هي سيدة البحر، أنثى العواصم ودرة الشرق، هي بيروت أم الشرائع والسنن، التاريخ و الحاضر. هي مدينة الحب والفن، لم تكن بيروت نافذة للبحر وحسب، بل كانت ساحة للحريات بمختلف ألوانها.
ذات مساء كانت بيروت تحضر فنجان قهوتها لتستريح من عناء يوم طويل، جلست على شرفة البحر كعادتها وفجأة دوى إنفجار كبير في مرفأ شاطئها الجميل. فصم آذانها وامتلأت أزقتها بالزجاج و الأحجار المتطايرة، نظرت في مرآتها فإذا بها غبراء من أثر الركام وشعثاء من غبار الإنفجار الكارثي.
فلملمت أشلاء أحبابها وقامت من بين الرماد كطائر الفينيق معيدة الأمل والحياة في نفوس أهلها وناسها.
على هول الكارثة والفاجعة تداعت الكثير من الجمعيات، المؤسسات، الأفراد وحتى الدول للوقوف إلى جانب بيروت.
فقام الفنانون التشكيليون بمبادرة جميلة من تنظيم الفنانة التشكيلية جمانة أبو مطر لتوثيق هذا الحدث الكبير وهذه الفاجعة بإقامة معرض تشكيلي إلكتروني شارك فيه العديد من الفنانين اللبنانيين و العرب من تسعة دول عربية.
بالحديث مع الكاتبة والفنانة أبو مطر عن المعرض ولوحتها، قالت :"معرض من قلبي سلام لبيروت هو صرخة وجع ومحبة لبيروت الثكلى. كانت الصدمة موجعة والكارثة لا توصف، رسمنا من وجع القلوب النازفة ونحن نؤمن أن سيدة المدائن ستنهض من تحت الرماد وستتلألأ كعادتها بقوة وانتصار. رسمت لوحتي فكانت ألواني تتفجر من الأعماق ودمعتي تجرح الأجفان، وكانت ريشتي تلون وجعي بحناء القلب، لأبحر بها إلى أعماق المأساة وأنا على يقين أن بيروت ستتعافى وستضمنا إلى صدرها بكل الحب النابع من أعماقها منذ التاريخ".
ومن الفنانين المشاركين في هذا المعرض الفنان نبيل سعد الذي عُرف بتوثيق المشاهد والصور لبيروت القديمة، قال: "أتت الفاجعة، إنفجار المرفأ وكأنه طوى صفحة من زمان بيروت خلال جزء من الثانية، خلال لحظة، لم أستطع قلب الصفحة أو تجاهلها كعادتي في بعض الأحداث التي لا أحب أن ألحظها في لوحاتي فكانت لوحة (لحظة من زمن) رسمتها وبكيت بيروت ليأتي شاعر يعرفني و يعرف ما بيروت بالنسبة لي ويضيف للوحتي إسم من منظوره فأسماها "إغتيال الحبيبة" ".
بدوره الفنان التشكيلي ومسؤول الأنشطة في منتدى كل الألوان ياسر الديراني الذي شارك في هذا المعرض الإلكتروني كان له رأي حول مشاركته: "تأثر الفنان بأي حدث عبر اللون هو نقل المشهد بطريقة تعبيرية وهذا الحدث الكبير جعلني أرسم لا شعورياً متأثراً، بحجمه وضخامته فوُلِدت لوحتي من هذا الحدث وهذه المشاعر المختلطة بالغبار والحرائق. من الناحية التقنية استخدمت في رسم لوحتي السكين والرمل ومواد أخرى لإبراز معالمها بشكل مكثف…".
كما كان هذا الرأي للفنان المبدع برنار رنو الذي تحدث حول إنفجار مرفأ بيروت و حول مشاركته في هذا المعرض قائلا:" الإنفجار الذي حدث في المرفأ، هو إنفجار قلب العاصمة بيروت. وبما أن الفنان بشكل عام هو إبن بيئته، ويتأثر بأي حدث، لأنه كتلة من المشاعر والأحاسيس بأعمال يبرز من خلالها الجمال والسلام، والصورة الجميلة عن بلده.
الإنفجار الذي حصل أثر بشكل مباشر على محترف آثار الشرق الخاص بي، كونه قريبا جدا من المرفأ. خسرت العديد من أعمالي ولوحاتي والمنحوتات جرّاء الإنفجار.
ولكننا كما اعتدنا في لبنان أن ننهض من بين الركام لإعادة بناء ما تهدم بشكل أفضل، شاركت بالمعرض في أصعب الظروف وفاء لعاصمتنا الحبيبة. شكرا للزميلة جمانة أبو مطر لتنظيمها هذا المعرض وشكرا لكل الزملاء الذين شاركوا على أمل أن يكون هذا الحدث خاتمة أحزان الجميع".
كعادتها هذه المعارض الفنية تفسح المجال أمام الفنان للتفاعل مع الحدث و لتوثيق اللحظات التاريخية.
* الكاتبة والفنانة التشكيلية فريال فياض
تعليقات: