بعد أن حذّر حاكم مصرف لبنان الحكومة، عبر رسائل رسمية، من اقتراب نفاد الاحتياطي الذي يستعمل لدعم السلع الأساسية، انطلقت، من قصر بعبدا، قاطرة إلغاء الدعم. الخطوة الأولى ستكون دراسة تخفيف نسب الدعم، على أن يكون الإلغاء مترافقاً مع توزيع بطاقات دعم على الأسر المحتاجة، والتي يفترض أن يحدد عددها قريباً
وصلت النقاشات في إلغاء الدعم عن المواد الأساسية إلى قصر بعبدا. اجتماع يوم أمس الذي ترأّسه رئيس الجمهورية ميشال عون وحضره الرئيس حسان دياب ووزير المالية غازي وزني وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وضع الحجر الأساس لمرحلة تخفيف الدعم عن المواد الأساسية. أعاد سلامة أمام الجميع تكرار أرقامه: لدي نحو ملياري دولار قابلة للاستعمال، وإذا لم يُعد النظر في نسبة الدعم أو وجهته، فلن يكفي المبلغ المتبقي لأكثر من ثلاثة أشهر، ما سيضطر المصرف المركزي إلى التوقف عن دعم كل المواد الأساسية. اقتنع المجتمعون بالواقع، متغاضين عن الدخول في تفاصيل أرقام المركزي، وفي واقع أن كل ما يُصرف من أموال، أو ما يسمى الاحتياطي الالزامي أو الأموال التي شغّلتها المصارف في مصرف لبنان هي أموال المودعين التي قرّر القطاع المصرفي بشقّيه الخاص والرسمي السطو عليها.
أولوية النقاش كانت العمل على تمديد فترة الدعم لأطول فترة ممكنة. يقول مصدر مشارك في الاجتماع إن الخيارات محدودة، ولذلك لا بد من الرهان على عامل الوقت. لكن حتى عامل الوقت هنا محدود. الحديث يدور بشأن اكتساب ما بين ثلاثة أو أربعة أشهر، بعدها إذا لم تكن الإصلاحات والمساعدات والقروض قد سلكت طريقها، فإن المحظور سيقع لا محالة. إلى ذلك الحين، بدت الأغلبية موافقة على البدء بتخفيف الدعم عن المحروقات، لكن في المقابل، أكد دياب، وأيّده آخرون، أن الدعم على الطحين يجب أن لا يُمس، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأدوية.
ويناءً على ذلك، سيصار إلى العودة إلى الوزارات المعنية (الطاقة والاقتصاد والصحة) لبحث آلية تخفيف الدعم أو ترشيده. وعلى سبيل المثال، سيتم التواصل مع وزارة الصحة للبحث في لائحة الأدوية التي يفترض الاستمرار في دعمها، مقابل تخفيف الدعم عن مستحضرات طبية لا تدخل ضمن الأولويات. كذلك سيشمل البحث الأدوية التي يمكن استبدالها بأدوية «جنيريك»، بهدف تخفيف الفاتورة الدوائية. لكن هذا النقاش لم ينتقل بعد إلى الجهات المعنية مباشرة، كمستوردي القمح والدواء والمحروقات. هؤلاء بدأوا يحذّرون من أن أي رفع غير مدروس للدعم سيؤدي إلى كارثة اجتماعية فعلية. على سبيل المثال، فإن تخفيض الدعم عن الدواء من 90 إلى 70 في المئة، سيكون كفيلاً بمضاعفة الأسعار، وتخفيض النسبة نفسها على المحروقات قد تؤدي أيضاً إلى وصول سعر صفيحة البنزين إلى 75 ألف ليرة. وهذه الزيادة مرتبطة بالسعر الحالي للدولار، والذي لن يضمن أحد إلى أي سعر يمكن أن يصل إذا انخفضت نسبة الدعم. ففي قطاع المحروقات على سبيل المثال، تخفيض الدعم إلى 70 في المئة سيعني الحاجة إلى ما يزيد على مليار دولار، ليس مضموناً أن بالإمكان تأمينها من السوق السوداء حتى. وهذا يقود إلى واحد من احتمالين، إما زيادة كبيرة في سعر الدولار في السوق السوداء بسبب الزيادة الكبيرة في الطلب، أو عدم القدرة على تأمين هذه المبالغ، ما يعني تلقائياً شح المحروقات من الأسواق.
بطاقات الدعم: «أموال إلكترونية» يُحصر استعمالها بشراء المواد الأساسية
في مطلق الأحوال، فإن القرار اتّخذ فعلاً. وبالتوازي مع درس تعديل نسبة الدعم، أيّد المجتمعون اقتراح مصرف لبنان إصدار بطاقات تموين توزّع على الأسر المحتاجة تكون بديلاً من الدعم المباشر والشامل، وتسمح لحامليها بالحصول على المواد الأساسية على سعر 1515 ليرة للدولار. وفيما كان الرقم المتداول به هو الرقم الذي سبق أن أصدره البنك الدولي، أي 200 ألف أسرة، فإن الاتفاق قضى بضرورة إعداد دراسة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الواقع المستجد، والذي أوصل معدّل الفقر إلى ما يزيد عل 50 في المئة من السكان. وعليه، فإنه فور تحديد عدد الأسر التي يفترض أن تستفيد من بطاقات الدعم، سيتم العمل على إصدارها من قبل مصرف لبنان وبالتعاون مع المصارف التجارية. في الاجتماع لم يتمّ التطرق إلى قيمة المبلغ الشهري الذي ستُملأ البطاقة به، لكن مصادر معنية أشارت إلى أنه قد يكون ما بين 500 ألف ومليون ليرة. هذه البطاقات لن يكون بالإمكان الاستفادة منها للسحوبات النقدية، لأنها ستعتمد على العملة الرقمية، التي لن يكون بالإمكان استعمالها إلا لشراء المواد المدعومة.
تعليقات: