نعيم فاعور.. وأخيراً ترجل الفارس!

المأسوف عليه أبو شادي نعيم سعيد فاعور (1948 - 2021)
المأسوف عليه أبو شادي نعيم سعيد فاعور (1948 - 2021)


طوى الردى في الأسبوع المنصرم فارس من شيم النوادر سواء في عالم الاغتراب اللبناني او في أرض وطنه الذي أعطاه الكثير وبخل عليه وطنه بالقليل، الى أن غادرنا بعد أن تمكن منه المرض الخبيث.

المرحوم أبو شادي كان نبراساً ساطعاً لقول الشاعر (ورضيت أن يكون نصيبي كنصيب الطير)، حيث انه عمل في وطنه، كما عمل في بلاد الغربة، فلم يطمع دوما كعادته للمردود المادي بقدر تطلعه للإنتاج وأن يكون عنصر مفيد في البيئة الموجود بها، وكم من مرة تنازل طواعية عن حقه للأخرين.

في مقتبل العمر، تطوع كثيرا بشتى مجالات العمل الخيري الخاصة بالمجتمع المدني وفي شتى الحقول، بدءً من اقصى الشمال في طرابلس الى قصارى الحدود في جنوب القهر والحرمان في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن المنصرم، وبعدها التحق بالعمل مُدرساً لمادة الجغرافيا في قرى الجنوب، فحمل علوم تلك المادة طوال العمر، ولطالما استشهد أثناء حديثه مع الأصحاب باقتصاد هذه الدولة وتضاريس ذاك البلد، أو بمناخ تلك المنطقة، وقد فاجأني مرة عندما كنت عائدا بإحدى العطل الصيفية أثناء دراستي بأميركا، عندما سألني في أي ولاية أدرس؟ فأجبته: (أوكلاهوما)، سرعان ما أسهب بالحديث، وذكر لي أنها الولاية التي تعتبر الوطني القومي للهنود الحمر، وتضاريسها عبارة عن سهول فسيحة مترامية الأطراف، ومناخها مشهور بأعاصير (التورونادو)، واقتصادها قائم على النفط بالدرجة الأولى. ثم أردف قائلاً لي حينها: "لا تتعجب ولا تنذهل، فقد كنت مُدرسا لمادة الجغرافيا وأعشق هذه المادة منذ الصغر ".

بعد أن أنشبت نار الحرب الأهلية أظافرها في براثن الوطن الجريح، يمم المرحوم أبو شادي في مطلع عام (1976) وجهه شطر الغربة، وصادف أن كنا في نفس البلد التي سبقناه اليه، فنشأت بينه وبين المرحوم والدي عرى صداقة لا مثيل لها، فقد كان المرحوم أبو شادي الأخ الصدوق في القول والعمل للمرحوم والدي، وما زلت أذكر أول مرة زرناه في بيته هناك، فشد انتباهي سلاسة حديثه وتدفق المعلومات الخصبة في كلامه، وقوة حجته، وفوزه بإقناع محاوره، وخاصة أن الأحداث في الوطن الجريح كانت تثريّ كل حديث بين أي لبنانيان يلتقيان. واستمرت الزيارات وتواصلت اللقاءات وتكررت السهرات وتوالت الطلعات للحدائق في نهاية الأسبوع، حيث عُرف عن المجتمع الخيامي بأنه ينصهر في الغربة في بوتقة واحدة يحسده عليها آهالي مختلف القرى والبلدات الجنوبية في بلاد الاغتراب. وطبعاً كان المرحوم أبو شادي وعائلته قطبي الرحى في تلك الواجبات الاجتماعية والنشاطات الترفيهية، كما عُرف عنه سرعة مؤازرته لإخوانه من أهل بلده في النوائب والشدائد التي كانت تعترض طريقهم في غربتهم تلك.

وعندما حلّ فجر السلام في الوطن لبنان بعد اتفاقية الطائف، كان المرحوم أبو شادي من أوائل الذين استبشروا خيرا بالأمل الذي لاح بالأفق، فعاد مسرعاً الى وطنه تاركاً وراءه تعب سنين الغربة وصداقات كونها من مختلف ألوان طيف أُناس الاغتراب، الذين بقي على تواصل معهم بعد عودته ولم يقطعهم. وعمل في وطنه بمجال التطوير العقاري الذي بزغ فيه طيلة فترة الغربة المنقضة، ثم أصبح خبير ومثمناً عقارياً مشهودا له بالكفاءة والحنكة. وعاود لقاءاته بأصحاب زمان، صحابة العمل الاجتماعي في مقتبل العمر، فكان لقائه اليومي بهم في احدى كافيهات بيروت، لقاءً مقدساً، لم يكن يمنعه عنهم الا فائق الضرورة.

رحم الله الصديق الوفي المرحوم أبو شادي، فقد نال نصيبه المُضني من وعثاء المرض الفتاك الذي لم يرحمه أبداً، الى أن أسلم الروح الى بارئها في صباح يوم الاثنين (25/01/2021).


* أحمد مالك عبدالله هاتف: (76/619988)

الخيام في (07/02/2021)

تعليقات: