وزير المهجرين السابق نعمة طعمة
تقدّم وزير المهجّرين السابق، غسان عطالله، بإخبار يتعلّق بملفات فساد في وزارة المهجرين. وعلى إثره، تقدمت هيئة القضايا بدعاوى إثراء غير مشروع على عدد من الموظفين في الوزارة. ويستند هذا الإخبار إلى 7 أقسام:
1- في القسم الأول، يتحدث عطالله عن إصدار وزير المهجرين السابق نعمة طعمة قراراً يجيز صرف تعويضات إعمار، بناءً على إفادة مختار فقط، والتغاضي عن سائر المستندات المنصوص عليها في قرارات مجلس الوزراء، وأبرزها الإفادة العقارية التي تثبت الملكية. استناداً إلى هذا القرار، سُجِّل في عهد طعمة 1200 طلب من دون أي مسوّغ قانوني، وقيمة الطلب الواحد كانت 20 ألف دولار يومها.
2- أما القسم الثاني، فيدور حول صرف تعويضات الإعمار مع ترك الخيار للمتضررين من التهجير لتأمين مساكن بديلة في الأماكن التي يختارونها بأنفسهم، وهو ما ينسف قانون إنشاء الوزارة وصندوق المهجرين، وهو تأمين عودة المهجرين إلى المكان الذي هُجّروا منه في الحرب، بعد إجراء المصالحة. لكن دفع التعويضات للمواطنين من دون تحقيق العودة إلى قراهم، دفع بالكثيرين إلى شراء عقارات في أماكن السكن التي لجأوا إليها. أبرز الأمثلة على هذه المخالفات كانت في الدكوانة والمدور والكرنتينا، حيث جرى دفع تعويضات للأهالي المهجّرين من تلك المناطق حتى لا يعودوا إليها. ليس ذلك فحسب بل جرى التلاعب بأعداد الطلبات، فقد بلغ عدد الوحدات السكنية في الدكوانة المستفيدة بموجب التعاميم الصادرة عن الوزير طعمة، 997 طلباً، في حين أن مجمل العقارات موضوع التهجير هي 70 عقاراً. وتذرّع الصندوق بحجة أن «مساحة العقارات لا تسمح بإعادة البناء» لقبول الطلبات. وذلك يناقض الواقع بحيث إن ثمة عقارات تصل مساحتها إلى ألفَي متر مربع لكن تم التغاضي عن إمكانية البناء فيها استناداً إلى قرار فردي من الوزير، من دون أي مستند آخر صادر عن التخطيط المدني أو الدوائر العقارية. ويخلص الإخبار إلى أن هذا القسم يحمل هدراً للمال العام بقيمة تقارب الـ 23 مليار ليرة لبنانية. في منطقة المدوّر أيضا، صدرت عدة تعاميم عن الوزير مروان حمادة في السياق نفسه، فكان مجلس إدارة صندوق المهجرين يُصدر قراراً بالموافقة على صرف تعويضات لأصحاب الحقوق لتثبيتهم في أماكن غير أماكن إقامتهم الأصلية وبعضهم لا يستوفي المعايير. هنا أيضاً بلغ الهدر ما يقارب الـ 14 ملياراً و700 مليون ليرة لبنانية.
«دجاجة تبيض ذهباً»
3- في ما عدا ملف التعويضات الذي استخدِمَت أمواله كتنفيعات ورشاوى، ولترسيخ التهجير، ليس من قرى الجبل حصراً، بل من بلدات أخرى في بيروت والمتن الشمالي وصولاً إلى عكار، يتحدّث القسم الثالث من الإخبار أيضاً عن صرف غالبية أمواله لغير مستحقيه، وهو ملف الإخلاءات. الواضح هنا أن وزارة المهجرين كانت بالنسبة إلى الوزراء الذين تعاقبوا عليها، ومعظمهم من الحزب الاشتراكي، بمثابة دجاجة تبيض ذهباً. لذلك العدد الأكبر ممن تقاضوا بدلات الإخلاء، وفقاً للإخبار، لا تنطبق عليهم صفة التهجير وبعضهم من جنسيات غير لبنانية. من ناحية أخرى، وبالرغم من إصدار رئيس الحكومة عمر كرامي (عام 1991) تعميماً (91/1) كلّف بموجبه المحافظين إخلاء كلّ المباني الحكومية المحتلة من دون دفع أي تعويض، اتخذ وزير المهجرين يومها وليد جنبلاط قراراً بدفع بدل تعويضات إخلاء لنحو 128 محتلاً في بناء قيد الإنشاء عائد لمستشفى بعبدا الحكومي وبلغت قيمتها الإجمالية نحو مليار ليرة لبنانية. في السياق نفسه، دُفعت تعويضات في عام 2002 لإخلاء أكثر من 17 شاغلاً يحتلون عقاراً تابعاً لخط السكة الحديد في محلة الرياق وهو عبارة عن خيم مبنية من ألواح الزنك!
بلغت مصاريف الإخلاءات نسبة 35% من مجموع مصاريف ملف المهجرين. وكان «بند الإخلاءات» هو الوحيد الذي أُقفل وتنعّم من وردت أسماؤهم تحته (105 آلاف مستفيد) من إعفاءات من رسوم الماء والكهرباء والهاتف بواسطة ورقة صادرة عن الوزارة.
4- القسم الرابع يذكّر بقانون الوزارة الذي ينص على تكليف مجلس الإنماء والإعمار، بعد موافقة مجلس الوزراء، تنفيذ المشاريع التي تدخل ضمن اختصاصه وأبرزها البنى التحتية. لكن وزارة المهجرين والصندوق قاما بتلزيم المشاريع بشكل مباشر إلى المتعهدين من دون عرضها على مجلس الوزراء، ومن دون مناقصات أو المرور بمجلس الإنماء والإعمار. وجرى تلزيم كل المشاريع إلى المتعهدين أنفسهم.
12 طلب تعويض لإعمار عقار مساحته 30 متراً مربّعاً بحسب الإفادة العقارية!
5- في «القسم» الخامس، يتحدث الإخبار عن العقار رقم 308 بريح/الشوف التي تفيد إفادته العقارية أن مساحته 30 متراً مربعاً إلا أن عدد طلبات تعويضات الإعمار المقبوضة عليه بلغت 12 طلباً، كل طلب تبلغ قيمته 20 ألف دولار.
6- في القسم السادس المتعلق بأذونات البناء، كان المدير العام للوزارة يصدر إفادات تأذن للمستفيد منها المباشرة بأعمال البناء في العقار التابع له بطريقة مخالفة لكلّ قوانين البناء والتنظيم المدني ومن خارج صلاحياته.
7- أما القسم الأخير فيتعلق بفسخ عقد مع موظف بسبب تغيّبه عن الحضور إلى الوظيفة طيلة فترة شغل الوزير غسان عطالله لمنصبه، ليتبين بعدها أنه يقيم خارج الأراضي اللبنانية، لكنه لا يزال يتقاضى راتبه من الدولة اللبنانية بغطاء من رئيسه المباشر ومن المدير العام.
هكذا وصلت الدعوى إلى القاضية عون
الملف القضائي الذي أعدّه وزير المهجرين غسان عطالله يشكل بنظره «أحد مزاريب الهدر التي ساهمت بكسر خزينة الدولة لمصلحة بعض الأحزاب وأزلامها وخدمة لمصالحها الانتخابية، ليتبين أن من استفاد من المهجرين وأصحاب البيوت المدمرة لا يتعدى الألفي شخص بينما، ثمة 100 ألف طلب من غير المستحقين وممن لا تنطبق عليهم المواصفات المطلوبة. وخلافاً لما يسوّق له الاشتراكيون، يقول عطالله إنه وجّه رسالة حول هذه المخالفات الإدارية وهدر المال العام والفساد الموصوف في الوزارة وصندوق المهجرين بتاريخ 17/1/2020 إلى وزير العدل آنذاك ألبرت سرحال، مرفقة بالوثائق والمستندات طالباً منه تحويلها إلى كل من النيابة العامة وهيئة القضايا في وزارة العدل لإجراء المقتضى القانوني. وزير العدل، «أحال الإخبار الى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الذي أحاله بدوره إلى المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري. إلا أن خوري تنحّى عن الملف، لذلك لَجَأتُ بنفسي إلى هيئة القضايا (في وزارة العدل) المسؤولة عن الحفاظ على أموال الدولة وممتلكاتها. وقد تحرّكت الهيئة على هذا الأساس ووكّلت أحد محاميها ويدعى ربيع فخري الدخول إلى الوزارة والتوسع في الملف. وفخري هو من طلب من الموظفين كشف حساباتهم منذ يوم دخولهم إلى الوزارة حتى اليوم. هكذا تمّ الاشتباه في بعض الموظفين». في الوقت عينه وبعد تنحي خوري، وصل الملف إلى القاضية كارلا قسيس التي أرسلت بطلب عطالله لإبلاغه أن الملف قديم وفارغ «فطلب المحامي 15 يوماً لتأمين الإضافات والمستندات المطلوبة، ما اضطرها لقبول الملف». وبناءً على طلب رئيس الحكومة حسان دياب، شكّل التفتيش المركزي لجنة لإجراء تحقيقات في الوزارة، استطاعت الوقوع على مخالفات قانونية منفّذة من الوزراء المتعاقبين من دون أن تصدر قراراً بعد.
لكنّ قرار هيئة القضايا، بحسب عطالله، «أحرج الجميع. وعند وصول الادّعاءات على الموظفين إلى مكتب عويدات يوم الأربعاء الماضي، هرع وليد جنبلاط للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري لضمان غطاء له». في هذا الوقت «حوّل عويدات الملف إلى النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان غادة عون».
العونيّون من الدفاع إلى الهجوم... بالقضاء
لماذا قرّر التيار الوطني الحر فتح معركة الفساد، بإخبارات ودعاوى قضائية، اليوم؟ من مصرف لبنان وحاكمه، إلى قائد الجيش السابق وأركانه، وصولاً إلى وزارة المهجرين. أسئلة كثيرة تُطرح، في السياسة، عن «الهجوم العوني» القضائي. ثمّة أجوبة كثيرة يجري التداول بها، تمحورت غالبيتها حول وضع هذه التحركات في سياقين: الأول آنيّ، يتصل بـ«الضغط الحكومي على كل من الرئيس المكلّف سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط». أما الثاني، فيهدف إلى الانتقال من الحالة الدفاعية التي حُشِر فيها التيار منذ 17 تشرين 2019 حتى اليوم، إلى حالة هجومية على القوى التي استفادت من حشر التيار، أو شاركت فيه.
مقالات مرتبطة
ملف «المهجّرين»: المال العام لتشجيع التهجير رلى إبراهيم
ينطلق التيار من هنا لنقض كل الأسباب التي يرى أنها «لُفِّقَت له نتيجة ادعائه على فاسدين»، خصوصاً تلك التي تتعلق بالحكومة. فأصلاً «البازار الحكومي غير موجود، وعلى افتراض أن هناك كباشاً ما، فغالباً لأن جهة ما تريد الاستيلاء على الحصة المسيحية أو فرض شروطها عليها».
وفي هذا السياق، لا مشكلة بين رئيس الجمهورية ميشال عون أو رئيس التيار جبران باسيل مع بري على الوزراء المسيحيين، بل تصف المصادر العونية العلاقة معه بأنها في أفضل حالاتها رغم المناوشات الإعلامية. فللمرة الأولى منذ سنوات، يتحدث العونيون عن تعاون بري معهم، واستجابته سريعاً مع رسالة عون حول التدقيق الجنائي من خلال عقده جلسة سريعة للبرلمان ثم خروجه بتوصية كما أرادوا. وهو ما يجري تفسيره بإيجابية تامة وأنه فاق توقعاتهم. وبالتالي كل اللعب على مشكلة حكومية أو شخصية مع عين التينة «في غير محله»، ولا يستفيد منها التيار، بل يدرك عون وباسيل جيداً أن أي شدّ حبال مع بري سيعرقل أي مسعى حكومي ولن يكون لمصلحتهما لأنه سيضع رئيس حركة أمل حكماً في صف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ضدهما. فضلاً عن أن هذا «التكتيك» بالهجوم لتليين الطرف الآخر لا يسري على بري أو جنبلاط أو أي حزب، بل يجعلهم أكثر شراسة وتعنتاً في مواقفهم. وبالتالي ربط ملفات الفساد بأي طموح حكومي هو «من نسج الخيال». لكنه في الوقت عينه محاولة من جنبلاط - الذي هرع إلى عين التينة فور ادعاء هيئة القضايا على موظفين في وزارة المهجرين بجرم الإثراء غير المشروع - لتحويل الفساد إلى عراك بالسياسة، طالباً النجدة من بري. من هنا يأتي تصريح النائب الاشتراكي بلال عبدالله بأن ما يقوم به التيار «سلسلة ملفات قضائية يجهزها باسيل ليحركها تباعاً ضد جنبلاط وبري والحريري». فجنبلاط، برأي التيار، يصرّ «عمداً على إقحام الأخيرين في المشكلة بشكل شخصي حتى يضمن خروجاً آمناً ويتنصل من الموبقات المرتكبة في مغارة وزارة المهجرين».
أما الواقع، على ما يشير العونيون، فيقول إن تلك الملفات لا يمكن أن تُعد فجأة في ليلة وضحاها بل تحتاج إلى تحضير مسبق وجمع لمعطيات على فترات متباعدة حتى يصبح الملف جاهزاً. وذلك تفصيل آخر «ينسف الشائعات التي يستخدمها البعض للهروب من تهم الفساد المثبتة ضدهم و«تقريش» سرقتهم للمال العام في البازار السياسي». فقد سبق للتيار أن أثار ملفين اثنين في هذا السياق، الأول ضد رئيسة هيئة إدارة السير هدى سلوم والثاني حول موظفين وشركات مرتبطين بقضية الفيول المغشوش. فغداة 17 تشرين الأول 2019، أنشأ تكتل لبنان القوي لجنة مؤلفة من عدد من النواب وعضو المكتب السياسي في التيار وديع عقل مهامها إعداد ملفات فساد لرفعها إلى القضاء، بالتوازي مع الانتفاضة الشعبية، للإسراع بإصدار الأحكام القضائية تحت ضغط الشارع. ثمّة قضايا تمكّنت اللجنة خلال العام الأول من عملها من توثيقها بالكامل، وثمة مسائل كملف رئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت تفتقد إلى الحجج القضائية القوية التي تسمح للتيار بالهجوم. وهناك ادّعاءات فارغة أدت إلى عدم إثارة الرئيس عون السؤال نفسه عن الملفات العشرة التي أعلن القصر الجمهوري في بيان عقب انتفاضة تشرين متابعتها بنفسه ومنها التحقيق مع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. من هنا، وبعد اجتماع عون مع لجنة الكتل ورئيس التيار، تقرّر العمل بشكل عملي وجدي ودقيق على تجهيز ملفات متكاملة لا لبس فيها. المسألة الأهم هنا أن العقوبات الأميركية على باسيل هي الفاصل هنا في اتخاذ قرار المضي قدماً في معركة الفساد وفتح الملفات كلها قضائياً، فيما كان قبيل ذلك يتأنّى في عرضها. ورغم أن لا علاقة مباشرة بين المسألتين، فإن مراكمة الخيبات لدى ممثلي التيار وجمهوره، جعلت من غير الممكن انتظار الحلول الخارجية. فالبيت العوني بدا في حالة تداعي، وبات معها يحتاج إلى صدمة كبيرة وايجابية لتدعيم أعمدته. على أن المعركة الوحيدة التي حسمها رئيس التيار فعلياً بعد فرض العقوبات عليه، «ولم تعد قابلة للمقايضة أو المسايرة»، فهي معركته مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
زير المهجّرين السابق، غسان عطالله
العونيّون من الدفاع إلى الهجوم بالقضاء
تعليقات: