فؤاد خشيش: الانتخابات في أميركا.. ديمقراطية عجز المؤسسات


النظام الأميركي الجديد فيه مراحل، محطات، وفجوات كثيرة، وفي لحظة تنصيب الرئيس الأميركي الجديد هناك «فرصة» للعديد من التطورات، وما زالت مستمرة، لكن في النهاية الشعب والمؤسسات هما من يقرّر ويحسم الموقف، إذا لم يتطوّر الى حروب داخلية بكافة الأشكال.

عادة الدول تدخل الحروب لإيجاد المخارج من الأزمات الداخلية التي تعانيها. العالم اليوم يعيش بلا نظام وبلا قيادة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي السابق ونهوض روسيا والصين ودول أخرى لكن دون أن يكون هناك مجال للتفرّد والتسلط، رغم انّ الولايات المتحدة تهيمن أو تحاول أن تهيمن على العالم بشكل امبراطوري لكن التطورات لا تشي بذلك، وها هي تعاني من أزماتها الداخلية التي خرجت إلى العلن بعد تولي الرئيس دونالد ترامب دفة السفينة والقيادة في أميركا.

والعبارات التي استخدمت لوصف ما حدث مثيرة للخوف: انقلاب، عصيان وفتنة. فجأة تمّت مقارنة الولايات المتحدة بجمهورية موز وتتلقى رسائل من العواصم القلقة. ومن حذروا من أسوأ السيناريوات تمّ استبعادهم واتهامهم بإثارة المخاوف، لكنهم اكتشفوا أن ما حذروا منه قد حدث بالفعل.

مع أنّ واشنطن شهدت الكثير من الاحتجاجات عبر السنوات الماضية إلا أن ما حصل كان مختلفاً عن أيّ شيء شهدته المدينة في الأزمنة الحديثة خلال عملية انتقال للسلطة. فقد قامت بإرباك عملية مصادقة دستورية على «انتصار» انتخابي.

وها هي الديمقراطية الأميركية «تتألّم» جراء الضربة المؤلمة التي تلقتها في أحد ركائزها، على اثر عملية الاقتحام في موعد دستوري هام، كان بموجبه ممثلو الشعب بمجلسي النواب والشيوخ يعقدون جلسة المصادقة على فوز جو بايدن في السباق الرئاسي. وقتل في هذه الأحداث أربعة أشخاص. وتزداد المخاوف بعد هذه الأحداث مما يمكن أن يفعله ترامب خلال الأيام المتبقية له في البيت الأبيض، حيث من المفترض أن يسلّم السلطة لـ بايدن في 20 من الشهر الحالي.

وأشار مسؤولون حاليون وسابقون في مجال إنفاذ القانون الى أنّ حصار الكونغرس، يمثل واحدة من أخطر الثغرات الأمنية في التاريخ الأميركي الحديث، إذ حوّل واحداً من أبرز رموز السلطة الأميركية إلى بؤرة للعنف السياسي.

وكان ترامب، قد خرج في خطاب مقتضب، دعا فيه أنصاره إلى إخلاء مبنى الكونغرس والعودة إلى منازلهم، لكنه كرّر مزاعمه حول تزوير الانتخابات والتعامل غير الجيد مع أنصاره، مما دفع «تويتر» إلى حجب التفاعل مع هذا المقطع، قبل أن يحذف التغريدة بالكامل.

وجاءت تصريحات ترامب بعد دقائق من حديث للرئيس المنتخب جو بايدن دعاه فيه إلى «الخروج ومطالبة أنصاره بإخلاء الكونغرس والتوقف عن إثارة العنف فوراً»، وهي المطالبة التي جاءت أيضاً من مسؤولين أميركيين ونواباً بالحزبين وأجهزة أمنية وعسكرية، وكلها دفعت ترامب إلى عدم التصعيد، والجنوح إلى التهدئة ودعوة أنصاره إلى العودة إلى المنازل.

بهذه الأحداث تكون الديمقراطية الأميركية قد تلقت لكمة مؤلمة، إذ تعرّضت إلى «هجوم غير مسبوق» بحسب تعبير الرئيس المنتخب جو بايدن.

وأعلن عدد من النواب دعمهم لفكرة إقالة ترامب، ليس فقط من خصومه الديمقراطيين، ولكن كذلك حتى من داخل البيت الجمهوري.

وأشار العضو الديمقراطي في مجلس النواب الأميركي ديفيد سيسيلاين إلى أنّ النواب الديمقراطيين وزعوا مواد مساءلة الرئيس لعزل دونالد ترامب من السلطة بعد هجوم مناصريه على الكابيتول.

وتستند فكرة تنحية ترامب إلى التعديل الـ25 من الدستور الأميركي، الذي ينصّ على تولي نائب الرئيس مهام الرئاسة لأسباب متعددة، منها عدم قدرة الرئيس على أداء مهامه لكنه يرفض الاستقالة من منصبة بشكل طوعي كما تنص على ذلك المادة الرابعة من التعديل، وهو ما يراه عدة نواب أميركيون ينطبق على حالة الرئيس ترامب.

وصدر هذا التعديل عام 1967 بعد تداعيات اغتيال الرئيس جون كينيدي. وإنْ كانت المادة الأولى معروفة وتنص على استبدال الرئيس في حالة الوفاة أو الإقالة أو الاستقالة، فإن المادة الثالثة التي تنصّ على نقل السلطة في حال عجز الرئيس عن أداء مهامه، استخدمت رسمياً لأول مرة عام 2002 عندما لجأ إليها الرئيس جورج دبليو بوش بشكل مؤقت لأسباب صحية.

غير أنّ الولايات المتحدة لم تشهد منذ صدور التعديل لجوءاً إلى المادة الرابعة الخاصة بتنحية الرئيس بالقوة. ويأمل معارضو ترامب، الذين ارتفع عددهم بعد أحداث الكابيتول، تطبيق المادة، خصوصاً أنّ عدداً منهم يرون أن إمكانية مباشرة إجراءات العزل الرسمية صعبة التحقق، في ظلّ الأيام القليلة المتبقية على انتهاء ولاية ترامب.

وأشار استطلاع أجرته «يوغوف» إلى أنّ غالبية الناخبين الأميركيين اعتبروا اقتحام الكونغرس تهديداً للديمقراطية، لكن هناك انقسامًا قوياً بين الحزبين. فقد شمل الاستطلاع 1397 ناخباً أميركياً ووجد أن 62٪ اعتبروا أعمال الشغب تهديداً للديمقراطية: 93 في المئة منهم من الديموقراطيين و 55 في المئة من المستقلين، و 27 في المئة فقط من الجمهوريين.

وأيّد 45 في المئة من الجمهورين الذين شملهم الاستطلاع تصرفات مؤيدي ترامب التي عطلت عمل الكونغرس أثناء انعقاد الجلسة، لكن في المقابل 43 في المئة منهم عارض هذا. ووجدت العديد من استطلاعات الرأي خلال السنوات الأخيرة انقساماً حاداً بين الأحزاب السياسة وداخل تلك الأحزاب.

من جهتها انتقدت الخارجية الروسية على لسان المتحدثة باسمها ماريا زاخاروفا نظام الانتخابات الأميركية، واصفة إياه بأنه «عفا عليه الزمن»، وأنه خلق «فرصاً» للانتهاكات، بحسب ما نقلته وكالة أنباء «ريا نوفوستي» الروسية، ولا يفي بالمعايير الديمقراطية الحديثة، وأصبحت وسائل الإعلام الأميركية أداة للنضال السياسي».

وأضافت زاخاروفا: «تسبّب هذا إلى حدّ كبير في حدوث انقسام في المجتمع يمكن ملاحظته الآن في الولايات المتحدة»، وجاءت تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الروسية رغم الانتقادات المستمرة من المنظمات المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان للانتخابات والحريات في روسيا.

اما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فقد قالت إنّ صور اقتحام الكونغرس الأميركي سبّبت لها الغضب والحزن، مبدية أسفها لعدم اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بهزيمته.

وكتبت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تحت عنوان «غوغائيو ترامب يقتحمون مبنى الكونغرس». وقال كبير المسؤولين فيها، دان بالز، إنّ الديمقراطية الأميركية تشوّهت سمعتها. وأضاف: «بدلاً من الاحتفال بانتخابات حرة ونزيهة في أعظم ديمقراطية في العالم، سيُذكر «الأربعاء» على أنه يوم تتويج مخيف ومتوقع لشهرين من أكاذيب الرئيس».

أما صحيفة «ذا غارديان» فكتبت، «فوضى بعد اقتحام الغوغائيين المؤيدين لترامب مبنى الكونغرس.

كما دعت صحيفة “واشنطن بوست” إلى تنحية الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الحكم، واتهمته بالوقوف وراء الهجوم على مبنى الكابيتول هيل في واشنطن.

وقالت الصحيفة إنّ رفض الرئيس ترامب القبول بنتائج الانتخابات وتحريضه المستمرّ لأنصاره، قاد لشيء لم يكن أحد يتخيّله، هجوم غوغاء متطرفين على الكابيتول في الولايات المتحدة والذين تغلبوا على الشرطة التي أخرجت المشرّعين من القاعة التي كانوا يناقشون فيها نتائج الانتخابات الرئاسية.

أمام هذا الوضع السياسي المتقلب، يطرح الأميركيون ومعهم معظم المراقبين تساؤلات مشوبة بالكثير من القلق والحذر حول مجرى الأيام المتبقية لترامب في البيت الأبيض والى أين ستسير الأمور على اعتبار انّ ترامب لن يسكت عما حصل والأيام المقبلة كفيلة بالكشف عن المستور وان ما حدث سيرخي بظلاله ندوباً على الديمقراطية الأميركية وسيكون له الأثر البالغ على الحلم الأميركي.

* الدكتور فؤاد خشيش / كاتب لبناني

تعليقات: