يوم 13 آذار الماضي اجتمع مجلس الوزراء، وأعلن وزير الداخلية حسن السبع والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، خلال مؤتمر صحافي بعد الاجتماع، أن الأجهزة الأمنية تمكّنت من كشف مرتكبي جريمة عين علق المزدوجة، وهم مسلّحون تابعون لتنظيم «فتح الإسلام» المتمركز في مخيّم نهر البارد الشمالي. ونقلت وسائل الإعلام المحلية والدولية تقارير عديدة عن الاشتباه في ارتباط «فتح الإسلام» بأعمال جرمية. وعُلم أن المسؤول عن «فتح الاسلام» شاكر العبسي تتّهمه السلطات الأردنية بالمشاركة في عملية اغتيال الديلوماسي الاميركي لورنس فولي في عمّان، الى جانب المسؤول السابق لتنظيم «القاعدة» في العراق أبو مصعب الزرقاوي.
بناءً على ذلك من المفترض مهنياً أن تكون مديرية المخابرات في الجيش وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي قد أعدّا تقارير مفصّلة عن «فتح الإسلام» تتضمّن عدد عناصرها وكيفية تحرّكهم ومدى تسليحهم وتدريبهم. كذلك من المفترض أن تتوافر لدى أجهزة الاستخبارات تقارير مفصّلة عن الاتصالات التي يجريها عناصر «فتح الاسلام» وقادتها وكشف لحساباتهم المالية ومصادر تمويلهم. هذه التقارير تسمح للقيادة العسكرية بأخذ القرارات المناسبة لحسم المواجهة العسكرية بعدد محدود من الخسائر البشرية والمادية. ومن المتعارف عليه علمياً أن الحسم العسكري الناجح يعتمد أساساً على دقّة المعرفة الاستخبارية وعمقها.
إن مواجهات أول من أمس بين قوى الأمن والجيش من جهة ومسلحين تابعين لـ«فتح الإسلام» من جهة أخرى، والتي استشهد خلالها أكثر من ثلاثين جندياً وضابطاً من الجيش الوطني وجرح العشرات ومن بينهم رجال في قوى الامن، تشير الى خلل في عملية جمع المعلومات الاستخبارية عن «فتح الإسلام» أو الى عدم توظيف المعلومات التي بحوزة المخابرات و«المعلومات» لمصلحة القادة الميدانيين في ساحة المواجهة.
«الإخفاقات» المهنية
لعلّ أبرز الإخفاقات المهنية في عمل مخابرات الجيش وفرع المعلومات منذ الاعلان عن وجود «منظمة فتح الاسلام» على الاراضي اللبنانية، هو سوء التنسيق والهامش الضيّق لتبادل المعلومات الاستخبارية بينهما. وهناك إخفاقات مهنية أخرى من أهمّها: إخفاق في إحصاء الاحتمالات والتدقيق بكلّ منها واتخاذ ترتيبات وقائية وإجراءات حماية وتمويه، وإخفاق في اختراق «فتح الإسلام» استخبارياً مع أن مخيم نهر البارد يسكنه أكثر من عشرين ألف شخص والتجول منه وإليه سهل وبالتالي توظيف مخبرين فيه ليس مستحيلاً ولا صعوبات كبيرة تسجّل في تمكّن هؤلاء من الاتصال بالجيش، وإخفاق في عمليات التنصّت ومراقبة ومتابعة تحرّكات «فتح الاسلام» وعلاقاتهم واتصالاتهم الداخلية والخارجية وتحرّكاتهم الميدانية، وإخفاق في التخطيط لعملية عسكرية «جراحية» تشلّ قدرة «فتح الإسلام» على التحرّك، عبر هجوم مباغت لفرقة «كوماندوس» مثلاً، دون تعريض أمن البلاد للخطر ودون الاضطرار الى تدمير مخيم نهر البارد على رؤوس مدنيين أبرياء قد يختبئ وراءهم المسلّحون. والسؤال الأساسي هنا بعد انكشاف الضعف الاستخباري هو عن مدى دقّة الإحداثيات التي تقوم مدفعية الجيش بقصف نهر البارد على أساسها.
«الإنجازات» الأمنية
تمكّنت قوى الامن الداخلي والجيش من السيطرة على الوضع الامني بعد أقلّ من 24 ساعة على إطلاق النار. وأحكم الجيش قبضته حول مخيم نهر البارد من البرّ والبحر حيث انتشرت الزوارق الحربية التابعة للجيش. لكن الإنجاز الأهمّ الذي حقّقه الجيش وقوى الامن يتعلّق بالعدد القليل من الضحايا المدنيين خلال الاشتباكات في أحياء مدينة طرابلس يوم الاحد. وأكّد مسؤول أمني رفيع أن سبب تأخر اقتحام مبنى عبدو والمباني الاخرى في منطقة الزاهرية وشارع المئتين في طرابلس أمس أكثر من سبع ساعات كان لإعطاء الوقت الكافي لخروج المدنيين من المباني التي كانت تطلق منها النيران ولتأمين سلامتهم. وقال المصدر إن عناصر من قوى الامن قامت بمساعدة المواطنين العالقين بين النيران عبر وضع سلالم على الشرفات الخلفية لطوابق المباني السفلية لإخراجهم منها.
كما تمكّن فرع المعلومات أول من أمس من ملاحقة أحد المشتبه بهم بالتعرّض للجيش في القلمون وقبض عليه في منطقة وادي خالد. وتقوم مديرية المخابرات في الجيش بالتحقيق مع عدد من الأشخاص الذين أُوقفوا في طرابلس.
تعليقات: