أين هي مليارات الدولارات الموعودة من الحشيشة في لبنان؟


فيما التركيز حاليا على وقف استنزاف ما تبقّى من احتياط مصرف لبنان من العملة الصعبة لمسائل الدعم الذي أهدِرت المليارات في السنة الفائتة عليه من دون أن يحقق المرجو منه بسبب التهريب المتمادي وجشع التجار، وفي وقت يبحث لبنان عند الدول الصديقة والمنظمات الدولية بـ”السراج والفتيلة” عن منفذ لاستجلاب العملة الخضراء لوقف الانهيار، يقبع في أدراج الحكومة قانون الترخيص لزراعة نبتة القنّب الهندي للاستخدام الطبي والصناعي الذي هللت له الدولة بكاملها بعد إقراره في نيسان 2020 على اساس أنه سيساهم في انتشال الاقتصاد من الحفرة التي يقبع فيها. فاللبنانيون، وتحديدا اهل البقاع وعكار،

يتساءلون عن اسباب التأخير في اصدار المراسيم التنفيذية والرخص القانونية لإنشاء مناطق لزراعة القنّب الهندي لأغراض طبية من ضمن إطار قانوني تنظيمي شامل، وفق ما اقترحت شركة “ماكينزي” للاستشارات. هذا القانون الذي قيل وفق دراسات الجدوى الاقتصادية انه سيساهم في رفع فاتورة الصادرات بنحو مليار دولار سنويا، خصوصا ان “نوع” القنّب الذي يُزرع في لبنان هو أحد أجود أنواع القنب في العالم.

ومع أسف المقارنة ولسخرية واقع تخلّف الدولة، بدأت اسرائيل بتصدير انتاجها وتسويقه في المختبرات العالمية كما إعادة تصنيعه داخليا، بعدما وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي في 2019 على قانون يتيح تصدير القنب الهندي للأغراض الطبية، وتصنيعه محليا لتعزيز الاقتصاد الاسرائيلي. فأين أصبح تطبيق هذا القانون في لبنان؟ والى متى سيقبع في أدراج الحكومة… هل الى ما شاء الله؟

القنب الذي تم تشريع زراعته يشمل كل منتج من هذه النبتة، بما في ذلك الالياف للاستعمال الصناعي والزيوت والمستخلصات والمركّبات المستخدمة للأغراض الطبية والصيدلانية والصناعية. ووفق استاذ الكيمياء الدوائية في الجامعة اللبنانية الاميركية الدكتور محمد مروة، فإن القنب الذي يزرع حاليا في لبنان يحتوي على مواد ومعدلات عالية من مادة الـ THC المخدرة، ونسبة أقل بكثير من مادة الـ CBD التي لها فوائد طبية، وتاليا فإن النوعية الموجودة في لبنان غير صالحة للاستخدامات الطبية والصناعية. لذا أجاز القانون منح التراخيص والاجازات اللازمة لاستيراد بذور نبتة القنب او تأصيلها محليا او استيلاد الشتول وزرعها وحصاد المحصول وتحويله الى مواد اولية ومعالجتها وتخزينها وتصنيعها وبيعها، وتصدير المواد الاولية او المستحضرات الطبية والصيدلانية ووضع الشروط التقنية والفنية والمعايير الامنية ومواكبتها تطويراً بصورة مستمرة.

ويشرح مروة لـ”النهار” ان “القنب يجب أن يحتوي على أقل من واحد في المئة من مادة الـ THC ـومعدل أكثر من الـ CBD، وبما أن معظم نبتات القنب في لبنان تحتوي على نسبة كبيرة من الـTHC، لذا نحتاج إلى نبات من القنب يحتوي على معدل أقل من هذه المادة لتخفيف تأثيره على الجهاز العصبي للإنسان”.

حتى اللحظة معظم معامل الأدوية في لبنان غير جاهزة للإستثمار في منتجات القنب الصيدلانية. إلا ان مروة يؤكد ان “بعض الشركات تعمل وتجهز نفسها للدخول في هذا المجال، إذ ربما نشهد إنشاء معامل جديدة لهذه الصناعات، أو ان معامل قائمة ستعمل على استحداث منشآت خاصة لهذه المنتجات الصيدلانية”.

علامات استفهام؟

كعادتهم، هلل أهل الحكم لهذا الانجاز “الاعرج”، شأنه في ذلك شأن قانون “الإثراء غير المشروع”، ومكافحة الفساد وغيرها من القوانين التي اقرت من دون ان تُستتبع بخطوات أساسية تضعها موضع التنفيذ، فبقيت حبرا على ورق. فما الذي يعوق وضعها موضع التنفيذ؟

نص القانون على انشاء “الهيئة الناظمة لزراعة نبتة القنب للاستخدام الطبي والصناعي”، على ان تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلالين المالي والاداري. لكن السلطة التنفيذية المولجة متابعة الاجراءات التطبيقية لم تحرك ساكنا. ووفق النائب ياسين جابر فقد “وُضع القانون في الادراج الى جانب غيره من القوانين، فالسلطة التنفيذية لم تبادر حتى الآن الى إنشاء الهيئة التنظيمية واستكمال القانون بمراسيم تطبيقية، شأنه شأن قانون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الذي نص على تعيين الهيئة الادارية خلال 3 أشهر من صدوره. ولكن حتى الآن مر عام تقريبا، ولم ترَ هذه الهيئة النور، علما أنه كان يفترض بالأمين العام لمجلس الوزراء وفور صدور القانون أن يبلغ الجهة المختصة، مع الاشارة الى ان اقتراح التعيينات منوط برئاسة الحكومة”.

في المقابل، يطرح النائب انطوان حبشي علامات استفهام كبيرة حول التأخير في تنفيذ المراسيم التنفيذية، ويقول: “اجتمعتُ قبل فترة مع رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب وكان الهدف السؤال عن المراسيم التطبيقية، خصوصا أنه في ظل الوضع الاقتصادي الذي نمر به يمكن ان يشكل هذا المشروع ضوءا في النفق، وعاملا لاستقطاب الاموال والاستثمارات للبلاد، بدليل انه لاحظنا اهتمام عدد كبير من الشركات للاستثمار في لبنان، فيما السلطة الحاكمة تتلهى بأمور كثيرة لا تسمن ولا تغني من جوع”.

حبشي وجابر يؤكدان أنه منذ لحظة طرح هذا القانون، حاول الكثير من الشركات العالمية التواصل مع المعنيين في لبنان مبدية استعدادها للاستثمار في هذا المجال… و”حتى اليوم لا يزال الاهتمام قائما بالمشروع وخصوصا من الصينيين”، وفق جابر.

وبرأي النائبين ان الشركات مهتمة بالاستثمار في لبنان لأن كلفة الانتاج فيه أقل بكثير من كلفتها في الدول المتقدمة. وتاليا فإن مصلحة الشركات المستثمرة أن تصنع المنتجات في بلد كلفة الانتاج فيه أقل، كونه يعطيها حظوظا عالية للمنافسة، خصوصا ان نوعية الانتاج في لبنان هي من الافضل في العالم. وهذا الامر يشكل فرصة لجذب الاستثمارات والـ Fresh Money.

دونمات حشيشة على مدّ النظر!

لا تزال زراعة الحشيشة وتجارتها بشكل غير شرعي في منطقة بعلبك – الهرمل على حالها… واكثر فإن المساحات المزروعة في ازدياد، إذ بعدما وصلت الى 20 ألف دونم العام الماضي ارتفعت الى 28 ألف دونم خلال الموسم الحالي، وفقا للمسح الذي رفعته مديرية مكافحة المخدرات إلى السلطات القضائية. وهو ما يؤكده حبشي الذي يقول: “بما ان السلطات المعنية لا تتلف المحصول، فإننا نلاحظ مساحات شاسعة من الدونمات المزروعة، علما ان في لبنان قانونا واضحا يحظر زراعة القنب، خصوصا ان زراعته حاليا تستخدم لحشيشة الكيف، وتاليا فإن الذي يقوم بزراعتها هو خارج القانون”. وفي الوقت عينه، يفصل حبشي بين تشريع الزراعة للاستخدامات الطبية والصناعية وقانون العفو الذي يتحدث عن مرحلة سابقة تخطى فيها هؤلاء القانون، مضيفا انه “حتى مع صدور المراسيم التشريعية لزراعة القنب، فإذا تمت زراعته خارج الاطر الطبية والصناعية، سيكون حتما خارج القانون. والعقوبة ستكون مشددة خصوصا ان المزارع اصبح في امكانه زراعة القنب بصورة شرعية للاستخدامات الطبية والصناعية”.

جاء تشريع الحشيشة كجزء من توصيات شركة “ماكينزي” الأميركية، التي اقترحت للنهوض من الكبوة الاقتصادية، “قوننة” زراعة الحشيشة لأغراض طبية، فيما قدرت الشركة الأرباح التي يمكن أن تجنيها الخزينة من هذه الزراعة بنحو مليار دولار سنوياً. إلا أن حبشي يعتبر أنه “لا يمكن تحديد الايرادات إلا انطلاقا من حركة السوق وقيمة الاموال المستثمرة في هذا القطاع. مع الاشارة الى أن بعض الدراسات تقدر قيمة السوق الحالية لهذا المنتج في لبنان بنحو 800 مليون دولار، وتاليا فإن تشريع هذه الزراعة سيسمح بدخول ايرادات الى الدولة، وهو ما لا يحصل حاليا لأن الاتجار غير الشرعي لا تفيد منه الدولة”.

والقنب انواع، أما النوعية التي تزرع في لبنان فتستخدم لحشيشة الكيف، فيما شرَّع مجلس النواب زراعة انواع اخرى منه للاستخدامات الطبية والصناعية (hemp) الذي يستخرج منها “فايبر” بنوعية جيدة، ومنسوجات، كما يستخدم لصناعة حجارة البناء، وصناعة الحبال للبواخر، كما صناعة السيارات والطائرات، وفق ما يشرح جابر الذي يأسف لأن “اسرائيل سبقتنا في هذه الزراعة وبدأت بالتصدير وتباع منتجاتها في السوبرماركت”.

كل المعطيات الواردة اعلاه، تؤكد ان المشروع لا يعدو كونه “فقاعة نيابية”، وان كان جابر حبشي لا يوافقان على هذا القول “لأن المجلس اقر القانون، ولكن للاسف السلطة التنفيذية لم تبادر الى ملاقاة المجلس بإعداد المراسيم التطبيقية ولا انشاء الهيئة الناظمة، ولا اتخذت التدابير اللازمة للإنتقال السلس من عملية زراعة الحشيشة كمادة ممنوعة إلى مادة مقوننة تستخدم لأغراض طبية وصناعية، ولا حتى باشرت تجهيز البنى التحتية التي تتيح لها تسلّم الإنتاج لتحويله الى مواد صناعية”.

تعليقات: