خلال توليه منصبه كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، واصل بومبيو نفس لهجة تصريحات السياسة الخارجية لترامب
رد وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف على تصريحات وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الأخيرة المتناقضة حول ايران. وكتب ظريف، في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، “تغيير مفاجئ كبير؛ فيوماً تدعي اميركا بأن ايران هي على أعتاب الانهیار ويوماً آخر تصفنا بأننا “قوة كبرى” تهدد الناتو”. وأضاف “بومبيو ورئيسه يستخدمون أي ادعاء متناقض يناسب الحدث الذي يتحدثون عنه، وفي المقابل فإن ايران داعية سلام وتتصرف بمسؤولية”.
رغم نفي ايران المكرر وجود أي عناصر من هذا التنظيم الارهابي على أراضيها، زعم بومبيو، ان جماعة القاعدة الارهابية أصبح لديها مقر جديد في ايران، وان القاعدة لديها علاقات مع إيران منذ 3 عقود، وأن عضو القاعدة أبو محمد المصري قُتل في آب/أغسطس الماضي في العاصمة الإيرانية طهران، مدعيا ان طهران تسمح لجماعة القاعدة بالتواصل بحرية مع الخارج وسفر اعضائها، كما زعم ايضا ان ايران ساعدت في التخطيط لهجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001.
من جهتها ، قالت وزارة الخارجية الروسية، إن اتهام وزارة الخارجية الأمريكية لإيران بأنها ملاذ لتنظيم "القاعدة" لا يستند إلى أي دليل، وأكدت أنه ليس لدى موسكو معطيات حول صلات إيران بـ"القاعدة".
وأكد مدير القسم الآسيوي الثاني بوزارة الخارجية الروسية، زامير كابولوف، إن التصريحات الأميركية بأن إيران أصبحت "ملاذا" لتنظيم "القاعدة" لا دليل على صحتها، وقال في الوقت نفسه أنه ليس لدى موسكو أي معطيات عن صلات طهران بتنظيم "القاعدة".
بدورها ،اتهمت بكين وزير الخارجية الأميركي بومبيو بتعمد مواصلة "الكذب"، في إطار هجومه المستمر على الصين فيما يتعلق بتفشي فيروس كورونا الجديد.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ إن مايك بومبيو يعمد إلى الاستمرار بالكذب، من خلال هجومه المستمر عليها بخصوص وباء "كوفيد-19".
لا غرابة في الاكاذيب التي أطلقتها بومبيو والتي سينهي بها مشواره الدبلوماسي الذي بلغته بالكذب والخداع والغش والسرقة.. وهو من اعترف في تصريح أدلى به عام 2019، تطرق خلاله الى عمله على رأس وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في العامين 2017 و2018، واقر خلاله حينها بالقول "لقد كذبنا، لقد غششنا، ولقد سرقنا".
خلال توليه منصبه كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، واصل بومبيو نفس لهجة تصريحات السياسة الخارجية لترامب. وقال بومبيو "كي تكون وكالة الاستخبارات المركزية ناجحة، يجب أن تكون هجومية وقاسية وان تعمل بدون رحمة وبلا هوادة". لكنه تحمل أيضا الانتقادات القاسية ضد وكالته من ترامب الذي اتهم تقرير الوكالة حول التدخل الروسي في الانتخابات بالكذب واتهم الوكالة بالانحياز السياسي ضده.
فمنذ انضمامه إلى الحزب الجمهوري اشتهر بومبيو بمواقفه المثيرة من قضايا متعددة، بينها العلاقات مع الأقليات الدينية والعرقية، إذ له مشكلة مع المسلمين ويؤخذ عليه اعتباره زعماء المسلمين في الولايات المتحدة "متواطئين" مع الجماعات المتطرفة.
ففي 2013، وعقب شهرين من هجمات بوسطن (التي وقعت في أبريل/نيسان مخلفة ثلاثة قتلى وأكثر من 260 مصابا) أطلق بومبيو، في جلسة لمجلس النواب الأميركي، تصريحات يجاهر فيها بهجومه على المسلمين.
يعرف، مايك بومبيو بتشدده إزاء إيران وكوريا الشمالية. هو معروف كشخصية محافظة وذاع صيته من خلال عضويته للجنة التحقيق بالهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي في عهد الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما.
يعتبر بومبيو من المعارضين بشدة للاتفاق النووي الإيراني ، وكتب على موقع "تويتر" في أعقاب انتخاب دونالد ترامب للرئاسة: "أتطلع إلى التراجع عن هذا الاتفاق الكارثي مع أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم".
ووعد بومبيو بإلغاء الاتفاق، واقترح في اجتماع طاولة مستديرة عقد في العام 2014 مع الصحفيين أن تقصف الولايات المتحدة المنشآت النووية في إيران، وهو اقتراح وصفه خبراء المخابرات الأميركيون بأنه "سيؤجل فقط تطوير رأس حربي نووي إيراني، لكن لن يوقفه"، كما عارض إغلاق السجن العسكري في خليج غوانتانامو في كوبا. وحول روسيا، قال بومبيو إنه يتفق مع تقييم أجهزة الاستخبارات الأميركية بأن موسكو تدخلت في انتخابات عام 2016، لكنه امتنع عن توضيح ما إذا كان يعتقد أن التدخل أثر على النتائج.
وكذلك كان بومبيو من المعارضين أيضا تنظيم الانبعاثات المتسببة في الاحتباس الحراري للحد من التغير المناخي، بينما شكلت وكالة المخابرات الأميركية مركز مهمات للقضايا الدولية يرصد الاحتباس الحراري بصفته تهديدا للأمن الأميركي.
وبعيدًا عن أي وفاق آيديولوجي، فإن ترامب وبومبيو لديهما شخصية جيدة وعلاقة مهنية، وهذا ما ذكره الرئيس الاميركي بقوله: «أنا وبومبيو على الموجة ذاتها والعلاقة بيننا دائمًا جيدة وهذا ما أنا بحاجة إليه». وبالنظر إلى الانحياز والصداقة لكليهما من الناحيتين الشخصية والسياسية، كان لذلك تأثير ملحوظ على العديد من الملفات خاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي تعد بؤرة ساخنة بالنسبة لترامب، نظرًا إلى عدد من التطورات الناتجة عن سياسته الخارجية، مثل قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل"، ونقل السفارة الأميركية إليها، ودعم بومبيو جهود ترامب نحو مزيد من التقارب مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين، نظرًا إلى سمعته المعروفة بأنه معاد للإسلام ويؤيد جمعيات تناهضه. وعليه، فقد تجنب مصير سابقيه من خلال إظهار الرغبة في اتباع الرئيس في مسائل السياسة الخارجية دون انحراف؛ حيث لم يبتعد أبدا عن خط السياسة الخارجية المتفق عليه لإدارة ترامب. ونتيجة لذلك أعلن كولم كوين، من مجلة «فورين بوليسي»، أن «وزير الخارجية أصبح الشخصية الأكثر ثقة لدى الرئيس الأميركي». كما أن ترامب قال للصحفيين عام 2019: «أنا أتجادل مع الجميع، ما عدا بومبيو».
وعلى الرغم من هذه الاختلافات، يؤيد ترامب وبومبيو التحالف الأميركي السعودي، ولا يتزعزعان في دعمهما لإسرائيل ومعارضتهما لإيران. وذكر الأخير في خطاب له عام 2018 أن إدارة أوباما «كانت تحترم زعماء إيران أكثر من إسرائيل»، كما كان مؤيدا قويا لخطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط التي كانت محسومة عند وصوله، وهو أيضا المسؤول الأميركي الذي أعلن أن واشنطن لم تعد تنظر إلى المستوطنات الإسرائيلية على أرض محتلة تعتبر دوليا فلسطينية على أنها غير شرعية. علاوة على ذلك يعتبر الشخصية الأميركية الرئيسية في الأزمة السياسية المستمرة في فنزويلا، ودعم باستمرار زعيم المعارضة خوان غوايدو منذ انتخابات 2018 المتنازع عليها.
وعلى الرغم من افتقاره إلى التأثير على صياغة السياسة الخارجية؛ فقد وجد فيه الرئيس الأميركي أيضا حليفا سياسيا موثوقا به يمكنه إزالة الضرر الدبلوماسي الذي يخلفه في أعقاب خطاباته الصاخبة وتغريداته الغاضبة ومناوراته العدوانية.
وعموما، على الرغم من أن بومبيو لا يعد صانعا للسياسات بقدر ما هو منفذ لها في نظر الكثيرين، إلا أنه كان يعد واحدا من عوامل الاستقرار في الإدارة الحالية؛ بسبب التفاهم الشخصي بينه وبين ترامب، ما جعله مقربا منه، فضلا عن قدرته على تجاوز أي عاصفة قد تسببها تصريحات الأخير المثيرة للجدل، وهو ما جنب هذه الإدارة المزيد من الانقسام.
كتب لورانس ويلكرسون، كبير الموظفين سابقاً لدى وزير الخارجية الأميركي كولن باول في الفترة من 2002-2005، مقالة بموقع Lobelog، هاجم فيها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، واصفاً إياه بالكاذب، بعد تصريحات للأخير علّق فيها على أسباب الأزمة الإنسانية في اليمن، متهماً إيران وحدها بالتسبب في الأزمة الإنسانية الأفظع بالعالم.
وقال ويلكرسون، وهو أكاديمي في السياسة العامة والحكومات، إن "بومبيو كاذب، وهو التهديد الحقيقي للأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية"، وأضاف: "أعرف شيئاً عن وزراء خارجية الولايات المتحدة الذين يكذبون على الشعب الأميركي والمجتمع الدولي. لقد ساعدت أحدهم على القيام بذلك أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في 5 فبراير/شباط 2003".
لكنَّ جرائمنا بسيطة مقارنةً بالأكاذيب الحالية لوزير الخارجية الحالي مايك بومبيو، لأنَّه، عكس كولن باول وأنا في ذلك الوقت، يعرف أنَّه يكذب. على سبيل المثال، ما قاله بومبيو، في فندق شيراتون بوارسو، في 13 فبراير/شباط 2019، وهو يتحدث مع الإعلامية جودي وودروف من شبكة PBS التلفزيونية الأميركية: إذا كنتِ تريدين معرفة من تسبب في الأزمة الإنسانية باليمن، فأنتِ لا تحتاجين سوى النظر إلى دور جمهورية إيران الإسلامية. جودي، على سبيل المثال، ما عدد الدولارات التي قدمتها إيران للمساعدات الإنسانية في اليمن؟ يمكنني إخبارك بالإجابة. فهل تعرفين أنتِ ذلك؟".
يتابع الكاتب: "إن أي شخص يتابع ولو بفضول، الحرب الوحشية في الشرق الأوسط يعرف دون أدنى شك، مَن الذي تسبب -وما زال يتسبب- في الغالبية العظمى من المعاناة والتجويع وانتشار الكوليرا والوحشية الشديدة بحرب اليمن. الدول التي بدأت وشنت هذه الحرب منذ عام 2015، بشكلٍ فظيع ووحشي، هي السعودية والإمارات العربية المتحدة.
الى ذلك، يرى المسؤول الأميركي السابق أنه "من المؤكد أنَّ بومبيو رجلٌ يخضع لرغبات رئيسه بامتياز، ويجب إلقاء القدر الأكبر من اللوم على رئيسه، دونالد ترامب. لكنَّ عدم كفاءة بومبيو الدراماتيكية، باعتباره الدبلوماسي الأمريكي الأرفع، يتسبب في خراب هذا البلد بكل جلسةٍ يحضرها، وكل لحظة يقضيها في منصبه، وكل حماقة يتفوه بها".
يوم 18 تشرين الاول/ اكتوبر وبعد ساعات من رفع الحظر التسليحي عن ايران وفقا لقرار مجلس الامن رقم 2231، خرج بومبيو على العالم ليعلن أن كافة العقوبات الأممية بحق طهران استؤنفت، اعتبارا من 19 ايلول سبتمبر، بما يشمل حظر التسلح، وان تصدير الأسلحة التقليدية إلى إيران سيعد انتهاكا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1929 فيما سيمثل استيراد أي أسلحة أو مواد مرتبطة بها من الجمهورية الإسلامية خرقا لقرار مجلس الأمن رقم 1747.
بومبيو وهو يتلو بيانه هذا كان يعلم جيدا انه ليس لا يقول الحقيقة فحسب بل يكذب وبشكل صارخ وينتهك ببلطجية فاضحة القانون الدولي، فرفع الحظر التسليحي عن ايران هو قرار اممي صادر عن مجلس الامن، وان القرارين اللذين استشهد بهما وهما 1929 و 1747، اصبحا لاغيين وفقا للاتفاق النووي الموقع بين ايران والدول الست الكبرى وكذلك قرار مجلس الامن رقم 2231 والصادر عام 2015.
المضحك في بيان بومبيو دعوته كافة الدول التي "تتطلع إلى السلام والاستقرار" في الشرق الأوسط وتدعم "محاربة الإرهاب" عدم شراء أو تصدير أي اسلحة من والى إيران، لان مثل الخطوة بحسب زعمه ستؤدي إلى تصعيد التوترات الإقليمية ووقوع المزيد من الأسلحة الخطيرة في أيدي "التنظيمات الإرهابية"، وتزيد من خطر التهديدات لأمن "إسرائيل" ودول سلمية أخرى ، فالمضحك هنا ان بومبيو يقصد من "الاستقرار" هو استقرار "اسرائيل" حصرا.
ان الاستحضار التاريخي يدفعنا الى المقارنة بين شروط كولن باول لسورية عام 2003، وشروط مايك بومبيو لإيران عام 2018، والحقيقة أن ثلاثة ثوابت لم تتغير بعد 15 عاماً، وهي:
أ- وقف دعم حركات المقاومة أي حزب الله والمنظمات الفلسطينية وزاد الآن عليهم المقاومة اليمنية والحشد الشعبي العراقي.
ب- أمن إسرائيل الذي اعتبرته رايس آنذاك مهماً ليس لأمن المنطقة فقط، وإنما أمن العالم.
ج- العراق، واحترام سيادته، حسب بومبيو، وكأن أميركا تحترم سيادة الدول! والأهم هو تصفية قضية فلسطين ما بين خريطة طريق جورج بوش 2003 وصفقة قرن دونالد ترامب 2018، وأضيف لما سبق ملفات أخرى منها:
– أفغانستان ووقف الدعم لمن يحارب الأميركيين!
– ما تسميه أميركا السلوك المهدد لجيران إيران أي السعودية والأمارات والبحرين.
– سحب القوات الإيرانية من سورية.
– البرنامج الصاروخي البالستي الإيراني.
– وطبعاً ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وتفكيكه كما ترغب إسرائيل، وتطالب!
عندما يقول الوزير الاميركي ان حظر التسلح "الدولي" بحق طهران لا يزال ساريا، ومهددا كل من يصدر الأسلحة التقليدية إلى إيران أو يستوردها منها، يعلم جيدا ان الاخرين كانوا شهودا على خيبته وخيبة بلاده في مجلس الامن الدولي ولاكثر من مرة، بعد ان فشل بومبيو شخصيا في إقناع أعضاء مجلس الأمن الدولي بتمديد الحظر على ايران، وجعل بلاده معزولة ومتمردة على القانون الدولي عندما لم تجد اميركا سوى الدومنيكان تقف الى جانبها.
ترى بماذا سيكذب بومبيو بعد خروجه من السلطة عن رئيسه وعن ادارته لملفات الازمات التي سيتركها لخلفه؟ الايام تكشف ذلك.
تعليقات: