دمشق:
اشتهر الدمشقيون ومنذ القديم بتفننهم في صنع المجففات الغذائية، خاصة المحضرة من الثمار الصيفية التي تزرع أشجارها بكثرة في غوطة دمشق، ومنها المشمش والكرز والدراق والتين والعنب وأنواع عديدة أخرى، درج الدمشقيون على تجفيفها في الصيف وبأشعة الشمس سابقا حتى يستهلكوها في فصل الشتاء بحالتها المجففة المخزنة، ولذلك أطلقوا عليها اسم: (حطب الشتاء) حيث تواكب الدمشقيين في سهرات الشتاء ولياليه الباردة فتبعث الدفء في الجسم لاحتوائها على الطاقة والسكريات، كما أنها تبعث الراحة في النفس لمذاقها وطعمها اللذيذ، وهم يعملون على الاحتفاظ بها كمؤونة لفصل الشتاء كما يفعلون مع الجبن والزيتون وزيت الزيتون والمكدوس. وفي السنوات الأخيرة ومع انتشار التقنيات الحديثة في التجفيف والتخزين قام عدد من المهتمين والمختصين المعروفين بتداول وبيع المجففات الدمشقية بافتتاح ورشات ومعامل صغيرة لتجفيف الفواكه الدمشقية وتحضير الثمار المجففة منها والقمر الدين من المشمش بشكل خاص وتعليبها وبيعها بشكل أنيق كما قاموا بإدخال أصناف جديدة من الفاكهة في التجفيف لم تكن تجفف سابقاً لأسباب عديدة ومنها الصبّارة الدمشقية والقراصيا، ومنهم من خصص لها مواقع على الانترنت لشرح أنواع المجففات الدمشقية ومزاياها، خاصة أنها بدأت تنتشر بكثافة على موائد الأوروبيين بعد أن أصبحت تصدر لهم أو من خلال إصرار الدمشقيين المغتربين والمقيمين في أوروبا وأمريكا على أن تكون هذه المجففات حاضرة خاصة في الحفلات والولائم الجماعية التي يقيمونها، كما قال لـ «الشرق الأوسط» عبد الخالق سرميني أحد العاملين في مجال المجففات الدمشقية، حيث ورث هذه المهنة عن آبائه وأجداده من خلال محلهم في ساحة المرجة بدمشق، ويضيف سرميني: لقد أسست موقعاً على الانترنت ضم كل المعلومات عن الأصناف الرئيسية للمجففات والفستق الحلبي والكمأة وأطلقت عليها اسم المحاصيل الذهبية؟!.. ومن الأنواع الحالية المعروفة بدمشق التي نعمل على تجفيفها وما زلنا نحضرها بشكل يدوي للحفاظ على تراثية هذه المهنة المتوارثة، ثمار المشمش التي نحصل عليها من غوطة دمشق وتمر عمليات تجفيفها بمراحل عديدة، فبعد تقطيع الثمار وتنظيفها وتعقيمها نقوم بتعريضها لدرجات حرارة مناسبة، وسابقاً كانت الثمار تنشر تحت أشعة الشمس لتجفيفها بينما حاليا تتم عملية التجفيف في الظل بعد ذلك تغلف وتسوق بموديلات ونماذج عديدة ومنها نوعان: المشمش ببذر وبدون بذر كما نصنع منها قمر الدين المعروف والمصنع من المشمش الطبيعي حيث نسبة السكر فيه لا تتجاوز 5% فقط وهناك أنواع تجارية تكون نسبة السكر فيها حوالي 20% وهي مقبولة ولكن النوع الأول أفضل ويخضع للتصفية بشكل أوسع ويكون أملس ولونه زاهيا بعكس الثاني، والقمر الدين الذي يباع كشرائح يتم نشره بشكل يدوي وسطحي على ألواح من الخشب، حيث لا يمكن نجاح هذه العملية آليا ويحضر القمر الدين بشكل فني من خلال اختيار ثمار المشمش ذات المذاق الحلو والمستوية والمتماسكة وبعدها يتم عصرها وطبخها على درجة حرارة مناسبة، ويصفّى المشمش المطبوخ ومن ثم يضاف له القطر (السكر المغلي) وتجفف وتمد على شرائح خشبية ومن ثم تخضع بعد التجفيف لعملية صقل وتنعيم من خلال آلة وتقطع إلى قطع جميلة وحالياً تم تطويرها لتباع على شكل (نوغة) صغيرة للضيافة مع الشوكولاته. ومن الأصناف التي نجففها أيضاً هناك القراصيا التي دخلت حديثاً عالم التجفيف ونأتي بها ـ يقول سرميني ـ من شمال مدينة حلب وهي تلقى اهتماماً واسعاً من المتذوقين لطعمها اللذيذ، وهناك أيضاً ثمار الخوخ نجففها والزبيب نجففه بعدة أشكال وأصناف ومنها الأسود والدربلي من منطقة جبل العرب جنوب دمشق والزبيب بدون بذر، وهناك ثمار التين التي تستهلك مجففة بشكل كبير كما أنها تصدر بكميات كبيرة للخارج. ومن الأنواع التي كان يستحيل تجفيفها سابقاً (الصبّارة) بسبب الأشواك الكبيرة عليها وصعوبة التعامل معها وفي السنتين الأخيرتين ابتكرنا طريقة لتجفيفها باستخدام طريقة لسحب الأشواك من الثمار بواسطة ضخ الماء في الرذاذ وتفريغ الهواء منها.
تعليقات: