طلاب عمشيت يحتفلون بالتوافق على انتخاب سليمان
وأخيرًا.. وبعد طول مخاض، يصعد العماد ميشال سليمان قائد الجيش اللبناني الى القصر الجمهوري في بعبدا بعدما «انتخب» رئيسا توافقيا لكن الانتخاب بقي معلقا وبعيد عن صندوق الاقتراع في مجلس النواب في ظل ازمة سياسية حادة عاشها لبنان منذ اكثر من 18 شهرا. والعماد ميشال سليمان هو الرئيس الثاني عشر للبنان منذ الاستقلال في الاربعينييات حتى اليوم لكنه اكثر الرؤساء اللبنانيين الذين عاشوا قبيل انتخابهم بتجارب قاسية. صحيح ان المعارضة والموالاة نادت به رئيسا لكن الطرفين كانا يخوضان تحت هذا الانتخاب حربا سياسية طالت الامن والسلاح فكانت تلك اللحظات هي الاصعب في حياة العماد سليمان الذي يبقى بمنأى عن الانحياز لأي طرف لكي لا تسقط عنه حياديته، وكان مطلوبا منه ان يزين تصريحاته بميزان الذهب لكي لاياخذ عليه احد مأخذ، وعلى الرغم من العماد سليمان لم يعلن ابدا انه مرشح للرئاسة وانما الرئاسة أتت اليه لانقاذ لبنان من محنته والمحافظة على ديمومته الا انه بقي على خطه المنطلق من الثوابت الوطنية وحدة الوطن و حيادية الجيش اولا لكي لا تنغمس المؤسسة العسكرية الوطنية الصامدة في وجه الرياح التقسيمية العاصفة في وحول الازمة اللبنانية المعقدة. وكان سليمان يردد دائما وأبدا أنا على استعداد لتلقف كرة النار لكن على اللبنانيين الاتفاق واذا بقيت الامور دون حل فان منزلي وعائلتي هم اولى بالاهتمام بعد تقاعدي. لكن سليمان عندما اطلق هذا الموقف اراده جرس انذار لكل الذين تطحنهم الازمة السياسية في لبنان ويختلفون على وزير هنا ونائب هناك للتنبيه بأن البلاد هي الأهم والوطن هو الأغلى من كل المناصب والمكاسب. وسليمان يلعب الدور نفسه الذي لعبه قائد الجيش الاسبق فؤاد شهاب في العام 1958 عندما كانت البلاد في حالة احتراب داخلي وانقسام سياسي حاد فتبرع شهاب للانتقال من وزارة الدفاع الى القصر الرئاسي وخلع بزة العسكر وارتدى البزة المدنية الرسمية وبدأ ببناء المؤسسات مدعوما من الجيش اللبناني ومن تأييد اقليمي ودولي.
وقد حاول الرئيس اميل لحود الرئيس الثاني الذي جاء من قيادة الجيش الى الرئاسة الاولى ان يسير على نهج شهاب من خلال اطلاق شعار الشفافية والامر لدولة المؤسسات لكنه فشل فشلا ذريعا لأن دوامة السياسة اللبنانية طحنته ولم يستطع تطبيق حرف واحد من خطاب القسم الذي القاه اثناء انتخابه في العام 1998.
واليوم العماد سليمان عليه ان يكون المنقذ الذي يخرج لبنان من براثن الانهيار والتفكك ويحمل معول الاصلاح لكي يهدم كل مقار الفساد في لبنان التي خربت النظام والاقتصاد. كما يجب ان يكون عليه الرئيس المقاوم في وجه اسرائيل ولذلك فان حمل العماد سليمان ثقيل جدا وهو حمل يجب ان يساعده اللبنانيون جميعا في النهوض به فرجل بمفرده مهما بلغت قوته يصعب عليه حمل همّ وطن على كتفيه.
وصحيح ان شخصية الرئيس تلعب دورا كبيرا في مجابهة الصعاب لكن الاصح ان يدا لبنانية واحدة لا تصفق والمطلوب ان تنضم اليها اليد الاخرى للتصفيق عاليا لانهاء الازمة السياسية والانطلاق بمرحلة جديدة هي الاصعب في تاريخ لبنان.
فالرؤوساء اللبنانيون الاحد عشر قبل الرئيس سليمان مروا بظروف لكن ليست على فجاعة المشهد اللبناني الحالي فقد كان بشارة الخوري الرئيس الاستقلالي الاول رئيسا تأسيسيا للبنان ولم يكن الخلاف اللبناني اللبناني الى هذا الحد الذي نشهده.
وبعده الرئيس كميل شمعون الذي انتهى عهده بثورة حمراء لكن بتوافق لبناني لبناني على العيش المشترك تحت صيغة لاغالب ولا مغلوب وبعده جاء الرئيس فؤاد شهاب الذي اصلح النظام بموافقة شبه جماعية ومن ثم الرئيس شارل الحلو الرئيس الذي ادار ازمة انفجرت في العام 1969 مع العامل الفلسطيني الذي اصبح شريكا في السياسة اللبنانية ليتلقفها الرئيس سليمان فرنجية بحرب اهلية واسعة في اخر عهده في العام 1976، ومن ثم انتخب الرئيس بشير الجميل تحت ضغط الجيش الاسرائيلي الذي كان قد احتل ثلاثة ارباع لبنان ولكن الجميل الرئيس المنتخب اغتيل قبيل تسلمه منصبه ليخلفه شقيقه امين في العام 1982 في ذروة دورة العنف فكان عهدا منذرا بالصراعات المسلحة من كل الجهات فقد قدرته على فعل اي شيء. وقد خلفه الرئيس رينيه معوض بعد التوصل الى اتفاق الطائف الا انه اغتيل بعد شهرين من انتخابه ليخلفه الرئيس الياس الهراوي الذي استمد قوته من دعم اقليمي ودولي لانهاء الحرب واطلاق مسيرة السلم الاهلي الا ان الهراوي سقط في معمعة السياسة الداخلية اللبنانية واصبح طرفا كما هي حال الرئيس اميل لحود.
وبعد انهاء ولاية لحود في العام 2007 نجح الخلاف في ابقاء كرسي الرئاسة شاغرة ودخل لبنان في مرحلة جديدة تحت عنوان (أي لبنان يريد اللبنانيون) وهذا عبء ملقى على العماد ميشال سليمان الرئيس اللبناني الثاني عشر.
تعليقات: