الكاتب حسن أحمد عبدالله
حين وقعت حادثة اقتحام الـ”كابيتول” الاميركي سارعت بعض الدول الى اعادة النظر في وضع التطرف اليميني فيها، ففي المانيا، مثلا، طرحت المخاوف من تكرار الحادثة في الـ”بوندستاغ”، فيما افردت وسائل الاعلام في مختلف انحاء اوروبا الكثير من المساحات للحديث عن قوة اليمين المتطرف التي اصبحت تؤرق معظم حكومات القارة العجوز، لا سيما وانها المرة الاولى التي تتعرض الديمقراطية الاميركية لهذا الامتحان الصعب، اذ ان الحوادث التي تعرض لها الـ”كابتيول” سابقا لم تصل الى العنف بهذا الشكل المفرط، في وقت عادت مسألة اقتناء الاسلحة الى الواجهة مجددا، وذهب بعض المحللين الى الحديث عن ضرورة تعديل التعديل الثاني من الدستور الاميركي.
طوال العقود الماضية اهملت معظم الدول مسألة التطرف، او بالاحرى اعتبرت الاراء والمواقف في هذا الشأن جزءا من العملية الديمقراطية، بل ان الاحزاب المتطرف التي فازت بالانتخابات النيابية في دول ارووبية عدة، شكلت علامة فارقة في المزاج الشعبي، لا سيما انها اعتمدت خطابا اقرب الى عواطف العامة، وعملت على تبديد مخاوفهم في حال امسكت بزمام الحكم، بينما شكل الحد من الهجرة قضيتها الاساس، وكذلك ما يسمى الاسلاموفوبيا، التي تحولت بدورها الى فوبيا من الاخر عموما، اي حتى من ابناء العرقية الاوروبية.
هذا التغير الكبير برز في الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، اذ كانت نسبة كبيرة من البريطانيين تنظر الى الاتحاد على انه المصهر الذي سيذيب تلك “القومية العرقية ذات التاريخ الامبراطوري”، فـ”المملكة العظمى” تحولت عضوا تحت قيادة اوروبية كان بعضها لزمن طويل يشكل عدوا تاريخيا لها.
طبعا الرفض البريطاني سبقه سعي من متطرفين يمنيين في دول اخرى الى الاعلان صراحة عن الرغبة في العودة للدولة القومية المستقلة، كما هي الحال في المجر، فيما كانت فرنسا، التي اعتبرت لزمن طويل مصدر الالهام الديمقراطي، ليس في اوروبا وحدها، بل في مختلف الدول النامية، تحولت هي الاخرى الى التطرف، وقد شكلت الانتخابات الاخيرة فيها مؤشرا على تصاعد التطرف اليميني.
على المنوال ذاته لم سارت السويد حيث حقق اليمين المتطرف فوزا كبيرا في الانتخابات، اذ بعد الارتفاع الكبير للقوميين والمتطرفين والشعبويين في معظم اوروبا الشرقية، جاء دور الدول الاسنكدنافية، وقبلها كانت ايطاليا هي الاخرى قد دخلت نادي القوى اليمنية المتطرفة التي تحصد نتائج مهمة في الانتخابات.
اما في اسبانيا فقد كان لليمين المتطرف انتشارا شعبيا كبيرا، وقد حقق فوزا بالانتخابات، ما جعل مراقبين مرموقين فيها يتحدثون من قرب تفكك مملكة البوربون بعد ان حصل المتطرفون على 130 مقعدا في مجلس النواب بالانتخابات الاخيرة.
التطرف لم يقف عند حدود اوروبا والغرب، بل وصل صداه الى معظم الدول النامية، مع تصاعد الشعبوية فيها، وتزايد الدعوات الى خفض عدد المهاجرين في تلك الدول، واستخدام خطاب عنصري استفزازي، بات يتحول قوانين في غالبيتها، ما يؤشر الى حقيقة لا يمكن الفرار من مواجهتها، وهي ان هذه القوى المتحدة في الهدف المختلفة في الشعارات، تقترب اكثر فاكثر من الهيمنة على الحكم في معظم الدول، ما يعني المزيد من النزوع الى الانفصال، و التقوقع القومي والعرقي، وبالتالي فان عودة النازيات والفاشستيات والحركات العنصرية الى الواجهة لم تعد بعيدة، ما يدل على مزيد من العنف العرقي والديني في ظل عجز حقيقي عن مواجهة هذه الآفة التي اذا استمرت لا شك ستؤدي الى حروب وصراعات عدة مستقبلا.
لقد كان ملفتا للنظر استطلاع الرأي الذي اجرته “ايبسوس” في الولايات المتحدة، ونشرته صحيفة”ذا ميل” وخلص الى ان اربعة من كل خمسة اميركيين يرون ان بلادهم تنهار، وهي ذاهبة للتفكك، ففي الدولة التي يمكن القول انها استطاعت طوال 250 عاما ان تعالج مشكلاتها بالديمقراطية، وتتخطى الانقسامات الداخلية باتت في نظر نسبة كبيرة من شعبها مهددة، فعندما يقول السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام:” حقا، لم أكن أتوقع هذه الخطوة العملاقة في الانتقال من الحرب الأهلية الباردة نحو الحرب الأهلية بهذه السرعة”.
ويضيف:” إذا خسر الجمهوريون الآن، فلن يكون هناك أي رؤساء جمهوريين في الولايات المتحدة الأميركية في المستقبل، حيث سيؤدي ذلك حتما إلى انتقال الصراع إلى مستوى الولايات وتكتلاتها”، فهو بذلك يشير الى مشكلة كبيرة، فانتقال الصراع الى الولايات، في ظل التصاعد الكبير بالنزعة اليمينة والشعبوية، وفي ظل التنبيه من مغبة “انتفاضات مسلحة في الولايات الخمسين” كما اعلن مكتب التحقيق الفيدرالي، فلا تفسير لهذا الا ان شيطان العنف خرج من القمم في الولايات المتحدة، التي سرعان مت تتحول عدوى في بقية الدول.
* حسن أحمد عبدالله - صحافي لبناني
تعليقات: