هل تنجح الضغوط الأميركية مشفوعة بدعم من بعض الدول الغربية في هذه الآونة، في تعديل مهمة “اليونيفيل” في الجنوب اللبناني على نحو يجعلها أكثر ردعية وزجرية؟ أم أن الأمور ستعود بعد الأول من آب في المنطقة الممتدة ما بين نهر الليطاني والحدود الدولية إلى سيرتها الأولى المألوفة منذ آب 2006، فيمر التجديد لهذه القوة البالغ عديدها نحو 10 آلاف جندي من 45 دولة للسنة الخامسة عشرة على التوالي من دون أي تبديل أو تعديل جذري؟
سؤال مطروح بإلحاح منذ شهر ونصف شهر، وتحديدا منذ بروز حزمة تطورات ومستجدات أُدرجت في خانة ضغوط أميركية واسرائيلية ترمي إلى تعديل يفضي إلى مزيد من التضييق والمحاصرة للوجود المقاوم لـ”حزب الله” وترسانته الضخمة في هاتيك البقعة الجغرافية التي كان يفترض أن تسفر بموجب مندرجات القرار1701 عن إخراج تام لهذا الحزب ومقاومته تماما.
مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر أدلى بتصريح قال فيه إن بلاده تتطلع إما إلى تعزيز تفويض “اليونيفيل” في الجنوب اللبناني، وإما إلى رفع عديد هذه القوة ليكون أكثر توافقاً مع ما تقوم به على الأرض هناك، ومن ثم كرت سبحة المواقف الأميركية الي يستشفّ منها الرغبة في تعديل جذري لمهمة هذه القوة المنتشرة في المنطقة بحد أدنى من الصدامات والاشكالات بحيث تتحول إلى قوة صدام وتحدٍ للحزب وبيئته الحاضنة.
وبعد أيام من هذا التصريح “الساخن” كانت السفيرة الأميركية دوروثي شيا تحط في مقر القيادة المركزية لـ”اليونيفيل” في الناقورة، وتجتمع مع قائدها الإيطالي ومع أركانه.
لم يكن ما قالته هناك بالأمر المثير، بقدر ما كانت الزيارة نفسها والسياق الزماني والسياسي الذي أتت فيه، فهي تمت في لحظة صعّدت فيها السفيرة من تحديها للحزب ودعواتها المتكررة الى ممارسة مزيد من الضغوط عليه على نحو يؤدي إلى “سحب بساط تأثيره وهيمنته على الحكومة والمشهد السياسي”، شرطاً لمعاودة الدعم للاقتصاد اللبناني المصاب بالاختناق، حتى ظن كثيرون ان هذا التحدي مفتوح وآيل إلى أبعد من السجال.
فضلاً عن ذلك، عادت التصريحات الأميركية لتثير مسألة “المحميات الطبيعية الـ14 المنتشرة على طول الجنوب والتي يستخدمها الحزب”، وفق الكلام الأميركي، غطاء لنشاطه العسكري ضد اسرائيل.
ولاحقاً أبلغت واشنطن بيروت أنها اذا لم تنجح في مساعيها لتعديل مهمة “اليونيفيل”، فإنها قد تعيد النظر في دعمها المالي للقوة الأممية والبالغ 60% من أصل ميزانية هذه القوة البالغة 800 مليون دولار سنويا.
و”العلامة الفارقة” في السياق عينه التي زادت جو القلق والتوتير، وأهَّلت المسرح الجنوبي لمفاجآت صادمة، كانت اعتراض الجيش اللبناني على تجربة قامت بها القوة الفرنسية العاملة في إطار “اليونيفيل” وتجسدت في إطلاق مسيرة من موقعها الرئيسي في ديركيفا (قضاء صور) لمرتين لبعض الوقت قبل أن يتشدد الجيش في الاعتراض، فتتوقف هذه القوة عن هذا الفعل الذي يتعدى قواعد العلاقة بين الطرفين ويخرق المألوف.
توقفت القوة الفرنسية عن تكرار التجربة، لكن رد الفعل توالى لدى الجانب اللبناني، بحيث عدّ الأمر جزءا من “مهمة مضمرة” تبتغي فرض أمر واقع جديد في عمل هذه القوة يفتح الأفق أمام التعديل المنشود في طبيعة عملها أصلا.
في تلك الفترة تصرفت الخارجية اللبنانية والمسؤولين اللبنانيين ومعهم المعني الثاني، أي “حزب الله”، ببرودة أعصاب، أمام هذا التحول، اعتقادا منهم أن تعديل مهمة “اليونيفيل” أمر يتكرر عشية كل تجديد روتيني لها في مجلس الأمن، ولكن تنتهي الأمور إلى تجديد عادي وإلى بيان للأمين العام للأمم المتحدة تعلو فيه اللهجة ضد ما يسمى “تفلت الحزب” وخرقه للستاتيكو من خلال نشاطه المرئي هناك.
ومع ذلك تقر جهات على صلة وثقى بالحزب بأن أمر الضغط ارتقى هذه المرة الى مستوى “التهويل” غير المسبوق، وهو أمر يعد استتباعا أو استكمالا لحملة الضغوط الأميركية على الحزب ولبنان، والتي كانت ذروة تجليها في الكلام المتكرر للسفيرة شيا، قبل أن تضطر إلى الانكفاء بعد قرار القاضي محمد مازح المدوي قبل فترة.
وفي كل الحالات، تبدو السلطات اللبنانية، وخصوصا تلك التي على صلة بالرئاسات الثلاث، “مطمئنة” الى أن التجديد والتمديد لـ”اليونيفيل” سيمر بشكل سلس من دون اي تعديل جذري، وأن أمر الضغط كان من “لزوم احتدام التصعيد الأميركي”.
ويقول استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور حسن جوني في تصريح لـ”النهار”: “لقد شعرنا فعلا أن هناك لهجة أميركية تصعيدية في مقاربة مسألة التمديد التي يفترض ان تتم بشكل روتيني، ولكن في استنتاجاتنا انها لن تنجح في تغيير المشهد المرسوم في الجنوب منذ 15 عاما، فأمر التعديل والتبديل المنشود أميركيا دونه عوائق وعراقيل قانونية من جهة ولوجستية من جهة أخرى، خصوصا أن الدول الأوروبية المشاركة في القوة وفي مقدمها فرنسا، ليست مستعدة لطرح التغيير والتعديل، لأنها ترى أنه استفزازي وسيقابل برد فعل من البيئة والبقعة الجغرافية التي هي ميدان عمل اليونيفيل، خصوصا اذا كان المقصود ضمناً استباحة القرى والدخول الى الأحياء والمنازل من دون تعاون مع الجيش اللبناني والسلطات الأمنية، أو اذا كان المقصود الأبعد توسيع عمل هذه القوة لتشمل الحدود اللبنانية – السورية، فضلا عن ان الروس بحسب ما رشح قد أبلغوا من يعنيهم الأمر انهم في وارد استخدام حق الفيتو اذا ما طرح أمر التعديل في مجلس الأمن”.
إنها إذاً، يضيف جوني، “مهمة شاقة وشائكة وبلا نتيجة في مرحلة معقدة على مستوى الاقليم كلاً، فمن سيجرؤ؟”.
وعن احتمال زيادة عديد القوة كأمر يرضي الجميع ويوحي بأن المشيئة الأميركية قد نفذت، أجاب جوني: “هناك احتمال لرفع العديد ولكنه يبقى ضعيفا جدا لأن الأمر يحتاج إلى رفع موازنة القوة الى نحو الضعفين، فهل الجهات الممولة ومنها واشنطن مستعدة لذلك في ظل أزماتها المعروفة؟”.
إنها كلها، يستنتج جوني، “جزء من حملات التصعيد الأميركي في المنطقة وأنحاء عدة من العالم”.
ويتفق الخبير الاستراتيجي المتخصص في قضايا الجنوب العميد المتقاعد أمين حطيط مع الرأي القائل بأن “أمر التمديد لليونيفيل سيمر كما جرت العادة منذ 15 عاما”، ويقول لـ”النهار”: “لا بل ان الظروف الحائلة دون التعديل أضحت اكثر تعقيدا من ذي قبل، لا سيما بعد عملية الحماقة والجنون الأميركية باعتراض الطائرة المدنية الايرانية في سماء سوريا، وهي في طريقها الى بيروت، وهو عمل اذا ما رُبط بالمواقف الخارجة عن كل مألوف ديبلوماسي وسياسي والتي أطلقتها السفيرة الأميركية في لبنان، توحي بأن الأميركي قد دخل في مرحلة الضغط من دون هدف انتاجي، والاكتفاء بالتعبير عن الغيظ والسخط والغضب ومحاولة “ترعيب” الخصم في محاولة لاسقاطه عبر فرض مناخات التهويل”.
ويضيف حطيط: “في اعتقادنا ان الاوضاع مختلفة تماما والضغوط الاميركية المتوالية على لبنان و”حزب الله” لم تؤدِ الى نتيجة تسمح بتغيير المعادلات والوقائع القائمة سواء في الجنوب او في كل المساحة اللبنانية. وفي العادة التبديل والتعديل بالوقائع القائمة يحتاج الى تبدل في المعطيات والوقائع السياسية وهو غير متوافر اطلاقا، وهذا ما عكسته بحسب علمنا زيارة وزير الخارجية الفرنسي الى بيروت والكلام الحقيقي الذي قاله في اللقاءات المغلقة التي عقدها”.
وفي الاستنتاج العام، يقول حطيط إن “التجديد لليونيفيل سيتم في موعده المحدد من دون اي تعديل تريده واشنطن أو سواها”.
تعليقات: