لا إقفال في ساحة شتورا للمهمشين والمتسولين والصرّافين

أفقر الفقراء يحومون حول محلات الصرافة
أفقر الفقراء يحومون حول محلات الصرافة


أتى وقع تمديد فترة الإقفال "الصحي" أسبوعين إضافيين ثقيلاً على القلوب. شخصياً، شعرت بثقله في نظرات شقيقي القلقة على راتبه الشهري، وهو مهندس كومبيوتر يعمل في أحدى المؤسسات، وخسر أكثر من ثمن قيمة راتبه منذ الحجر الأول في البلاد، خلال شهر آذار 2020. ولكن أخي لا يزال متمسكاً بالوظيفة والراتب في انتظار الفرج.


تعالي المسؤولين

وتذكرت فوراً كلمات أحد المسؤولين، عندما كان ينتقد بلهجة متعالية في برنامج تلفزيوني، عدم امتثال اللبنانيين لقرارات الإغلاق قبل أسابيع. لقد حاول تبسيط وقعه على رافضي الإقفال، ولكن من منظار أصحاب رؤوس الأموال الذين يحسنون حسابات الربح والخسارة. وكانت الحجة التي استخدمها "المسؤول" أن أصحاب المؤسسات يخسرون مداخيلهم اليومية خلال فترة الإقفال، ولكن نفقاتهم أيضاً تنخفض، ومنها توقفهم عن دفع أجور الموظفين.

والسلطات اللبنانية بدورها لا تقيم حساباً لأصحاب المداخيل المحدودة والدنيا، أو تلك التي بلغت مستوياتها المتدنية.

وهي قررت صباح أمس الخميس تمديد فترة الإغلاق أسبوعين إضافيين. ولما لا؟! صحيح أن إنتاجية الدولة ستتراجع إلى الحدود القصوى بمثل هذا القرار. ولكن ذلك لن يرتب عليها أي نفقات إضافية. أقله التعويضات التي تكبدتها "الدول المتحضرة" التي يدعو المعنيون لاتباع تجاربها في الإقفال الكلي لمحاربة فيروس كورونا مثالاً يحتذى.

ولكن على المسؤولين اللبنانيين ألا يثقوا هذه المرة بقدرتهم على ضبط جوع الناس، وإخفائه طويلاً خلف أبواب المنازل.


بسطات الفقراء

فذريعة القلق على صحة الناس لن تعود مجدية بعد أسبوع من البطالة الشاملة لصاحب بسطة تبيع الفاكهة والخضر على طريق عام تعلبايا. وهو وجد نفسه خارج معادلة تأمين القوت اليومي، عندما حصر المسؤولون تأمين طلبات الناس بخدمة الديليفيري للمأكولات وحدها خلال فترة الحجر. وهكذا أسعفوا صاحب الرأسمال والمستثمر في السوبرماركت، وأسقطوا من حسابهم بسطة الفقير، ودكان الحي الذي بالكاد يؤمن قوت عائلة متوسطة.

تمرد صاحب هذه البسطة على قرار الإغلاق، عندما لم يعد الطقس متواطئاً مع السلطة التي تلزمه البقاء في منزله. وهو مهّد الطريق لزملائه ليخرجوا مثله صباح اليوم الخميس 21 كانون الثاني إلى الشارع "ليسترزقوا". وكانت الشمس بأشعتها الساطعة حليفته هذه المرة، وإن سلطت الضوء على مخالفات مشابهة قام بها أبناء الطبقة المهمشة:

هنا استراحت بسطة خضر، مستقطبة من تكويهم أسعار السوبرماركت والدكاكين المتحكمة بأسعار السلع. وهناك شع النور مجدداً داخل كشك لبيع القهوة، وعلى المنتظرين أمامه من المستثنين بقرار حظر التجول، ومعظمهم من عناصر قوى الأمن والجيش، الذين بالكاد أصبحت رواتبهم تسمح بالبذخ على فنجان قهوة وسيجارة.

وبين مخالفة وأخرى يستوقفك عبور"حافلة فان" يتحايل سائقها على إمكان ضبطه بـ"جرم" نقل الركاب، ويستريح عندما يكتشف أن طرق البقاع كلها خلت في اليوم السابع للأقفال من حواجز قوى الأمن.

وفي محطة بنزين على طريق عام سعدنايل تجد زحمة أشخاص مع غالوناتهم. إنهم يحاولون سد حاجتهم للمازوت ببضعة ليترات، مع أنهم يدركون أنها لا تكفي لتدفئة بضع ساعات من أوقات حجرهم المنزلي الطويل. على بعد أمتار من المحطة، بسط أحدهم قساطل الصوبيا وعدة التدفئة، عله يبيع ولو بعضها، فيعود إلى عائلته بقليل من ليرات تؤمن صمودهم لفترة الحجر المتبقية.


صرافون ومتسولون

نتقدم على الطريق العام في اتجاه شتورا، فنجد أن قرار الحظر أقرب إلى حال الخرق الكلي. لم تفقد ساحة شتورا أساساً سوى جزء من حيويتها منذ بدء تطبيق قرار الإقفال. فحركتها الأساسية المرتبطة بالصيرفة والصرافين استثنيت من الإقفال، واقتصر تطبيق حظر التجول في أيامه الأولى على أفقر الفقراء الذين يحومون حول محلات الصرافة.

وبعد أسبوع من تطبيق القرار حاول هؤلاء العودة التدريجية إلى الشارع: ماسح الأحذية، إلى جامع علب المشروبات الخالية، إلى بائع العلكة والبسكويت، إلى الأعداد الكبيرة من المتسولين، كباراً وصغاراً. وكأن نزولهم يشي بحركة خفية لرؤوس الأموال المتحركة في هذه الساحة بالذات، حيث تجري عمليات تبادل يومية بملايين الليرات من العملات خارج المؤسسات المصرفية التي تستولي على أموال المودعين. وهكذا يزداد اللبنانيون فقراً وعملتهم تدهوراً، فيما السلطة ماضية بمحاولتها الفاشلة لإقناعنا بأنها فعلا "ضنينة" على مواطنيها وصحتهم.

جامعو الخردة
جامعو الخردة


التزود بالقليل من المازوت
التزود بالقليل من المازوت


تعليقات: