من مآسي العراقيين: محاولة انتحار في فردان حرقاً بالبنزين

اللاجئ العراقي بين رجال الأمن
اللاجئ العراقي بين رجال الأمن


هرب عراقيون من القتل في بلادهم، وتوزّعوا في دول مجاورة، بينها لبنان، حيث يعيش أكثرهم في ظروف أقل ما يقال فيها إنها غير إنسانية، داخل السجن وخارجه. أحدهم حاول إحراق نفسه أمس.

أمام مبنى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يتجمهر عدد من الأشخاص حول شاب ثلاثيني يصرخ بأعلى صوته والدم يسيل من جسده فضلاً عن البنزين. يحمل الشاب قارورة بنزين بيد، وباليد الأخرى شفرة ينهال بها على جسده. صراخ الشاب لم يكن مفهوماً إلا أن الجميع عرفوا أنه يهدد بالانتحار، من دون أن يعرفوا السبب.

استمرت المفاوضات ما يقارب نصف ساعة صباح أمس، لإقناع «أحمد» (اسم مستعار) بالعدول عن فكرة الانتحار أو أقله رمي الشفرة التي كانت بحوزته. بعدها أوقفه عناصر من قوى الأمن الداخلي، وعملوا على تقييد يديه، ريثما تم الاتفاق على تحديد وجهة اقتياده، المخفر أو المستشفى. وبعد أخذ وردّ بين موظفين في المفوضية وعناصر الدفاع المدني، وبين العناصر الأمنية، اتفق على التوجّه به إلى المستشفى لأنه كان ينزف، نُقل على أثرها إلى مستشفى رفيق الحريري لتلقّي العلاج وقد صعد معه أحد العاملين في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في سيارة الإسعاف.

ذكر أحد عناصر قوى الأمن الداخلي أنه عُثر بحوزة الشاب على حبوب دواء، إضافةً إلى الشفرة التي كان يشطّب بها جسده وقارورة البنزين.

«كانت الساعة تقارب الثامنة والنصف صباحاً حين أتى هذا الشاب وبدأ بالصراخ»، يقول أحد الذين كانوا موجودين ويكمل،«لم نعرف سبب صراخه لأن كلامه لم يكن مفهوماً، وقد تولّى موظفون من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مهمة التفاوض معه لإقناعه بالتراجع». وأشار أحد العناصر الأمنية إلى أن المفاوضات لم تُفلح معه لأنه حسب الظاهر لم يكن بكامل وعيه، الأمر الذي أدى الى تدخّل القوى الأمنية وتوقيفه.

المسؤولة الإعلامية في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لور شدراوي، قالت لـ«الأخبار» إن الشاب المذكور، وهو عراقي الجنسية، مسجّل لدى مكتب المفوضية وهو يعاني مشاكل نفسية وصحية، وأضافت، «لم نعرف سبب صراخه وتهديده بالانتحار فطلبه لم يكن مفهوماً»، كما أشارت شدراوي الى أن الموظفين حاولوا ردعه وحثّه على التراجع عن تشطيب وإحراق نفسه عبر الإستماع الى مطالبه لكنهم لم يستطيعوا دفعه الى التراجع سلمياً والحؤول دون تدخّل القوى الأمنية. ولفتت شدراوي إلى أنه طُلب من القوى الأمنية عدم توقيف الشاب لأنه تحت حماية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

رواية «جعفر»، وهو اسم مستعار لصديق «أحمد»، العراقي الجنسية أيضا توضح وجهاً آخر لما جرى. فلدى «أحمد»، الذي حاول الانتحار ملف لدى الأمم المتحدة، وهو يطالب المفوضية بتأمين الحماية له، وحسب «جعفر»، فإن «أحمد» دخل إلى لبنان خلسة هرباً من الأحداث الجارية في العراق، وخاصة بعدما طلبت منه عناصر من تنظيم «القاعدة» العمل معهم ضد الجيش الأميركي. ويضيف الصديق الذي تعرّف على «أحمد» في سجن رومية: «ألقي القبض على «أحمد» منذ سنة ونصف سنة بتهمة الدخول خلسة إلى لبنان»، ويكمل «أخلي سبيلنا منذ حوالى شهرين من أجل تسوية أوضاعنا بعدما دفعوا لكل واحد منّا 200$». ويتابع قائلاً: «ليس لدى «أحمد» أحد ليذهب إليه، ولا يملك حتى مكاناً للسكن، فضلاً عن أنه يعاني مرضاً في الأعصاب». كما أشار الصديق إلى أن «أحمد» يزور المفوضية العليا لشؤون اللاجئين منذ خروجه من السجن دون جدوى، مضيفً إن «أحمد» بتمتع بالأهلية العقلية الكاملة، وإن ما قام به ليس سوى تعبير عن حالة اليأس التي وصل إليها. كما رأى أن معاناة «أحمد» هي معاناة جميع العراقيين في لبنان، فهم فضلاً عن أنهم ملاحقون من الدولة يفتقدون أدنى مقومات العيش.

وتجدر الاشارة إلى أن هناك أكثر من 50 ألف لاجئ عراقي مقيم في لبنان، أتى معظمهم بعد الغزو الأميركي لبلادهم، أغلبهم يعيشون بصورة غير قانونية ودخلوا عبر الحدود اللبنانية السورية المشتركة خلسة. ويعيش اللاجئون العراقيون في ظروف صعبة للغاية، وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» قد أصدرت تقريراً بعنوان «شقاء هنا أو موت هناك، خيارات بائسة لللاجئين العراقيين في لبنان»، شرحت فيه يوميات العراقيين في لبنان واستعانت بشهادات من لاجئين أجرت المنظمة معهم مقابلات عن أوضاعهم. ويذكر أن عدداً من هيئات المجتمع المدني ومنظمات غير حكومية تحرّكت مراراً مطالبةً الدولة بالحد من معاناة هؤلاء. كما سبق أن طالبت منظمة العفو الدولية الحكومة اللبنانية بالتساهل مع اللاجئين العراقيين أسوة بسوريا والأردن، وهي الدول التي تستقبل أعداداً أكبر من العراقيين، تفوق مليوناً و400 ألف لاجئ في سوريا وحدها. وتجدر الإشارة إلى أن الدولة اللبنانية بدأت مشروع الإعادة الطوعية للعراقيين المحتجزين في السجون بجرم الدخول خلسة إلى لبنان طلباً للحياة.

تعليقات: