الحرف التقليدية كالمدافيء (الصوبيات)، دخلت في قلب الصناعات المحلية من بابها الواسع، بفضل جهود أصحاب الإختصاص في تلك الصناعات والحرف، وما يملكون من ذوق وفكر وتصميم ورؤية وإبتكارات وتفنن في التصاميم الأشكال الهندسية، فجعلت تلك الصناعات تتصدر واجهة إهتمام الزبائن خاصة المقيمين في الأرياف والمناظق الجبلية، نظرًا لحاجتهم الماسة لإستخدامها في عملية التدفئة المنزلية إبان فصل الشتاء وأجواء الجلسات الإنيسة حولها وشوي الكستناء والبطاطا وصناعة الحلوى.
“موقع ومجلة كواليس” قصد بلدة راشيا الوادي التي تشتهر بتلك الصناعات والتقى مع الشيخ يوسف القضماني، صاحب الباع الطويل في هذه المهنة منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، فحدثنا قائلًا:
منذ قديم الزمان كانت وسائل التدفئة عبارة عن مواقد بدائية مصنوعة من الطين واللبن. ومواد التدفئة حطب وأخشاب، ومع تطور الزمن وفكر الإنسان الذي واكب هذا التطور وحصوله على بعض أنواع المعادن، ثم إبتكار ما يسمى” المدفأة أو السوبية، أو الوجاق”، عن طريق سكب الحديد المذاب على حرارة مرتفعة جدًا ضمن قوالب خاصة توضع في الرمل وكانت تعرف آنذاك بالسكب بالرمل الفولاذي، وأول معمل من هذا النوع في لبنان لآل القاطرجي في بيروت.
مع الإشارة إلى أن من إبتكر صناعة المدفأة هم الشعب الأوروبي منذ العام 1905، ومواكبة للتطور والفكر لدى الإنسان وحصوله على معدات وآلات مختلفة تُسهل عليه عملية التصنيع. وتخليه عن الطريقة القديمة معتمدًا على معدات وتقنيات حديثة.
وعائلة القضماني في راشيا الوادي، هي أول من أدخلت هذه الصناعة إلى لبنان منذ العام 1936 من القرن الماضي عبر الوالد الذي كان يستعمل المعدات اليدوية كالمقدح، المقص، مقطع الحديد، سدان، مبرد وغير ذلك. وتوارثنا عنه منذ العام 1965 ولم نزل متمسكين بها، فهي رمز تراثنا ومصدر رزقنا على مرّ السنين.
وعملنا على تطوير ما أمكن بإستخدام معدات حديثة كهربائية مع إبتكارات ولمسات لموديلات واحجام تناسب حاجة ومطلب الزبائن والأذواق. وقد نحتاج أحيانًا الإستعانة بمخرطة أو مقص عبر ماكينات تعمل على الليزر.
والسماكة تتراوح بين 2 و5 ملم حسب موضع واجزاء المدفأة، ومدى تحمله للحرارة.
كما الحجم مع الفرن الخاص بداخل كل مدفأة، اكانت على الحطب حتى تمكن من إستيعاب الحطب ذات الحجم الكبير، أو المازوت التي لها نفس مواصفات مدفأة الحطب، ونحن نُصَّنع عدة أشكال وموديلات وألوان، ومؤخرًا أبتكرنا مدفأة مزدوجة العمل على الحطب والمازوت في آن معًا. ولها مروحتين تصدران الهواء الساخن إلى ارجاء الغرفة المتواجدة فيها.
أما عن المنافسة الخارجية والداخلية، لهذه المهنة خاصة الصناعات الأوروبية أو ما شابه، يقول الشيخ القضماني:
السوق مفتوح للجميع، ونرحّب بأية صناعات ذات جودة عالية ونحترمها، وهي لا تؤثر على صناعاتنا لجودتها ومتانتها، ودقة تصنيعها. وهي تخدم سنوات وسنوات طوال وحتمًا لا بد من صيانتها إذا أقتضى الأمر، وتخضع كل مدفأة لتجربة بعد التصنيع.
ولكل مهنة لها عقبات، وكنّا نتجاوزها فيما مضى، أما اليوم بسبب الأرتفاع الهائل بسعر صرف الدولار في السوق المحلي، نعاني كثيرًا من هذا الواقع، سيما ونشتري المواد من حديد ولحّام وأوكسجين وغير ذلك بالدولار والبيع يتم بالعملة اللبنانية التي تدنّت قيمتها كثيرًا وقلت أرباحنا, ونحن متمسكون بهذه الحرفة التي تُمثل تُراثنا ونعمل على تطويرها لطالما نستخدم عقولنا في المكان الصحيح. وكونها بالتوارث اقول:
كل واحد فينا حافظ على مهنة قديمة يشعر بالطمأنينة ، لانه ما اهملها لا بل احيا قيم وارث لم يفرط به
وأتمنى أن يعود الأمن والإستقرار لهذا الوطن لتنتعش كافة المصالح.
وشكرًا لكم على هذه الإلتفاتة الكريمة.
* حوار رئيس التحرير فؤاد رمضان
تعليقات: