقنع المُتعاملين معها بقبض الأموال بالليرة والاستعانة بالصرافين لتحويلها إلى الدولار إن أرادت ذلك، من دون أن تخسر الكثير من قيمتها»، كون التسديد كان يتم على أساس مبلغ وسطي 3625 ليرة لبنانية. هذا العامل، بالإضافة إلى أنّ القرار تزامن مع شهر رمضان، «ساهم في عدم انخفاض قيمة التحويلات». لكن بعدما صارت السوق السوداء بلا أي ضوابط، ووصول سعر الصرف فيها إلى حدود الـ 10 آلاف ليرة، «بدأت تتدنّى قيمة التحويلات تدريجياً، إلى أن بلغت أخيراً حدود الـ 25 مليون دولار شهرياً». مع وجود توقعات بأن تنخفض التحويلات أكثر فأكثر بغياب أي من عوامل الثقة، وعدم وجود ضوابط للسوق. انقلبت الآية، وانتفت غاية وجود القرار الوسيط الرقم 13220. فلا قيمة التحويلات تسمح بتمويل السلة الغذائية أو بتعزيز حساب الاحتياط، لا بل على العكس من ذلك، ساهم في تجفيف الكتلة النقدية بالعملة الصعبة في بلد يبحث عن كيفية اجتذابها. انطلاقاً من هنا، أتى اقتراح إعادة دفع التحويلات بالدولار «لعلّ هذه الخطوة تُريح السوق وتُساهم في خفض سعر الصرف في السوق السوداء»، بحسب المصادر.

تدنّت قيمة التحويلات إلى حدود الـ 25 مليون دولار شهرياً (هيثم الموسوي)
تدنّت قيمة التحويلات إلى حدود الـ 25 مليون دولار شهرياً (هيثم الموسوي)


تعليقات: