"
بحسب تقسيمات اتفاقية سايكس-بيكو، التي تم تأييدها لاحقًا بقرارات من عصبة الأمم التي صدرت عام 1920، أجازت نظام الانتداب الفرنسي والبريطاني على المناطق العثمانية المتفككة، بحجة المساعدة في إنشاء مؤسسات للدول الجديدة.
كانت متصرفية جبل لبنان مقاطعة عثمانية مستقلة عن بقية الولايات. قام الإنتداب الفرنسي بضم عدد من المدن الساحلية، وجبل عامل، وسهل البقاع والسهول الشمالية إليها، لتتوسع المتصرفية، التي عرفت تاريخيا بمتصرفية جبل لبنان الذاتية الحكم، والتابعة للإمبراطورية العثمانية، وتصبح ما أطلق عليه الجنرال غورو، في الاول من شهر أيلول (سبتمبر)، عام ١٩٢٠، دولة لبنان الكبير.
استمر الإنتداب، (او الإحتلال)، الفرنسي على لبنان من عام ١٩٢٠ إلى عام ١٩٤٣, تاريخ إعلان إستقلال لبنان. في ٢٣ ايار (مايو)، عام ١٩٢٦، أقر مجلس الممثلين الدستور، وأعلن قيام الجمهورية اللبنانية، التي كانت لا تزال خاضعة للإنتداب الفرنسي المطلق، وعاصمتها مدينة بيروت الساحلية.
حصل الإنسحاب الفرنسي العسكري الإستعماري الكامل من لبنان في ١٧ نيسان (أبريل) عام ١٩٤٦، وسمي هذا اليوم، عيد الجلاء!
بعد أن كان معظم سكان المتصرفية يتشكلون من مذهبي الموارنة والدروز، أصبحت بعد ضم المناطق الأخرى إليها، أي بعد إعلان دولة لبنان الكبير، تتشكل من جميع المذاهب المسيحية والإسلامية!
نستخلص، بادئ ذي بدء، أن ولاء سكان المناطق التي ضمت إلى المتصرفية لتؤسس دولة لبنان الكبير، كان للإمبراطورية العثمانية، ويخضعون إلى قوانينها بصورة كاملة.
أستنتج أيضا أن هذا الولاء لم ينتقل فورا إلى دولة لبنان الكبير حين إعلانها، بل انتقل الى العمق العربي. ظهر هذا الولاء "الصوري" الكامل للبنان، عندما اتفق اللبنانيون - مسيحيون ومسلمون - على صيغة الوفاق الوطني، التي رسخت الطائفية السياسية المقيتة، التي لا زالت تنخر مؤسسات الدولة الهجينة حتى العظم، إلى يومنا هذا.
إنني أعتبر أن إحتفال لبنان "الكبير" حاليا بمئوية تاسيسه، إنما هو محض مسرحية ساخرة وممجوجة سياديا، لأن سلطة الإنتداب بدات عام ١٩٢٠، وكانت قوانينها تعلو فوق الطوائف والمذاهب، وتساوي بين كل اللبنانيين في حالات الطغيان والإستبداد الإستعماري، وكذلك في حالات البنيان التربوي، والعمراني، والإقتصادي، والصناعي، فيما الوضع اليوم غارق في التعصب المذهبي والطائفي حتى أذنيه، بل أكثر.
لم يأبه الإنتداب، في حينه، لحقوق المذاهب والطوائف المقيتة، التي اصبحت ركيزة إعلان الإستقلال عام ١٩٤٣، ودستور المحاصصة الطائفية والمذهبية البغيضة.
لقد عاد اللبنانيون مع ظاهرة الإستقلال، الى نظام سياسي متخلف ومشتت، رغم محاولات سلطة الانتداب طوال ٢٣ عاما، العمل على تأهيل الشعب للوصول الى مرحلة المواطنية، التي سقطت بعد الاستقلال، في دهاليز التعصب، والتزمت الإقطاعي، والمذهبي الضيق.
أفهم، بناء على ما سبق ذكره، أن لا علاقة بين دولة لبنان الكبير التي أعلنها الجنرال غورو، عام ١٩٢٠، وبين دولة لبنان الحالية، الساقطة والتائهة، في خضم أكثر من إنتداب ظالم، منه: السعودي، والإيراني، والأميركي، والمصري، والتركي، والقطري، دون أن نستثني حاليا إعادة إحياء الإنتداب الفرنسي، وإن بكلام معسول، وبموقف غامض، من جانب الرئيس الفرنسي الزائر، إيمانيويل ماكرون، لكنه يبدو مقبولا ومطلوبا!
علينا أن ألا نسهو، أو ننسى، أن رجالات جمهورية الإنتداب الفرنسي تميزوا بالحكمة، والإعتدال، والكفاءة العلمية، والوطنية، لكننا نقع اليوم في دلجة عميقة من الإكتئاب والتشاؤم عند مقارنتهم مع الذين تسلموا مقاليد سلطة جمهورية لبنان "العظيم"، ما بعد عام ١٩٤٣.
اعتقد، مرغما أخاك لا بطلا، أن نظام هذا الكيان الطائفي/ المذهبي الهجين، الذي نسميه اليوم لبنان، هو في حالة غيبوبة مطلقة، ولا امل بعودته إلى الصحوة مجددا، وأن على شعب لبنان التفكير جيدا وعميقا، بقبول إعادة كتابة دستور جديد، يتحول معه لبنان الى نظام مدني كامل وشامل، مع فصل الدين عن الدولة، والسماح بالزواج المدني، وعدم الإعتراف بالزواج الديني في دوائر الاحوال الشخصية، وإبطال كل الأحزاب المذهبية والطائفية الحالية، ومنع كل العائلات السياسية الذين عرفهم لبنان منذ عام ١٩٤٣، من الولوج الى المؤسسات العامة، وخاصة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية منها، وتطبيق معايير التحصيل العلمي، والكفاءة، والقيم الأخلاقية، ونظافة الكف لكل من ستوكل إليهم مقاليد السلطة والحكم!
وإذا صعب على القوى الشعبية المدنية القادرة، والفاعلة، والعارفة، الوصول إلى تولي السلطات الرئيسيةالعامة، فمن الضروري القبول بقيام انتداب فرنسي جديد، لا يتعدى العشر سنوات، صادر عن الأمم المتحدة، من شأنه ان يعيد تطوير وتأهيل شعب لبنان المشتت، والمقسم، والمحاصص، مذهبيا وطائفيا، ويرفعه إلى مصاف ومراتب المواطنية الراسخة، والصادقة، والحقة، ومن ثم تسليمه زمام ودفة سفينة السلطة بعد نضوجه!
في الختام، لا أعتقد أن خيرا سوف يطال الشعب اللبناني في المستقبل القريب، بعد لقاءات ماكرون مع هؤلاء الدهاة الفاسدين!
ما أصعب العيش لولا فسحة الأمل!
* سعد نسيب عطاالله
صعاليك مئوية "لبنان الكبير"
بحسب تقسيمات اتفاقية سايكس - بيكو، التي تم تأييدها لاحقًا بقرارات من عصبة الأمم التي صدرت عام 1920، أجازت نظام الانتداب الفرنسي والبريطاني على المناطق العثمانية المتفككة، بحجة المساعدة في إنشاء مؤسسات للدول الجديدة.
كانت متصرفية جبل لبنان مقاطعة عثمانية مستقلة عن بقية الولايات. قام الإنتداب الفرنسي بضم عدد من المدن الساحلية، وجبل عامل، وسهل البقاع والسهول الشمالية إليها، لتتوسع المتصرفية، التي عرفت تاريخيا بمتصرفية جبل لبنان الذاتية الحكم، والتابعة للإمبراطورية العثمانية، وتصبح ما أطلق عليه الجنرال غورو، في الاول من شهر أيلول (سبتمبر)، عام ١٩٢٠، دولة لبنان الكبير.
استمر الإنتداب، (او الإحتلال)، الفرنسي على لبنان من عام ١٩٢٠ إلى عام ١٩٤٣, تاريخ إعلان إستقلال لبنان. في ٢٣ ايار (مايو)، عام ١٩٢٦، أقر مجلس الممثلين الدستور، وأعلن قيام الجمهورية اللبنانية، التي كانت لا تزال خاضعة للإنتداب الفرنسي المطلق، وعاصمتها مدينة بيروت الساحلية.
حصل الإنسحاب الفرنسي العسكري الإستعماري الكامل من لبنان في ١٧ نيسان (أبريل) عام ١٩٤٦، وسمي هذا اليوم، عيد الجلاء!
بعد أن كان معظم سكان المتصرفية يتشكلون من مذهبي الموارنة والدروز، أصبحت بعد ضم المناطق الأخرى إليها، أي بعد إعلان دولة لبنان الكبير، تتشكل من جميع المذاهب المسيحية والإسلامية!
نستخلص، بادئ ذي بدء، أن ولاء سكان المناطق التي ضمت إلى المتصرفية لتؤسس دولة لبنان الكبير، كان للإمبراطورية العثمانية، ويخضعون إلى قوانينها بصورة كاملة.
أستنتج أيضا أن هذا الولاء لم ينتقل فورا إلى دولة لبنان الكبير حين إعلانها، بل انتقل الى العمق العربي. ظهر هذا الولاء "الصوري" الكامل للبنان، عندما اتفق اللبنانيون - مسيحيون ومسلمون - على صيغة الوفاق الوطني، التي رسخت الطائفية السياسية المقيتة، التي لا زالت تنخر مؤسسات الدولة الهجينة حتى العظم، إلى يومنا هذا.
إنني أعتبر أن إحتفال لبنان "الكبير" حاليا بمئوية تاسيسه، إنما هو محض مسرحية ساخرة وممجوجة سياديا، لأن سلطة الإنتداب بدات عام ١٩٢٠، وكانت قوانينها تعلو فوق الطوائف والمذاهب، وتساوي بين كل اللبنانيين في حالات الطغيان والإستبداد الإستعماري، وكذلك في حالات البنيان التربوي، والعمراني، والإقتصادي، والصناعي، فيما الوضع اليوم غارق في التعصب المذهبي والطائفي حتى أذنيه، بل أكثر.
لم يأبه الإنتداب، في حينه، لحقوق المذاهب والطوائف المقيتة، التي اصبحت ركيزة إعلان الإستقلال عام ١٩٤٣، ودستور المحاصصة الطائفية والمذهبية البغيضة.
لقد عاد اللبنانيون مع ظاهرة الإستقلال، الى نظام سياسي متخلف ومشتت، رغم محاولات سلطة الانتداب طوال ٢٣ عاما، العمل على تأهيل الشعب للوصول الى مرحلة المواطنية، التي سقطت بعد الاستقلال، في دهاليز التعصب، والتزمت الإقطاعي، والمذهبي الضيق.
أفهم، بناء على ما سبق ذكره، أن لا علاقة بين دولة لبنان الكبير التي أعلنها الجنرال غورو، عام ١٩٢٠، وبين دولة لبنان الحالية، الساقطة والتائهة، في خضم أكثر من إنتداب ظالم، منه: السعودي، والإيراني، والأميركي، والمصري، والتركي، والقطري، دون أن نستثني حاليا إعادة إحياء الإنتداب الفرنسي، وإن بكلام معسول، وبموقف غامض، من جانب الرئيس الفرنسي الزائر، إيمانيويل ماكرون، لكنه يبدو مقبولا ومطلوبا!
علينا أن ألا نسهو، أو ننسى، أن رجالات جمهورية الإنتداب الفرنسي تميزوا بالحكمة، والإعتدال، والكفاءة العلمية، والوطنية، لكننا نقع اليوم في دلجة عميقة من الإكتئاب والتشاؤم عند مقارنتهم مع الذين تسلموا مقاليد سلطة جمهورية لبنان "العظيم"، ما بعد عام ١٩٤٣.
إن ما نشهده مع زمرة السلطة الحالية الفاسدة، تنطبق عليهم عبارة أن "صَعاليك العرب، هم لصُوصُهم وفُتَّاكُهم"!
اعتقد، مرغما أخاك لا بطلا، أن نظام هذا الكيان الطائفي/ المذهبي الهجين، الذي نسميه اليوم لبنان، هو في حالة غيبوبة مطلقة، ولا امل بعودته إلى الصحوة مجددا، وأن على شعب لبنان التفكير جيدا وعميقا، بقبول إعادة كتابة دستور جديد، يتحول معه لبنان الى نظام مدني كامل وشامل، مع فصل الدين عن الدولة، والسماح بالزواج المدني، وعدم الإعتراف بالزواج الديني في دوائر الاحوال الشخصية، وإبطال كل الأحزاب المذهبية والطائفية الحالية، وحظر كل صعاليك العائلات السياسية الذين عرفهم لبنان منذ عام ١٩٤٣، من الولوج الى المؤسسات العامة، وخاصة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية منها، وتطبيق معايير التحصيل العلمي، والكفاءة، والقيم الأخلاقية، ونظافة الكف لكل من ستوكل إليهم مقاليد السلطة والحكم!
وإذا صعب على القوى الشعبية المدنية القادرة، والفاعلة، والعارفة، الوصول إلى تولي السلطات الرئيسيةالعامة، فمن الضروري القبول بقيام انتداب فرنسي جديد، لا يتعدى العشر سنوات، صادر عن الأمم المتحدة، من شأنه ان يعيد تطوير وتأهيل شعب لبنان المشتت، والمقسم، والمحاصص، مذهبيا وطائفيا، ويرفعه إلى مصاف ومراتب المواطنية الراسخة، والصادقة، والحقة، ومن ثم تسليمه زمام ودفة سفينة السلطة بعد نضوجه!
في الختام، لا أعتقد أن خيرا سوف يطال الشعب اللبناني في المستقبل القريب، بعد لقاءات ماكرون مع هؤلاء الصعاليك الدهاة الماكرين!
ما أصعب العيش لولا فسحة الأمل!
* سعد نسيب عطاالله
تعليقات: