الامن الشخصي رادع للتحرش الجنسي
ظاهرة جديدة طرأت على المجتمع المصري في السنوات الاخيرة ولم تكن موجودة من قبل او على وجه التحديد لم تكن شائعة او تصل الى حد الظاهرة التي تنذر بالخطر.
وفي دراسة مهمة عن التحرش الجنسي في مصر للباحثة هبة عبد العزيز، صدرت منذ ايام قليلة وشملت مئة امرأة وفتاة كعينة استكشافية روعي في اختيار افرادها التنوع في الفئات العمرية والمستوى الاجتماعي والثقافي، جاءت النتائج صادمة الى حد كبير، حيث اتضح ان نسبة من يتعرضون لاشكال التحرش بلغت 89% في اوساط المرأة العاملة، بينما تنخفض النسبة الى72% لدى طالبات الجامعة والمرحلة الثانوية، ويأتي التحرش اللفظي من خلال المعاكسات الجارحة التي تتغزل في جسد الانثى في المرتبة الاولى في الشارع بينما يأتي اللمس والاحتكاك في المرتبة الاولى في وسائل المواصلات العامة، اما في مكاتب العمل فقد اوضحت الدراسة ان اكثر اشكال التحرش شيوعا هو دعوة المرأة بشكل متكرر الى الخروج لتناول الغداء او الذهاب الى السينما، رغم الرفض المتكرر من جانب بنات حواء! اما الكارثة الخطرة التي تكشف عنها الدراسة هو الموقف السلبي للضحية، فقد تبين انه من بين كل مئة امرأة تتعرض للتحرش لا تلجأ سوى واحدة منهن فقط الى الشرطة لتحرير محضر بالواقعة، كما ان نسبة 5% هن من يشتكين الى الوالد او الزوج او الاخ الاكبر بينما 60% يحكين ما حدث الى الزميلات والصديقات كنوع من الفضفضة.
المطلوب حمايتها وتشير الباحثة هبة عبد العزيز الى ان هذا الموقف يعكس عدم ثقة الضحية في قدرة النظام القانوني القائم على حمايتها، بل ان 83% يعتقدن ان الذهاب لتحرير محضر شرطة هو نوع من الفضيحة فضلا عن انهن يتعرضن لسيل من الاسئلة المحرجة وينتهي الامر الى لا شيء بسبب عدم كفاية الادلة! اما السبب الرئيس في عدم ابلاغ الزوج او الوالد او الاخ الاكبر او ما اصطلح على تسميته بـ «ولي الامر» فيعود الى اعتقاد 79% ان الطرف الاخر «ولي الامر» لن يتفهم الموقف وسيبادر الى اتهام الضحية بانها هي المسؤولة، وسيكون الحل الاول الذي يطرأ على باله منعها من الخروج من البيت او ان تأخذ اجازة ! والمفارقة التي تكشف عنها الباحثة هبة عبد العزيز هو غياب كل اشكال الردع لدى المتحرش فالمتوقع ان من تكشف شعرها او ترتدي ملابس مثيرة هي التي ستحظى بالنصيب الاكبر من التحرش، لكن الحقيقة هي ان جريمة التحرش ضحاياها من المحجبات والسافرات، كما ان وجود الاخ الاصغر او الام مع الضحية لا يوقف متحرشي الشوارع او المصالح الحكومية عند حدهم! وتوضح الباحثة ان المشكلة الاولى التي يواجهها من يتصدى لفتح هذا الملف الشائك هو عدم وجود تعريف اجرائي محدد لمفهوم التحرش بالمرأة عموما والتحرش بالمرأة العاملة على نحو خاص ومع ذلك فالثابت ان التحرش الجنسي Sexual Harassment سلوك بغيض يتضمن: تعليقات او مطالب لفظية ذات طابع جنسي مثل طلب اقامة علاقة جنسية، وقد يأخذ شكل افعال غير لفظية مثل لمس جسد الطرف الآخر، وتصبح هذه السلوكيات اللفظية وغير اللفظية تحرشا في ظل عدم الترحيب بها من قبل الضحية لان الترحيب بها يعني اننا ازاء علاقة رومنسية لا تندرج تحت فئة التحرش الجنسي، كما يعتبر الخضوع لتلك الافعال، صراحة او ضمنا، شرطا لاستمرار الضحية في العمل، وايضا يعتبر التجاوب مع تلك الافعال شرطا للحصول على ميزة في العمل او تجنب افتعال صعوبات تضر بالوضع المهني للضحية ومن هذا يطلق على هذا النوع من التحرش التحرش الجنسي التقايضي.
ومن السلوكيات المتعارف عليها للتحرش: النظرة الخبيثة او ذات المعنى للانثى وهي تمر من امام الشخص، التلفظ بالفاظ ذات معنى جنسي، تعليق صور جنسية او تعليقات جنسية في مكان يعرف الشخص انها سوف ترى هذه الاشياء، لمس الجسم، النكات او القصص الجنسية التي تحمل اكثر من معنى، طلب ان تعمل ساعات اضافية بعد مواعيد العمل مع عدم وجود ضرورة لذلك.
وتوضح هبة عبد العزيز ان هناك فرقا بين التحرش بصفة عامة والتحرش الجنسي بصفة خاصة، فالتحرش بصفة عامة قد يحدث من خلال استفزاز شخص لآخر بقصد استدراجه الى التشابك والخناق باليد او اللسان.
هناك ايضا فارق بين التحرش والاستغلال الجنسي، فالاخير عبارة عن اتصال جنسي بين طفل وشخص بالغ يريد اشباع رغباته من خلال القوة والسيطرة والابتزاز.
وتوضح الباحثة هبة عبد العزيز انه في مجال العمل يصبح التحرش كابوسا يوميا وبالطبع من شأن تعرض المرأة العاملة لخبرة التحرش بها جنسيا ان يؤثر ذلك سلبا في شخصيتها وحالتها البدنية والنفسية وكفاءتها في عملها وعلاقاتها الشخصية وحياتها الاسرية.
فانعدام الشعور بالامن الشخصي على الجسم والكرامة الشخصية سيثير قلقها، ومن شأنه ايضا ان يثير اضطرابا في علاقاتها الاسرية، بل وقد يجعلها، في ظل اساءة تفسير ما حدث، تلوم نفسها باعتبارها مسؤولة عما حدث وهو ما يعني تضاؤل ثقتها بذاتها، فضلا عن شعورها بالعجز وكراهية العمل والرغبة في التغيب عنه والتحرش ليس فقط جريمة اخلاقية بل جريمة اقتصادية كذلك فالشركات والمؤسسات ستخسر نتيجة انخفاض اداء المتعرضات للتحرش، وتغيبهن عن العمل.
وتؤكد الباحثة هبة عبد العزيز ان المتحرش يكون عادة اكبر سنا من الضحية، ويتراوح عمره بين 35 الى 55 عاما، ومتزوج، وله علاقة عمل بالضحية لا تقل عن ستة اشهر، ومارس التحرش من قبل، اي له سوابق تحرشية، وهو في معظم المواقف من الزملاء وليس له سلطة على الضحية، ولكنه حين يكون رئيسا تكون عملية التحرش حادة (اغتصابا او اعتداء) وليس مجرد اشارات وتعليقات وايماءات جنسية، وعادة ما يمهد للتحرش بالتحدث معها عن ظروف حياته الخاصة وهمومه ومشكلاته وفي ما يتصل بشخصيته فان لديه افكارا جنسية تحبذ وتشجع على الاعتداء على النساء والسيطرة عليهن اجتماعيا وفي مجال العمل من خلال الجنس، ويعتقد ان المرأة ترغب في ان يعتدي عليها جنسيا.
حول صفات الضحية تشير الباحثة الى انها غالبا ما تتصف بانها ودودة ومجاملة، وتتبادل احاديث شخصية مع زملائها الرجال مما قد يساء فهمه ويدرك على انه دعوة للدخول في علاقة عاطفية - جنسية ما يشجع احدهم على المبادرة بمواعدتها بالحاح على نحو تبدأ معه دائرة التحرش، وتبين ان الاكثر عرضة للتحرش: الاصغر سنا، غير المتزوجة، والاقل تعليما، وذات المكانة الوظيفية المنخفضة، والخبرة المحدودة في عملها، والتي تعمل في وسط معظمه رجال اي تعتبر اقلية فيه، والمؤسسة او الهيئة التي يعملن بها اكثر تساهلا مع المتحرش حين يبلغ عنه او يكتشف امره كما انها تظهر استجابة ضعيفة ضد بوادر التحرش التمهيدية ما يجعله يندفع نحو إصدار سلوكيات تحرشية مباشرة الخوف والحذر رد فعل الضحية لا يخرج عادة عن أحد الاحتمالات التالية حسبما تشير الدراسة فهي قد لا تهتم وتقول لن أخبر احدا وبطبيعة الحال فإن هذا يشجع المتحرش على تكرار فعلته، وقد تلجأ الى التقليل من شأن ما حدث، ومحاولة إعادة تفسيره بصورة لا تثير الضيق، «فهو لم يقصد التحرش بي» أو «أنه ليس في حالته الطبيعية» او التظاهر بأن الموقف لم يحدث، وليس له أثر، وهو ما ييسر عليها تقبل، بل والتعايش مع، ما حدث، والأسوأ لوم الذات على ما حدث فهي، وليس هو، السبب، والغريب أن (25%) من ضحايا التحرش في اميركا يعزون التحرش بهن الى سلوكهن.
وهو ما دعاهن الى عدم الابلاغ، وهناك الصد بدون مواجهة، حيث تطلب منه ان يدعها وشأنها او تختلق عذرا لتغادر المكان، او ترجئ الرد عليه حين يطلب مواعدتها، او تأخذ الموقف كدعابة، او التسويف والارجاء عله ييأس منها ويتركها في حالها.
اما رد الفعل الايجابي فهو ان تكون مبادئه وتعبر عن رفضها واستيائها بشكل مباشر فتخبره انه غير مرغوب فيه، وتطلب منه بحزم ان يكف عن افعاله تلك، وتهدده بأنها ستبلغ الامر للرؤساء اذا لم يتوقف، وقد يتم التقدم بشكوى الى المشرف او الرئيس الاعلى: اي ان الضحية عليها ان تتبنى سياسة: «اذا تعرضت للتحرش يجب عليك ان تتقدمي بشكوى».
ومن المهم هنا بناء رأي عام مساند: حيث تخبر الضحية الزملاء والزميلات بما حدث ليعرفوا بأمر المتحرش، وتطلب مشورتهم ومساندتهم، وبذلك تبني جبهة مدعمة لها على مواجهة المتحرش.
ومن الواضح ان اكثر الممارسات المتصلة بالضحية والتي تدفع المتحرش بطريق غير مباشر لارتكاب هذا السلوك تتمثل في عدم تصديها بحزم لمقدمات التحرش، فضلا عن ارتدائها ملابس مثيرة للانتباه، وتعاملها بطريقة لينة مع المحيطين بها من الزملاء، وهو ما يجعل المتحرش يعتقد انها صيد سهل وفريسة متاحة.
ويؤدي التحرش - حسب الدراسة - الى نتائج كارثية على الحياة الشخصية والعملية للضحية مثل الخوف والحذر في التعامل مع الزملاء، انخفاض في مستوى الاداء في العمل، عدم الثقة في النفس، كراهية العمل.
ومن الاسباب التي تؤدي الى تعرض الضحية للتحرش دون غيرها يأتي في المقدمة مظهرها اللافت وما ترتديه من ملابس مثيرة للانتباه، واختلاطها الزائد مع الزملاء مما يجعله يسيىء فهم سلوكها وسكوتها على ما يصدر من تلميحات ومقدمات، وكثيرا ما تؤدي خبرة التحرش الى اعادة نظر الضحية في طبيعة علاقاتها بزملائها مثل ضرورة التعامل في حدود العمل فقط وتجنب التحدث مع الزملاء في مشاكل شخصية، وعدم الثقة في الاخرين واخذ الحيطة والحذر اثناء التعامل معهم.
المواجهة خجولة والمشكلة التي تبرزها الدراسة هي عدم قدرة القانون المصري على مواجهة ظاهرة التحرش، فالامر يتجاوز هنا مجرد «هتك عرض » او «التعرض لأنثى في طريق عام» وهما المصطلحان الموجودان في قانون العقوبات ويتسمان بعدم الفعالية والطابع الفضفاض في حين ان التحرش اشكاله ومظاهره اكثر تنوعا، وتشير هبة عبد العزيز الى انه تنص المادة 306 على انه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن مئتي جنيه ولا تزيد على ألف جنيه او بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض لأنثى على وجه يخدش الحياء بالقول او بالفعل في طريق عام او مكان مطروق.
ويسري حكم الفقرة السابقة اذا كان خدش حياء الانثى قد وقع عن طريق التليفون.
فإذا عاد الجاني الى ارتكاب جريمة من نوع الجريمة نفسه المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين مرة اخرى في خلال سنة من تاريخ الحكم عليه في الجريمة الاولى تكون العقوبة الحبس وغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تزيد على 3000 جنية او بإحدى هاتين العقوبتين، ولا تنتهي نصوص المادة 306 عند هذا الحد وإنما يعود المشروع ليربطها بمادة اخرى هي 267 لتعاقب كل من هتك عرض انسان بالقوة او التهديد او شرع في ذلك يعاقب بالاشغال الشاقة من ثلاث سنين الى سبع، وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ست عشرة سنة كاملة او كان مرتكبها ممن نص عنهم في الفقرة الثانية من المادة 267 يجوز ان تصل مدة العقوبة الى الحد الاقصى المقرر للأشغال الشاقة المؤقتة واذا اجتمع هذان الشرطان معا يحكم بالاشغال الشاقة المؤبدة.
والمشكلة ان المرأة عند تقديمها للشرطة بلاغ بالتحرش، يسجل هناك عرض لعدم كفاية الادلة، وهذا يدل على ان فعل التحرش غير معرف في القانون، وبالتالي لا تؤخذ البلاغات المقدمة للشرطة حول هذه الجريمة بالجدية الكافية! (ايلاف)
تعليقات: