ما هي طبيعة ال#تعميم الرقم 154 الصادر بتاريخ: 26/8/2020 عن حاكم #مصرف لبنان، وما مدى قابليته للطعن المرتبط بتحديد طبيعة المصرف المركزي، وهل له أي تعلق بقانون الكابيتال كونترول؟
لا يتّصل المصرف المركزي بنظام المؤسّسات العامة، لأن هذا الأخير قد أوجده كاستثناء وأبقاه خاضعاً لقانون إنشائه أي لقانون النقد والتسليف كما وللنصوص التنظيمية الصادرة تطبيقاً له. ومن مراجعة هذا القانون يتبيّن أنّ مصرف لبنان "شخص معنوي من القانون العام"، مما يفيد أنّ المشرّع لم يستعمل عبارة "مؤسسة عامة" أو "مصلحة مستقلة" بالنسبة له أسوةً بالوصف الذي منحه للمؤسسات العامة الأخرى كافّة التي أنشأها والتي ربط كلاً منها بوصاية وزارة معينة؛ وذلك لسبب بسيط وهو أنّ المشترع منذ سنة 1959 قد وحّد نظام المؤسسات العامة ووضع نظاماً عاماً لها، فعندما أُنشئ المصرف المركزي سنة 1963، كان المرسوم الإشتراعي الرقم /150/ تاريخ 12/6/1959 يرعى تنظيم المؤسسات العامة التي كانت تُدعى وقتئذٍ "مصالحَ مستقلّة"، مع العلم أنّ مقارنة سريعة بين أحكام هذا المرسوم الاشتراعي والأحكام التي أُنشئ بموجبها المصرف المركزي تكفي ليس للتأكيد على استحالة إدخال مصرف لبنان ضمن إطار النظام العام للمؤسسات العامة فحسب، بل على أنّ تنظيم وسير عمل مصرف لبنان لا يتوافقان مع القواعد التي وضعها النظام العام للمؤسسات العامة. ونشير في هذا المجال إلى بعض الفوارق الأساسية بين المصرف المركزي والمؤسسات العامة التي من شأنها أن تستبعد توصيف المصرف بالمؤسسة العامة:
ففي حين أنّ المصرف المركزي يتمتع باستقلالية شبه تامة وخاضعٌ لرقابة بسيطة وليس لوصاية، نجد أنّ نظامه يختلف أيضاً عن ذلك الموحّد الخاص بالمؤسسات العامة؛ وإذا كانت جميعها قد مُنِحت هذه الصفة بموجب قانون إنشائها، فإنّ المصرف المركزي وبموجب قانونه يُعتبر "شخصاً معنوياً من القانون العام" وليس مؤسّسة عامة. ولا بدّ من التأكيد هنا أنه يوجد بالواقع أشخاصٌ معنويّون من القانون العام لا يشكّلون إطلاقاً مؤسّسةً عامّة، مثال ذلك "الغرف التأديبية" في فرنسا التي هي من الأشخاص المعنويّين من القانون العام من دون أن تشكّل مؤسسات عامة.
ولذلك نرى أنّ عناصر المصرف المركزي لا تسمح بتوصيفه كذلك بل كسلطة عامة مستقلة تتمتّع بالشخصية المعنوية، API – Autorité publique indépendante، إلاّ أنّ ذلك لا ينفي رقابة القضاء على أعماله، بل على العكس، فقد حدّد الاجتهاد أنّ الأعمال التي تصدر عن هذه السلطات تبقى خاضعة لسلطان رقابة القضاء، وتالياً فإنّ التعاميم الصادرة عن الحاكمية تبقى خاضعة لرقابة القضاء.
وبالنظر لطبيعة التعميم موضوع الدرس، فإننا نراه قابلاً للطعن أمام مجلس شورى الدولة ضمن المهلة القانونية التي تبدأ من تاريخ نشره لا سيما أن طبيعته المستقاة من موضوعه هي تنظيمية.
أما أسباب الطعن فيمكن أن تشمل الآتي:
مخالفة التعميم الرقم 154 قانونَ النقد والتسليف لأنّه وسنداً لأحكام المادتين /174/ و/175/ منه والمستند إليهما في بناءات التعميم، يتوجّب على الحاكم أن يتخذ القرارات التي من شأنها تأمين حسن سير علاقة المصارف بمودعيها وعملائها، وليس فرض قيود عليهم، وأيضاً لأنه يعود له تحديد النسب التي يرى أنّه من الواجب توافرها بين الموجودات والمطلوبات فقط، أي ليس له أن يلزم فرض إعادة مبالغ قد جرى تحويلها بتاريخه بشكل قانوني ووفقاً للقواعد والأعراف المصرفية المتبعة. وبما أنه فعل، فإن الأمر بات يشكل تعدياً على حرية نقل وانتقال الأموال.
لمناقضته مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية لا سيما أنّه قد ألزم المصارف في المادة الثانية، الفقرة الأولى، البند أولاً منها، على حضّ العميل على إعادة نسب معيّنة من المبالغ التي حوّلها إلى الخارج منذ 1/7/2017، فالحاكم، وإن كان يتمتّع بسلطة تنظيم القطاع المصرفي إلاّ أنه يجب على سلطته هذه أن تبقى ضمن نطاق الحدود التي رسمها القانون، ويمتنع عليه اشتراع نصّ قانونيّ جديد، لا سيما أنّ هذه التعاميم هي قرارات إدارية وتالياً فإنها أدنى مرتبةً من القانون ولا يجوز لها أن تعدّل في أحكامه أو المبادئ التي انبثقت منه.
أيضاً لحلوله مكان المشرّع، مما يجعله تعدياً على سلطات مجلس النواب، الذي يعود له وحده الحقّ بإصدار نص مانع كهذا أو مقيّد للحرية.
إلاّ أنّ المفارقة هي أنّه وحتى مجلس النواب ولو صادف وشرّع نصاً كهذا، سيبقى قابلاً للطعن أمام المجلس الدستوري لمخالفته الدستور اللبناني ومقدّمته، الأمر الذي يطرح التساؤل الجدي حول مدى دستورية تشريع قانون الكابيتال كونترول.
برأينا إنّ مجلس النواب وإن كان سيد نفسه، إلاّ أنّ النصوص التي يشرّعها تبقى محتفظةً بصفتها على قدر توافقها مع الدستور اللبناني. وبالحالة المعاكسة، تمسي تحت رقابة ومجهر المجلس الدستوري حال وضع يده على النص القانوني، والأسباب التي تجعلنا نقول إن تشريعاً كهذا مخالف للدستور، هي عدد من النقاط نورد بعضها كالآتي:
لأن تشريعاً كهذا يحدّ من الحرية الإقتصادية والملكية الفردية، بخلاف الدستور اللبناني الذي اعتمد في الفقرة "واو" من مقدمته مبدأ الليبرالية، ونصّ على أنّ النظام الاقتصادي حرّ یكفل المبادرة الفردیة والملكیة الخاصة.
لمناقضته ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تعهّدت الدول بموجبه ومنهم لبنان على تعزيز الاحترام والمراعاة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وليس تقييدها. وأحكام الفقرة الثانية من المادة الأولى من الجزء الأول منه التي أقرت لجميع الشعوب الحق بالتصرف الحر بثرواته كافة.
لمناقضته ديباجة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لا سيما لناحية تعهّد الدولة اللبنانية بتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية.
لمخالفته صراحة نص المادة الثالثة عشرة من الدستور التي أكدت على أنّ الملكية بحمى القانون.
الأمر الذي يقتضي التبصّر في أبعاد أي عمل تشريعي وضرورة مواءمته مع الدستور والمبادئ العامة قبل إتمامه.
* باسكال فؤاد ضاهر- محامٍ ودكتور في الحقوق
تعليقات: