حسمت وزارة المال أمرها، وقرّرت عدم الانتظار اكثر لتغيير سعر الصرف الرسمي لليرة، والذي لم يعد واقعياً، وأصدرت إعلاماً رقمه 114، يهدف الى تحسين جباية الضرائب والرسوم، من خلال استيفاء الليرة على سعرها الحقيقي في السوق السوداء. وهذا القرار من شأنه أن يزيد مداخيل الخزينة من الرسوم والضرائب أضعافاً عدة.
مع بدء انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، تحوّل الاقتصاد اللبناني المدولر، الى اقتصاد نقدي تشكّل السيولة النقدية بالعملة الاجنبية الأساس في التعاملات التجارية بين معظم القطاعات الانتاجية. وبما انّ سعر الصرف الرسمي للعملة المحلية مقابل الدولار ما زال عند مستوياته المعهودة، وبما انّ الرسوم والضرائب التي تستوفيها الدولة ما زالت تُحتسب وفقاً لسعر الصرف الرسمي، عمد التجار الى الإبقاء على اصدار فواتيرهم بالدولار واستيفاء ما يعادلها وفقاً لسعر الصرف في السوق السوداء، في حين يتمّ احتساب قيمة الضريبة على القيمة المضافة على تلك الفواتير بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي.
ومع تراجع ايرادات الدولة الضريبية في الاشهر الثمانية الاولى من العام 2020 (آخر الإحصاءات الصادرة عن وزارة المالية) بنسبة 25 في المئة، منها ايرادات الضربية على القيمة المضافة (-50%) وايرادات الجمارك (-35%) بالإضافة الى الايرادات غير الضريبية بنسبة 36 في المئة، مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2019، لم يعد يحتمل الوضع المالي للدولة في ظلّ تراجع ايراداتها المالية وعدم امكانية خفض نفقاتها، الانتظار الى حين تعديل سعر الصرف الرسمي، لزيادة قيمة ايراداتها المتأتية من الرسوم والضرائب او حتى ايرادات الاتصالات. فكانت أولى الخطوات، اصدار وزارة المالية الاسبوع الماضي، إعلاماً حمل الرقم 114، يتعلق بإصدار الفواتير والمستندات المماثلة لها، واستيفاء الضرائب والرسوم بالليرة اللبنانية. لافتة الى انّ المادة 25 من قانون حماية المستهلك تحظّر على أصحاب المهن التجارية والصناعية وغير التجارية وأصحاب المهن الحرة، إصدار فواتير إلى المستهلكين بغير الليرة اللبنانية، في حين تبيّن انّ العديد من المكلّفين بالضرائب والرسوم، يقومون في سياق ممارسة نشاطهم، بإصدار فواتير او مستندات مماثلة لها للمستهلكين محدّدة قيمتها بغير الليرة اللبنانية، وانّ البعض منهم يستوفي ايضاً الضرائب والرسوم بغير الليرة اللبنانية.
ونبّهت وزارة المالية هؤلاء المكلّفين، الى ضرورة التقيّد بأحكام المادة المذكورة وبكل النصوص الضريبية والقانونية، وبالتالي وجوب الإلتزام بإصدار فواتيرهم بالليرة اللبنانية، بما فيها الضريبة على القيمة المضافة وتسليم المستهلكين هذه الفواتير. وأكّدت أنّها سوف تعمل على ملاحقة المخالفين جزائياً أمام المحاكم المختصة، إضافة إلى فرض الرسوم والغرامات المتوجبة.
وفي حال التزام اصحاب المهن التجارية والصناعية وغير التجارية في تطبيق اعلام وزارة المالية، من المتوقع ان تشهد ايرادات الدولة ارتفاعاً ملحوظاً يوازي حوالى 6 أضعاف ايراداتها السابقة الناتجة من الضرائب والرسوم، والتي سيتمّ تسعيرها وفقاً لسعر صرف عند حوالى 9000 ليرة مقابل الدولار بدلاً من 1500 ليرة. واذا كانت ايرادات الدولة الضريبية قد بلغت لغاية آب 2020 حوالى 4 مليارات دولار وفقاً لسعر الصرف الرسمي، فإنّها من المرجح ان ترتفع الى 24 مليار دولار وفقاً لسعر الصرف الرسمي.
في هذا الاطار، اوضح رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلّفين كريم ضاهر، انّ اعلام وزارة المالية جاء ليكمّل القرار الرقم 8931 الصادر عن وزير المالية في 31 كانون الاول 2020، والمتعلق بتحديد اصول تسجيل العمليات التجارية وعناصر الاصول والخصوم، التي تتأثر قيمتها بتقلبات اسعار العملات الاجنبية في السجلات المحاسبية. مشيراً لـ»الجمهورية»، الى انّ وزارة المالية اعترفت في قرارها هذا للمرة الاولى، بتدني سعر صرف العملة المحلية، حيث سمحت للتجار بتسجيل الفروقات في سعر الصرف الناتج من تدهور سعر صرف الليرة في قيودهم وسجلاتهم المحاسبية، من اجل عدم تكبيدهم اعباء التباين الحاصل في سعر الصرف، لكن من دون تحديد سعر الصرف المتوجب اعتماده، رغم تعدّد اسعار الصرف في السوق.
وشرح ضاهر، انّ التجار والموردين منذ تدهور سعر صرف الليرة، بدأوا يُصدرون فواتيرهم بالدولار، من دون ذكر ما يوازي قيمتها بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي، من أجل حماية مصالحهم، من امكانية وقانونية تسديد المستهلكين للفواتير بالليرة اللبنانية في حال تمّ ذكر القيمة بالليرة.
وفيما لفت الى انّ إعلام وزارة المالية حول اصدار الفواتير بالليرة ليس قراراً جديداً أو قانوناً بل هو إعلام للتذكير، اعتبر انّ عدم تحديد تاريخ معيّن للبدء باعتماد الآلية الجديدة للتسعير، قد يعرّض المكلّفين للتدقيق بحساباتهم السابقة، لأنّ الوزراة لم تحدّد اذا ما كان هناك مفعول رجعي للقرار ام لا، مما يعطيها حق التدقيق في الحسابات قبل 31 كانون الاول 2020، ومحاكمة المكلّفين الذين قاموا باستيفاء الضريبة على القيمة المضافة بالدولار على سعر صرف السوق السوداء، وهو ما يُعتبر بمثابة اساءة امانة تجاه الدولة وتهرّب ضريبي، ما يجيز تطبيق احكام قانون المرسوم الاشتراعي 15683.
اضاف: «لهذا السبب، نبّهت وزارة المالية في اعلامها الاخير من ملاحقة المكلّفين جزائياً، وليس فقط فرض الغرامات وفقاً لما ينصّ عليه قانون حماية المستهلك».
في الموازاة، أكّد ضاهر انّ التجار والموردين سيعانون من صعوبات في اصدار الفواتير بالليرة اللبنانية، من ناحية تدارك اي تدهور اضافي في سعر صرف العملة المحلية، بين فترة اصدار الفواتير وفترة استيفاء قيمة الفواتير. كما انّ هذا القرار سيؤدي الى ارتفاع حجم الكتلة النقدية في السوق، حيث سيضطر التجار الى اشتراط الدفع نقداً، نتيجة تعذّر سحب الاموال من المصارف، في حال تمّ استيفاء قيمة الفواتير عبر الشيكات المصرفية او التحويلات المالية المصرفية.
اما بالنسبة لارتفاع حجم ايرادات الدولة الضريبية نتيجة اصدار الفواتير بالليرة اللبنانية، قال ضاهر: «لا شك انّ مداخيل الدولة سترتفع، إلّا انّ ذلك سيحفّز التجار في المقابل على التلاعب في الفواتير وسيخلق اقتصاداً خفياً، وهي المشكلة الاكبر والاخطر».
* رنى سعرتي - اجازة في الاعمال الدولية والديبلوماسية واعلامية ومذيعة في مجال الصحافة الاقتصادية في الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب
تعليقات: