الثبات على المبادئ الإنسانية في العمل التطوعي.. الدكتور كامل مهنّا أنموذجاً

الدكتور كامل مهنّا
الدكتور كامل مهنّا


عرفت الدكتور كامل مهنّا شخصياً منذ أكثر من أربعين عاماً. عرفته أنموذجاً للريادة في العمل التطوعي الإنساني، وفي تطوير وتنمية منظمات المجتمع المدني في لبنان، وفي تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان على مدى نصف قرن من الزمن. وقد نجح في بناء مؤسسة ناشطة وفعّالة عابرة للطوائف والمناطق والتيارات السياسية، تعتمد نهج العمل المؤسّساتي العلمي الجدّي الذي يضع خدمة الإنسان والحفاظ على كرامته وضمان حقوقه الأساسية وحريته الشخصية في مقدمة أهداف العمل السامية. يضاف إلى ذلك سعيه الدؤوب إلى معالجة أسباب الفقر وتنمية مفهوم التضامن الاجتماعي وتوفير الرعاية الصحية وتمكين المرأة ونبذ العنف والتعصب والتطرف.

يُمثّل الدكتور مهنّا، حامل شعار التفكير الإيجابي والتفاؤل المستمر، قدوة في الثبات على المبادئ في أصعب الظروف وأعقدها مما أكسبه الاحترام على المستويين المحلي والدولي. وعندما كنتُ مديراً للمنظمات الدولية والمؤتمرات والعلاقات الثقافية في وزارة الخارجية والمغتربين، وتعبيراً عن التقدير للعمل الإنساني المتجرّد الذي يقوم به الدكتور مهنا، أظهر الفريق الدبلوماسي في المديرية دعماً لترشيح مؤسسة عامل لجائزة نوبل للسلام للعام 2016 من قبل الوزير السابق الدكتور جورج قرم، ووضع هذا الفريق مفكرة حول الترشيح وعمّمها على سفارات لبنان في مختلف أنحاء العالم.

عندما أسّس الدكتور كامل مهنّا مؤسسة عامل في العام 1979، كان هدفه تخفيف المعاناة عن الفقراء والمهجّرين نتيجة ارتدادات الحرب في لبنان التي بدأت في العام 1975 وكذلك الانعكاسات المأساوية على المواطنين إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان في آذار 1978. وقد تطوّر عمل المؤسسة تحت قيادته ليشمل تقديم الخدمات الصحية وعلاج الجرحى ومتابعة ذوي الاحتياجات الخاصة في مرحلة أولى. وفي مرحلة لاحقة بدأت المؤسسة تنفيذ برامج الدعم الاجتماعي وتنظيم ورشات العمل التربوية والثقافية وتقديم الاستشارات النفسية والتدريب على المهارات الحياتية للسيدات وللشباب في مقتبل العمر وحماية حقوقهم وتمكينهم من الوصول إلى الاستقلالية المالية.

ثم أضيفت أنشطة أخرى فرضتها ظروف المعاناة الإنسانية لتغطية حاجات العاملات في الخدمة المنزلية والعمال الأجانب وضحايا الاتجار بالبشر ومساعدة كبار السن واللاجئين من دول عربية وأفريقية والنازحين السوريين. ولم يغب عن تفكير الدكتور مهنّا ضرورة تعميم ثقافة الحقوق حيث وضعت مؤسسة عامل، بالتعاون مع جامعات لبنانية وحقوقيين لبنانيين، برامج دراسية حول اتفاقيات حقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني والحوار بين المجتمعات ومنع الصراعات المسلحة. كما شارك الدكتور مهنّا في المؤتمرات والمنتديات الدولية في الدول العربية والأوروبية والولايات المتحدة الأميركية مُقدّماً المحاضرات والمداخلات حول شؤون اللاجئين والعمل التطوعي والمسؤولية المدنية ومُبرزاً عطاءات وتضحيات لبنان والشعب اللبناني في احتضان اللاجئين والنازحين وهو ما يفوق تقديمات دول عظمى على هذا الصعيد.

من الأمور البارزة في عمل الدكتور مهنّا إصراره على أن تتواجد مؤسسة عامل حيثما كانت هناك حاجة لخدماتها. ولذلك توزّعت مراكز المؤسسة على بيروت وضواحيها وجبل لبنان والبقاع والجنوب وحديثاً في الشمال بالقرب من المجتمعات المهمّشة والفقيرة. واعتمدت المؤسسة على مواردها الذاتية والتبرعات وجهود المتطوعين ومساهمات غير مشروطة، وهو ما يصرّ عليه الدكتور مهنّا، من مؤسسات إنسانية دولية وغير حكومية.

لم تغب مصداقية مؤسسة عامل ورئيسها عن نظر دول العالم. ولذلك أصبحت مراكز المؤسسة جزءاً من برامج زيارات مسؤولي الأمم المتحدة ورؤساء الدول والوزراء الأوروبيين مثل زيارة الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند عندما كان في السلطة، وزيارة الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون قبيل فترة وجيزة من انتخابه رئيساً للجمهورية، وزيارة الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي موون والأمين العام الحالي للأمم المتحدة أنطونيو غوتييرس عندما كان في منصب المفوض السامي لشؤون اللاجئين، وكذلك زيارات وزراء خارجية معظم الدول الأوروبية وأحدثهم وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان في شهر تموز 2020.

ومما يلفت النظر ثبات الدكتور مهنّا على المبادئ الأخلاقية والإنسانية التي يؤمن بها برغم كل الظروف الصعبة والتحديات التي مرّ بها الوطن. ولأن كرامة الإنسان هي محور اهتمام وتفكير الدكتور مهنّا بشكل دائم، فإن شخصيته المتميزة وإخلاصه في العمل الإنساني وطاقته الإيجابية وثقته بالقدرات الكامنة لأبناء الشعب اللبناني انعكست على جميع العاملين في المؤسسة، وأصبح مصدر إلهام لأجيال جديدة من المتطوعين الشباب.

تعليقات: