يرى العديد من القانونيين والمشرّعين أن القرار مخالف لأحكام الدستور، ولا بدّ أن يعدّل أو يُلغى (من الويب)
بينما يعلَق عشرات السوريين يومياً على المنافذ الحدودية البرية، وخصوصاً عند نقطة المصنع على الحدود مع لبنان، على خلفيّة قرار إلزام الداخلين بتصريف 100 دولار أميركي بحسب سعر الصرف الرسمي، يستعر النقاش حول قانونيّة هذا القرار ودستوريته. وفي انتظار إلغائه أو تعديله، تستمرّ مأساة السوريين من دون توقّف، وهذه المرة على حدود وطنهم
حلم العودة إلى سوريا بات كابوساً بالنسبة الى آلاف السوريين المغتربين أو النازحين. كابوسٌ استجدّ بعد القرار الصادر عن الحكومة في 8 تموز/ يوليو الماضي، والذي يتضمّن بندَين أساسيين: يوجِب الأوّل على المواطن السوري ومَن في حكمه تصريف 100 دولار أميركي أو ما يعادلها بعملة أجنبية يقبل بها المصرف المركزي، حصراً إلى الليرات السورية، وفقاً لنشرة أسعار صرف الجمارك والطيران، لدى دخول هؤلاء الأراضي السورية. ويعفي الثاني مَن هم دون الثامنة عشرة أو سائقي السيارات العمومية والشاحنات.
يستند هذا القرار إلى أحكام قانون النقد الأساسي الرقم 23 لعام 2002 وتعديلاته، وإلى المرسوم الرقم 302 لعام 2016 وتعديلاته والقاضي بتكليف الحكومة السورية برئاسة عماد خميس، إضافة إلى المرسوم الرقم 143 الصادر 11 حزيران/ يونيو الماضي، المتعلّق بإعفاء خميس وتكليف حسين عرنوس برئاسة الحكومة، إضافة إلى اقتراح وزير المالية السابق بموجب كتاب وجهه إلى رئاسة مجلس الوزراء ورقمه 335 (3 تموز/ يوليو الماضي)، على أن يبدأ تنفيذ القرار اعتباراً من آب/ أغسطس. تساوق نفاذ القرار مع اعتراضات أبداها السوريون الذين اعتبروه مخالفاً للمادة 38 من الدستور، حتى إن البعض ذهب إلى القول إنه صادر عن حكومة ستكون قد دخلت في مرحلة تصريف الأعمال، ولا يحقّ لها إصدار قرارات مماثلة.
دستوريٌ... لا دستوري؟
شرعت «الأخبار» في بحث جوانب القضية؛ وفي اتصال مع عضو مجلس الشعب والمستشار الرئاسي السابق، جورج جبور، أكّد الأخير أن «دخول الحكومة مرحلة تصريف الأعمال يُضعف من أثر القرار، لكنه لا يلغيه»، معتبراً أن «هذا القرار لم يكن له لزوم بالشكل الذي صدر فيه»، إذ كان يمكن أن يقتصر على «فرض رسم لمَن لهم إقامة في دولٍ معيّنة، أو في قارّات يحدّدها مثل أميركا وأفريقيا وأوروبا، وكان يمكن أن يستثني العمّال في لبنان ودول الجوار، إلّا أنه اتُّخذ على عجل، ونتج عن تطبيقه إشكالات إنسانية كانت سوريا في غنى عنها، إضافة إلى البلبلة التي أثارها في الشارع في شأن الكيفيّة التي تُتّخذ بها القرارات».
من جهته، أفاد عضو مجلس الشعب، عبد الرحمن الجعفري، «الأخبار»، بأن «للسلطة التنفيذية الحقّ في اتخاذ هذا القرار بناءً على ما أشير إليه من أحكام ذكرت في بداية القرار»، إلّا أنه لا يعتبره صحيحاً. وتابع: «الناس اعتقدت بأن القرار فيه مخالفة للدستور، ولكن بالعودة إلى الفقه الدستوري وجدنا أنه لا يوجد مخالفة كونهم يقومون بتصريف المبلغ، ولم يأخذوا من المواطن ضريبة على الدخول، وبذلك فإن المواطن لم يدفع شيئاً لدى دخوله، بل قام بتصريف المبلغ وأخذ في المقابل القيمة ذاتها». واعتبر الجعفري أن القيمة (قيمة التصريف) هي التي أوجدت الخلاف، بالنظر إلى الفارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق السوداء. من جهة أخرى، أكّد الجعفري أن المعنيين أكدوا له ولزملائه أن «القرار سيُلغى».
هناك مَن علق عند الحدود لأنه لا يستطيع العودة إلى لبنان ولا الدخول إلى سوريا
المحامي والخبير القانوني عارف الشعّال، ملأ صفحته على «فايسبوك» بتفاصيل كثيرة عن القرار. وقال في حديث إلى «الأخبار» إنه «في حال عدنا إلى الفقه القانوني، فإن القرار يعتدي على أحد عناصر حق الملكية المصون دستورياً، وهو عنصر (التصرف بالمال) وفق المادة 768 من القانون المدني، كونه يلزم مالك السلعة أو المال المنقول (الدولار) ببيعه للدولة بسعر تفرضه هي عليه، ما يعتبر إكراهاً معيباً للإرادة يبطل التعاقد بحسب المادة 128 من القانون المدني، وهذه إحدى مسلّمات نظرية العقد المعروفة، فضلاً عن أن آلية تطبيق القرار بمنع دخول الدولة يعتبر قيداً واضحاً على حرية التنقل ودخول البلاد التي نصت عليها المادة 38 من الدستور». وعن الأحكام التي أصدر القرار استناداً إليها، لفت الشعّال إلى أن هذه «الأحكام هي قانون النقد الأساسي ومراسيم تسمية الوزارة ورئيسها. وبالرجوع إلى قانون النقد الأساسي الرقم 23 لعام 2002، فإنه لا يوجد نصّ صريح أو شبه صريح يخوّل مجلس الوزراء اتّخاذ مثل هذا القرار».
من جهة أخرى، قال مصدر قانوني مطّلع، فضّل عدم ذكر اسمه، إن «أول مخالفة في هذا القرار أنه وضع قاعدة عامة مجرّدة، واعتدى على مجال اختصاص السلطة التشريعية»، إذ إن «مهمة السلطة التنفيذية وضع لوائح تنفيذية فقط». وأضاف أن «التجاوز الثاني كان بالملكية الخاصة للأفراد المصونة وفق المبدأ الدستوري العام، حتى إن المادة 15 من باب الحقوق والحريات (الملكية الخاصة الملكية والجماعية) مصونة، وهذه حقوق ثابتة للإنسان وهو لا يحتاج إلى دستور من أجل إيجادها». وختم المصدر بأنه «لا ضريبة أو رسم إلا بقانون يصدر عن السلطة التشريعية».
عالقون على الحدود
كان الشاب العشريني، عمّار، يحلم بالعودة الى دياره في سوريا، لكن حلمه سرعان ما تبدّد مع انتظاره عند الحدود اللبنانية - السورية. أراد الدخول إلى وطنه، إلا أنه لا يملك 100 دولار ليصرّفها. كتب عمّار في منشور على صفحته في «فايسبوك»: «100 دولار ما معي، تهريب ما بفوت لأنه لا يمكن لأحد أن يدخل منزله تهريباً، نحن سوريون وهذه الأرض أرضنا»، وأرفقه بالنصّ الدستوري الآتي: «دستور الجمهورية العربية السورية، المادة الثامنة والثلاثون، الباب الثاني «الحقوق والحريات وسيادة القانون»: أولاً: لا يجوز إبعاد المواطن عن الوطن أو منعه من الدخول إليه. ثانياً: لا يجوز تسليم المواطن إلى أي جهة أجنبية. ثالثاً: لكل مواطنٍ الحقُ في التنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها إلا إذا منع من ذلك بقرار من القضاء المختص أو النيابة العامة أو تنفيذا لقوانين الصحة والسلامة العامة».
وطالب عمار، وغيره من المغتربين، بأن يعدّل القرار، قائلاً إن «معظم السوريين (في لبنان) يعملون كمياومين وليس في مقدورهم التصريف». وفي هذا السياق، يقول المحامي عارف الشعّال إن «من الصعب جداً التشبّث بالقرار»، داعياً إلى ضرورة «عقلنته»، ليستهدف فئة المغتربين الميسورين، ولا سيما أن قراراً كهذا من شأنه أن «يعرقل الدخول إلى الدولة، والذي يجب أن يتمّ بسهولة ويسر، من دون إجراء معاملة على الحدود لإثبات أن الداخل عامل عادي، وليس مغترباً ميسوراً». وعن فرضية تعديل القرار ليشمل فقط غير المقيمين في سوريا، بيّن الشعّال أن «الأمر يجب عرضه على المشرّع لإصدار قانون ملزم يراعي فيه حرية التنقل والملكية أيضاً». أما العالقون على الحدود، مِن الذين لا يستطيعون العودة إلى لبنان أو الدخول إلى سوريا، بسبب عدم حيازتهم المئة دولار، وانتهاء إقاماتهم في البلد المُضيف، أكد الشعّال أنه «كان من المفترض السماح للفرد بدخول الدولة وأن ينظّم بحقه ضبط مخالفة قرارات إدارية، ويحال إلى القضاء فيعاقب بعقوبة تكديرية كالغرامة أو الحبس من يوم إلى 10 أيام وفق المادة 756 من قانون العقوبات»، لا أن يبقى عالقاً على الحدود.
زينب ابراهيم... ضحيّة العملة الصعبة
قبل أسبوعين، انتشرت قصة زينب إبراهيم (17 عاماً)، بعدما شوهدت جثتها على الحدود السورية - اللبنانية، وتمّ نقلها من قبل عناصر الدفاع المدني إلى مستشفى الياس الهراوي في زحلة. ولا تزال أسباب وفاتها مجهولة، إذ ذكرت معلومات صحافية أنها «توفيت عندما حاولت العودة إلى لبنان إثر عدم قدرتها على دخول سوريا بسبب المئة دولار التي لم تكن في حوزتها». تواصلت «الأخبار» مع مصادر في الدفاع المدني لمعرفة سبب الوفاة، لتؤكد المعلومات أن زينب كانت «مريضة غُدد ووزنها حوالى 150 كيلوغراماً، وعندما صعدت الجبل لم تستطع التنفّس، وتوفّيت على الفور، حتى إن عائلتها التي كانت معها، لم تستطع فعل أي شيء لإنقاذها».
تعليقات: