أسعار الفاكهة والخُضر ترتفع والناس يشترونها بالحبّة.. إلى أين ستصل؟

تصوير حسن عسل
تصوير حسن عسل


لم يعد مستغرباً ارتفاع أسعار السلع الغذائية، لكن الارتفاع الهائل للخضر والفاكهة المحلّية الذي يسابق الدولار ويحلّق دون أي تراجع، يطرح علامات استفهام حول السبب، فالناس أصبحوا يشترونها "بالحبّة"، وأصبحوا يقسمونها ما بين أساسيات وكماليات. ولا بدّ من السؤال: إلى أين ستصل أسعار الفاكهة والخضر المحلية؟ وهل سنشهد فقداناً لبعض الأصناف بسبب تقلّص الإنتاج المحلّي؟

استهلاك الخضر والفاكهة تغيّر كثيراً، فوفق صاحب محل، فإنّ كميّة الشراء انخفضت جداً، وأصبح الناس يشترونها "بالحبّة". وبتقديره، "سبب #ارتفاع الأسعار هو مسبحة الغلاء، كل شيء يلحق بعضه بالغلاء، فالأسعار ارتفعت أكثر من 100 % عن قبل، وهناك تضخّم، والطلب الآن يتركّز على أنواع الخضر والفاكهة الأساسية فقط كالبندورة، البصل، الحامض والبطاطا".

وفي محل شهير للخضر والفاكهة في بيروت، يقول مسؤول الصالة إنّ استهلاك الناس تغيّر بالتأكيد جراء ارتفاع الأسعار الكبير، وتغيّرت نسبة المبيع بشكلٍ كبير جداً، وتراجعت كمية ونوع مشتريات الزبون. وحتى مَن كان ميسور الحال لم يعد قادراً على الشراء كالسابق وأصبح يقتصد بالكمية. وكثيرون يشترون "بالحبة"، فالزبون "الخواجة" الذي اعتاد شراء الخضر والفاكهة من البراد (أي المستورَدة)، يشتري حالياً من المحلّي، وبدلاً من شراء 4 كيلو من التفاح المستورَد، يشتري كيلويين من المحلّي، فسعر كيلو التفاح المستورَد كان سابقاً نحو 7000 أو 8000 ليرة، بينما المحلي منه اليوم بهذا السعر.

غياب الدعم والاعتماد على الاستيراد رفعا الأسعار

يعود سبب ارتفاع الأسعار إلى هذا الحدّ لسببين مرتبطين ببعضهما. ويشرح رئيس جمعية المزارعين، أنطوان الحويك، أنّ وجوب شراء المستلزمات الزراعية بالدولار وهو غير متوفّر لدى المزارعين، دفعهم إلى عدم الإنتاج، ما أدّى إلى نقص في الإنتاج المحلي وبالتالي إلى ارتفاع الأسعار. وبسبب تقلّص الإنتاج المحلي، اعتمدت السوق اللبنانية على الاستيراد، فبطبيعة الحال، ستكون الأسعار بهذا الشكل.

ويؤكّد على "أننا الآن بأدنى مستوى من الإنتاج المحلي مقارنة بحاجات السوق، بنسبة إنتاج ما بين 15 إلى 20%، أمّا الأصناف الأخرى فهي مستورَدة". فالإنتاج الزراعي هذا العام أقلّ بكثير من العام الماضي، وهذا ما حذّرت منه الجمعية سابقاً، أي إنّ الإنتاج الزراعي سيتقلّص وسيكون العرض قليلاً مقابل الطلب والاستهلاك المعتاد. واليوم الإنتاج الزراعي المستورَد من سوريا والأردن هو الذي يغطي السوق اللبنانية ويعوّض نقص الإنتاج المحلي، لكن يتمّ استيراده بالدولار، لذلك سعر الجملة من كيلو البندورة مثلاً اليوم هو 6000 ليرة، ولن تنخفض إلّا إذا ارتفع الإنتاج المحلي.

ويروي الحويك أنّ المزارعين الذين ينتجون عادةً ابتداءً من 15 تشرين الثاني، يبدأ إنتاجهم على الساحل اللبناني. وفي هذه الفترة، كان لبنان يستورد الخضر من سوريا وكان المزارع اللبناني يخسر لأنّها تُباع بأقّل من كلفة الإنتاج اللبناني. أمّا الآن، فقرروا ألّا يزرعوا في هذه الفترة من السنة لأنّ الاستيراد ما زال قائماً من سوريا، وأجّلوا الإنتاج حالياً لأنّ كلفته ستكون مرتفعة إذا ما أرادوا الإنتاج بشكلٍ مبكّر. لذلك، في هذه الفترة من السنة، أي التي نمرّ فيها الآن، وبما أنّ هناك استيراداً للخضر والفاكهة، لم ينتج المزارعون اللبنانيون، لكن "أكلنا الضرب" بمجرد عدم وجود رؤية لدى الدولة لحماية المزارعين وحماية الأمن الغذائي لكي يستطيعوا تغطية السوق المحلي بشكلٍ متواصل.

وبانتظار أن يرتفع الإنتاج اللبناني، "من المتوقَّع أن يبدأ الساحل الجنوبي بالإنتاج خلال أسبوعٍ أو أسبوعين، ما سيؤدّي إلى انخفاض أسعار الخضر قليلاً، وفق الحويك، ويضيف أنّه طالما هناك نقص في الإنتاج المحلي، ستبقى الأسعار مرتفعة وسيبقى الاعتماد على الاستيراد. وقد ناشدت الجمعية الدولة منذ أيار وحزيران لدعم مستلزمات المزارع لينتج ويبيع إنتاجه بأسعارٍ منخفضة، "لكنّ أحداً لم يأبه حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن". فمع الإنتاج الوفير تنخفض الأسعار في سوق الجملة، لكنّ الأسعار في بيع المفرَّق تتعلّق بالتجارة وليس بالمزارع وتكلفة زراعته. وعلى سبيل المثال، معروف أنّ الحامض يُنتَج في الشتاء، ولم يكن هناك إنتاج في الفترة الماضية، لكن الآن بدأ إنتاج الحامض وسعر الجملة للكيلو منه حوالي الـ 2000 ليرة، وكيلو البرتقال من نوع أبو سرة بـ 1500 ليرة، والكلمنتين بـ 1500 ليرة كسعر الجملة.

وفي ما يتعلق بالفاكهة الموسميّة، فقد أنتج المزارعون نوعين من التفاح، نوعٌ انضرب لأنّ المزارعين لم يرشّوا بالمبيدات بسبب غلاء أسعارها وبيعَ بسعرٍ رخيص في السوق، ونوع آخر هو النوع الجيّد الذي تمّ تصديره وبيعَ بأسعارٍ مرتفعة جداً، وما بقي في السوق الآن من نوعية إكسترا وسعر الكيلو منها في سوق الجملة يفوق الـ4500 ليرة، وسعر الكيلو من النوع المضروب في الجملة نحو 1500 إلى 2000 ليرة.

والفاكهة الشتوية المحلّية الآن هي الأفوكا والقشطة والحمضيات والموز، لذلك تنخفض أسعارها قليلاً، لكن يجب ألّا ننسى أنّ كلفة زراعة هذه الأصناف مرتفعة بالنسبة إلى المزارع، بالإضافة إلى التصدير.

ويلفت الحويك إلى أنّ التصدير يرفع أيضاً من الأسعار محلّياً، لأنّ سعر المنتج اللبناني في التصدير منافِسة، لذا الأصناف العالية الجودة التي تُصدَّر، تُسحَب من الأسواق وترتفع أسعارها في لبنان. وهنا، من الضروري أن تضع الدولة سياسة لدعم المزارع، وإدارة الملف الزراعي بأكمله. وعندما تدعم الدولة المستلزمات الزراعية، تصبح قادرة على منع التصدير، وبهذه الطريقة، يستفيد المزارع بإنتاجٍ ذي كلفة منخفضة وتنخفض الأسعار، وذلك يدفعه إلى الإنتاج أكثر دون أن يتكبّد خسائر، لكن "الدعم لم يحصل، وأصبح السوق فلتان".

وفي السؤال عمّا إذا كان هناك أي خطر من فقدان أصناف معينة من الخضر والفاكهة في السوق جراء هذه الأزمة، يفيد الحويك أنّه "لن نشهد أي فقدان للخضر والفاكهة في السوق اللبنانية، إنّما قد ترتفع أسعارها".

الكلمات الدالة


تعليقات: