افتتح وزير الخارجيّة الألمانيّ السابق زيغمار غابريال مقاله الذي نشره "المعهد الأوستراليّ للسياسة الاستراتيجيّة" بالتعاون مع موقع "بروجكت سندكايت" عبر المقارنة بين رواية جول فيرن "حول العالم في ثمانين يوماً" من جهة، والأيام الثمانين التي تفصل العالم عن الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة من جهة أخرى.
يرى غابريال أنّه بعكس رواية الكاتب الفرنسيّ، ستكون رحلة العالم خلال الأيّام الثمانين الآتية أقرب إلى مشقّة منها إلى مغامرة. لكنّها ستبلغ ذروتها في حدث ذي تأثير عالميّ وتاريخيّ.
في أقلّ من ثلاثة أشهر، ستُجري الولايات المتّحدة انتخاباتها الرئاسيّة التاسعة والخمسين. ولأنّ الولايات المتحدة أقوى اقتصاديّاً وعسكريّاً من أبرز منافسَين مجتمعَين (روسيا والصين)، دائماً ما تكون انتخاباتها مهمّة على المستوى العالميّ. لكن لم يسبق قط أن فرضت انتخابات رئاسيّة تهديداً حادّاً كهذا على سائر دول العالم، وفقاً لغابريال.
لا شكّ بالنسبة إلى الكاتب في أنّ إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب ستفرض خطراً على الولايات المتحدة والعالم. وهنالك أسباب كثيرة للخوف من أن تؤدّي انتخابات متقاربة إلى دفع الولايات المتحدة باتّجاه أزمة دستوريّة عميقة ومطوّلة وربّما باتّجاه عنف أهليّ.
إذا أمّن ترامب فقط انتصاراً في المجمع الانتخابيّ وخسر في التصويت الشعبي، كما حصل سنة 2016، فمن غير المرجّح أن يقبل منافسه جو بايدن أو غالبيّة الأميركيّين نتيجة الانتخابات كما فعلت هيلاري كلينتون منذ أربع سنوات أو كما فعل آل غور سنة 2000. وإذا تدخّلت المحكمة العليا مجدّداً لاختيار الفائز مثلما فعلت منذ عشرين عاماً حين اختارت جورج بوش الابن عوضاً عن آل غور، فإنّ اندلاع تظاهرات وطنيّة شاملة يبدو شبه مؤكّد. ردّاً على ذلك، سيكون شبه مؤكّد أيضاً إطلاق ترامب قوات إنفاذ القانون كما سبق أن فعل في بورتلاند ومدن أخرى.
تابع غابريال كاتباً أنّه وبسبب تقدّم بايدن المستمرّ على ترامب في استطلاعات الرأي، يمكن أن يحاول الرئيس الحالي استخدام جائحة كوفيد-19 كحجّة لتأجيل الانتخابات أو إفسادها. لقد أمضى ترامب الصيف محاولاً تشويه عمليّة التصويت عبر البريد في جهد لنزع الشرعيّة مسبقاً عن انتخابات الثالث من تشرين الثاني.
على الرغم من أنّ هذه التحرّكات قوبلت بمقاومة قويّة، يمهّد ترامب الأرضيّة لتعبئة مناصريه والتمسّك بالبقاء في البيت الأبيض بغضّ النظر عن نتيجة الانتخابات. أضاف غابريال أنّ أعمال الشغب والنهب من النوع الذي شهدته بورتلاند وشيكاغو ستساعد ترامب على المستوى السياسي وهو في طور تنفيذ هذه الاستراتيجية. لقد كان مستعدّاً لنشر قوّات وزارة الأمن الداخليّ لإخافة مجموعات صغيرة نسبياً من المتظاهرين وغالبيّتهم محتجّون سلميّون. النتيجة المتوقّعة وربّما المقصودة كانت توسّعَ التظاهرات وتصعيد العنف. رسالة ترامب إلى الطبقة الوسطى من سكان الضواحي البيض واضحة: هنا رئيس يحافظ على القانون والنظام.
أشار غابريال إلى أنّ استخدام الموارد الفيديراليّة لإخافة السكان يغذّي سرديّة ترامب بأنّه لا يمكن تنظيم انتخابات نزيهة وهادئة من دون أن يتمّ التلاعب بها من قبل خصومه. إنّ صوراً لميليشيات يمينيّة مسلّحة بشدّة تظهر وسط تظاهرات سلميّة هي نذير لما ينتظر البلاد.
هذه النسخة من الولايات المتحدة، والتي امتدّت انقساماتها الداخليّة بشكل متزايد إلى سياستها الخارجيّة، هي ربّما أعظم تهديد أمنيّ يواجه العالم اليوم، بالنسبة إلى غابريال. في وقت تزداد المخاطر العالميّة، بدءاً من الجائحة والتغيّر المناخيّ وصولاً إلى الانتشار النوويّ والتجرّؤ الصينيّ والروسيّ، إنّ انهياراً سياسيّاً للولايات المتحدة قد يكون في نهاية المطاف عاملاً مضاعفاً للتهديد. فأميركا هي ببساطة أهمّ اقتصاديّاً وسياسيّاً وعسكريّاً من أن تأخذ استراحة، أو أسوأ، من أن تصبح مفسداً لا يمكن التنبّؤ به في النزاعات الدوليّة، بسبب حاجة حكومتها إلى حصر اهتماماتها بجمهور انتخابيّ ضيّق.
أمِل غابريال أن تُظهر النتيجة فوزاً حاسماً على مستوى المجمع الانتخابيّ والعدد الإجماليّ للأصوات. لكن حتى في هذه الحالة، قد يستغرق فرز النتيجة النهائيّة بعض الوقت بسبب الزيادة الكبيرة المتوقعة في التصويت عبر البريد. كلّ بطاقة اقتراع مختومة في أو قبل 2 أو 3 تشرين الثاني (بحسب كلّ ولاية) ستُعتبر صالحة، وهذا يعني أنّ النتيجة النهائيّة لن تصدر قبل اليوم التالي على الانتخابات. خلال هذه النافذة من اللايقين، ستحاول واحدة أو كلتا الحملتين إعلان الانتصار بناء على الفرز الجاري للأصوات.
ويتوقّع غابريال ألّا يكون هنالك فرصة في أن ينتظر ترامب داخل البيت الأبيض بهدوء النتيجة الانتخابيّة طوال أيام أو أسابيع. خلال المقابلات أصدر تصريحات غامضة تقترح أنّه لن يغادر البيت الأبيض في حال الخسارة. إذا نفّذ هذه الخطوة، فستجد القوّة العظمى نفسها في مواجهة أزمة دستورية طويلة المدى وربّما معقّدة على الحل.
وختم غابريال مقاله معترفاً بارتكاب التحالف الغربي المكوّن من الدول الصناعيّة العديد من الأخطاء خلال السنوات الأخيرة والتي قوّضت سمعته الدولية. لكنّ الانتخابات الحرّة والنزيهة هي أهمّ مؤسّسة جوهريّة تضمن جاذبيّة الغرب الواسعة. إذا لم يعد الزعيم الفعليّ السابق للغرب قادراً على التمسّك حتى بهذا المبدأ، فهنالك احتمال جدّيّ في أن يعتمد سائر العالم أنظمة سياسيّة أخرى.
* المصدر: "المعهد الأوستراليّ للسياسة الاستراتيجيّة" بالتعاون مع "بروجكت سندكايت"
تعليقات: