أسئلة تبحث عن صاحب القرار في ما حصل.. والإجراءات التي لم تتخذ.
هل هي مصادفة أن تأتي احداث الشمال، بعد أقل من اثنتي عشرة ساعة من تنبؤ سمير جعجع، بحصول «محاولات أمنية خفيفة»، وتسميته «فتح الاسلام» بالاسم، ووصفه إياها بأنها احدى ادوات التوتير وأنها اصبحت تحت الأنظار؟!
هذا السؤال، يضاف الى سلة واسعة من اسئلة، أثارتها الساعات الحرجة، التي عاشتها عاصمة الشمال ومخيم البارد، في محاولة للبحث عن دوافع وأهداف هذا التفجير، وتأثيراته على الواقع السياسي المترجرج.
قد يكون من السذاجة وسط هذا الجو، بناء تقييم دقيق لما حصل، او الوصول الى اجابة محددة وواضحة لحقيقة ما يجري، وخصوصا ان الرؤية السياسية انعدمت جراء المسارعة المريبة لبعض الفرقاء، للاستثمار على التفجير الامني وتوظيفه في البازار، وربطه بهدف تعطيل المحكمة الدولية، وإلقاء المسؤولية المباشرة فورا على سوريا، واتهامها بأبوة «فتح الاسلام»! (سؤال لا بد منه هنا هل ان الأميركيين اعلنوا بعد جريمة عين علق ان «فتح الاسلام» هي تابعة لتنظيم القاعدة).
فما أثير في اوساط مختلفة، دار بالسؤال بشكل اساسي حول من يملك السلطة الفعلية على «فتح الاسلام»، وفي حضن من تربت في الداخل اللبناني، وهل ثمة تيارات اصولية مماثلة تتربى في ذات الحضن، وهل ثمة من يغض الطرف عنها؟
كان الاعتقاد سائدا بأن هذه الجماعات و«فتح الاسلام» تحديدا موجودة داخل المخيمات، فإذا بها تظهر داخل المدينة، فلماذا لم تتخذ الاجراءات المناسبة لوقف او منع هذا التمدد الاصولي؟ ودارت بالسؤال ايضا حول «القرار السياسي»، وعلى اي اساس تقرر الدخول في هذه المواجهة، التي انتهت الى ما يزيد عن 27 شهيدا للجيش اللبناني.. وهل تم التحضير جيدا لهذه العملية؟ وثمة من استخدم لغة اتهامية، هل ثمة من يحاول ان يورط الجيش، وهل ثمة من نصب له هذا الكمين الذي ادى الى خسائر بشرية فادحة، وخسارة معنوية أفدح بهيبته؟!
في معرض قراءة قيادي معارض، يتساءل هل ما يجري مندرج في اطار محاولة تصفية حساب، وحرق بعض الاسماء عشية الاستحقاق الرئاسي، او التي يمكن ان يكون لها دور ما في تلك الفترة، مع الاشارة هنا الى الحديث الذي يتزايد عن دور ما للعماد ميشال سليمان في تلك الفترة، وخصوصا اذا ما صعبت الامور واستحال إجراء الاستحقاق الرئاسي في جو توافقي. ويستنتج القيادي في المعارضة من مسار الأحداث، ان الجيش اللبناني تعرض أمس الى محاولة اغتيال، واجـِهتها «فتح الإسلام»، ويسأل هل لهذه المحاولة علاقة بالزيارة الاخيرة لديفيد ولش الى بيروت؟ فثمة رواية في هذا السياق، يؤكد انها من مصادر موثوقة، وتفيد بأن المسؤول الاميركي وخلال زيارته الاخيرة أثار موضوع التمدد السلفي القتالي، وطلب العمل على اتخاذ اجراءات بهذا الصدد، بمعنى فتح جرح لا يعرف احد كيف سيقفل.
ما حصل في رأي القيادي إنذار خطير لما يمكن ان يلي، او يتمدد الى ما هو ابعد من الشمال، والنتيجة الموضوعية، التي تولدت عن هذه الاحداث، تفيد بأن الجيش اللبناني خاض امتحانا مكلفا، أزال البؤر من المدينة، ونجح في عدم الوقوع في فخ الدخول الى المخيم؟، ولكن من جهة ثانية، تفيد الوقائع بأن جرحا عميقا قد فتح، ولا يمكن ان يتم دمله بسهولة، وأرض الشمال تنطوي على دور مؤثر وواسع، ونشاطات واسعة للتيارات الاصولية، التي تنمو بشكل سريع؟
غير ان الملاحظة البالغة الدلالة التي يسجلها القيادي المذكور، هو وقوع من حصل، عشية مناقشة المحكمة الدولية تحت الفصل السابع ربما اليوم، في مجلس الامن الدولي وأيضا عشية مناسبات وطنية عديدة، ومنها الاحتفال بذكرى الرئيس الشهيد رشيد كرامي مطلع حزيران المقبل؟ فضلا عن أنه يذكر بحالات سابقة متصلة بموضوع المحكمة الدولية، والتي كانت تتطلب وقودا دمويا تجلى باغتيالات وعمليات أمنية؟
فريق الاكثرية بمرجعياته السياسية والروحية أجمع على ربط ما يجري بمحاولة تعطيل المحكمة الدولية، متهما سوريا صراحة بالوقوف خلفها سعيا لإطاحة المحكمة الدولية. وخطفت الاهتمام مسارعته الى تشكيل حملة منظمة في هذا الاتجاه، ربما لأن المعركة. جرت داخل ساحته الشمالية. وهذه المسارعة بالاتهامات التي رافقتها تقود الى السؤال: اي قوة تمتلكها سوريا لتقوم بما يقال انها قامت به، ولنفرض انها لا تريد المحكمة، وقد لا تريدها ـ فهل لديها القدرة على التعطيل، وهل في مقدورها سحب مشروع المحكمة من على طاولة مجلس الامن.. ثم ان سوريا موضوعة من قبل المجتمع الدولي القريب قبل البعيد تحت المجهر، وتساق عليها الاتهامات من كل الجهات، فكيف تفتح عيون الرأي العام الدولي على ساحتها المكشوفة اصلا امام العين الدولية المفتوحة على كل التفاصيل مخابراتيا وفضائيا وأرضيا وبما تيسر.
الا ان اللافت للانتباه، هو الدخول الروسي المباشر وبسرعة قياسية على خط احداث الشمال، في مجال استنكار ما يجري، والتحذير من المخاطر. وبمعزل عن مضمون البيان الذي لم يحمل اي امر استثنائي، فإن مجرد صدوره رسالة متعددة الاتجاهات، ويشي بخشية جدية لدى الروس، من حدوث توترات في لبنان، تنذر بتداعيات بالغة السلبية. وأن الواقع اللبناني هش الى حد يحتاج الى ادخاله في العناية الفائقة، والنأي به عن الموترات وأسبابها، علما ان للروس تجربة مرة مع تنامي السلفية القتالية.. ولم تخمد نارها في الشيشان.
تعليقات: