إطلاق النار ابتهاجاً بالسياسيين للنكاية وعرض العضلات

مسلّح يطلق النار في الشياح
مسلّح يطلق النار في الشياح


عندما يُطلق مسلّح النار في الهواء، لا تتلاشى الطلقة غير المتفجرة. فهي تعود لتسقط على الأرض. أما القذيفة الصاروخية، فتتناثر شظايا قاتلة. قاعدة بسيطة لا يبدو أنها تخطر ببال المبتهجين بإطلالات زعمائهم، الذين أوقع الفرح بهم قتيلاً و24 جريحاً منذ يوم الأحد الماضي. فهل من يتحرّك جدياً لمكافحة هذه العادة القاتلة؟

لم يُنظِّف بعض الشبان في الشياح بنادقهم بعد استخدامها «ابتهاجاً» بالخطاب الأخير الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في ذكرى تحرير الجنوب (يوم 26 أيار). كان عدد منهم مجتمعين أمس في مقهى قريب من مخفر الغبيري. يقول أحدهم: نحن لم نكن نطلق النار، لكنهم (يقصد مناصري تيار المستقبل في الطريق الجديدة) استفزونا أكثر من مرة. يقاطعه أحد الموجودين قائلاً: استأجروا شباناً من خارج الطريق الجديدة لإطلاق النار باتجاه الضاحية كلما تحدث سعد الحريري أو فؤاد السنيورة. يضيف «بلال»: خلال تشييع الشهيد عماد مغنية، كان نعشه لا يزال في مجمع سيد الشهداء عندما اعتلى سعد الحريري المنبر في ساحة الشهداء، فبدأ أنصاره يطلقون النار من منطقة الطريق الجديدة باتجاه الشياح. يتابع: هذا الأمر أدى إلى ردة فعل في المنطقة، ما دفع أحد مناصري حركة أمل لإطلاق قذيفة «أر بي جي» من الشارع، في وضح النهار، باتجاه منطقة الطريق الجديدة عندما أطل السيد حسن نصر الله بعد نحو أسبوع. يتدخل آخر شارحاً: الناس هنا في الشياح قسمان. الأول تدفعه غريزته لإطلاق النار. تراهم يشترون الرصاص بسعر مرتفع (بين ألف ليرة و1500 للرصاصة الواحدة) لإطلاقه كلما سنحت لهم فرصة. هم يطلقون النار نكاية بالطرف الآخر. وهؤلاء لا يلتزمون بأي قرار بغض النظر عمن أصدره.

القسم الثاني يلتزم بالقرار السياسي ويسعى دوماً لإقناع الطرف الأول بعدم إطلاق النار، وأحياناً يُسهم بمنع بعض الأشخاص من إطلاق النار. ويعطي مثلاً: في المرة الأخيرة التي ظهر فيها الرئيس نبيه بري على الهواء لم تُطلَق أي رصاصة من منطقة المصبغة، لأن شبان حركة أمل انتشروا في الشارع ودعوا الجميع إلى التزام توجيهات السيد حسن.

يبدأ أحد الموجودين بالكلام، فيصمت الجميع: إطلاق النار عادة سيئة، والرصاص ينهمر على رؤوس الأطفال والنساء. وعلى القوى الأمنية أن تتدخل بقوة لقمع هذه الظاهرة. نحن رفعنا الغطاء عن أي مطلق نار. فلتأتِ القوى الأمنية، ونحن مستعدون لمساعدتها. يرى «الحاج» أن القوى الأمنية مقصّرة، فالأمر لا يحتاج إلى أكثر من دوريات في المناطق التي اعتاد بعض سكانها إطلاق النار ابتهاجاً بإطلالات زعمائهم. أما عن رأيه في عدم تحرّك القوى الأمنية لقمع مطلقي النار، فيقول: هل عندهم سجون لكل اللبنانيين؟ إطلاق النار في كل المناطق. عند تشييع الرائد الشهيد وسام عيد كانوا يطلقون النار بوجود رجال الأمن، لكن لا أحد تحرك، وهذا الأمر سيمنعهم من توقيف مطلقي النار المؤيدين للمعارضة. إما الجميع أو لا أحد.

■ نكاية بالطرف الآخر

في البقاع الأوسط (عفيف دياب)، شبان حملوا بنادقهم الحربية فور إعلان نتائج الاستشارات النيابية و«فوز» الرئيس فؤاد السنيورة بتكليفه تأليف «حكومة الوحدة الوطنية»، وأطلقوا في الهواء الطلق كل ما يملكون من رصاص ابتهاجاً. «أطلقنا الرصاص وقذائف «آر بي جي» نكاية بحزب الله وجماعة المعارضة». يتحدث الشبان السبعة الموالون لتيار المستقبل عن أسباب إطلاقهم الرصاص في الهواء الطلق. ويقول أحدهم إنه أطلق اكثر من 45 طلقة من بندقية كلاشنيكوف: «حين كان يتحدث حسن نصر الله وسمعت إطلاق الرصاص، شعرت بأنه موجه إليّ مباشرة. وجاء تكليف السنيورة فرددت على هذا الاستفزاز نكاية بهم وبحزب الله»، فيما يجد رفيقه إقدامه على إطلاق الرصاص «تحدياً وإثبات وجود وأننا أيضاً نملك السلاح ولا أحد يستطيع فرض إرادته علينا».

إجماع الشبان على نظرية «النكاية» بالطرف الآخر خلال إطلاقهم الرصاص و«رد فعل على فعل» يشذ عنه أحد الشبان يفتخر بكونه أول من أطلق الرصاص في قريته البقاعية الصغيرة الواقعة عند الأطراف الشرقية لسهل البقاع الغربي، لحسابات تتعلق بعمله مخبراً لدى جهاز أمني رسمي. يقول المخبر: «أنا أول من أطلق الرصاص في الضيعة. ليس ابتهاجاً بعودة السنيورة، بل لاستدراج آخرين لإطلاق الرصاص، وقد نجحت خطتي وأصبحت أعرف كل من يملك بندقية في الضيعة».

■ الأمن بانتظار السياسة

الرصاص الذي يُطلَق في الهواء لا بد أن يسقط على الأرض، من دون أي تغيير يُذكَر في شكله وحجمه. أما قذائف «أر بي جي»، فتنفجر في معظم الأحيان بعد عدد قليل من الثواني، ثم تتساقط شظاياها، وأحياناً قطع كبيرة منها، بطريقة عشوائية.

إطلاق النار ابتهاجاً بالأمين العام لحزب الله أوقع 13 جريحاً، توفي أحدهم (عمره 19 عاماً) بعد يومين. أما إطلالة الرئيس فؤاد السنيورة بعد تكليفه ترؤس حكومة «الوحدة الوطنية»، فقد أدى إطلاق رصاص الابتهاج به إلى جرح 7 مواطنين. ورغم هذه الخسائر البشرية الفادحة التي بات على المواطنين دفعها ثمناً لـ«النكاية» و«عرض العضلات»، لم تُسجّل أي توقيفات في صفوف المشتبه فيهم بإطلاق النار، باستثناء 10 أشخاص أوقفهم الجيش يوم انتخاب رئيس الجمهورية بعد إصابة 5 مواطنين بجروح في عمشيت وجوارها.

أحد المراجع الأمنية الرفيعة تحدّث لـ«الأخبار» عن «هيبة» القوى الأمنية التي «اهتزت صورتها منذ أحداث مار مخايل ــ وخوف بعض الضباط من أن يكون مصيره كمصير زملائه المدعى عليهم في هذه القضية، والتي تعرّضت لانتكاسة ثانية خلال أحداث الأسبوع الثاني من أيار». وقال المرجع إن هذا الأمر، مضافاً إليه العدد الهائل من مطلقي النار، فضلاً عن عدم ظهور جدية في رفع الغطاء السياسي عن مطلقي النار، كل هذه الأسباب، تؤدي إلى عدم تدخل القوى الأمنية لقمع هذه الظاهرة بشكل مباشر.

مرجع أمني آخر قال لـ«الأخبار» إن القوى الأمنية تنظم كتب معلومات بحق كل من تعرف أنه أطلق النار. وتحال هذه الكتب في العادة على النيابة العامة العسكرية لملاحقة مطلقي النار. أما في الحالات التي حصلت بعد انتهاء معارك الشهر الجاري، فالأمر بحاجة لاتصالات سياسية قضائية ــ أمنية، وخاصة مع وجود حساسية لدهم منازل المشتبه فيهم في بعض المناطق كالشياح وبربور والبسطة والطريق الجديدة وأحياء معينة من طرابلس وبعض قرى البقاع الأوسط. ورداً على سؤال قال المرجع إن ما أعلنه حزب الله وحركة أمل من رفع للغطاء عن مخالفي القانون «لم يُجرّب عملياً بعد»، مشيراً إلى عدم إمكان حصول توقيفات في منطقة دون أخرى.

مصدر أمني آخر، أكّد أن من تُبَلَّغ الأجهزة الأمنية بإطلاقه النار سيلاحَق عاجلاً أو آجلاً أمام القضاء العسكري.

تعليقات: