(هيثم الموسوي)
الطمأنينة التي أمّنها الاستقرار النسبي لإمدادات الفيول، بدّدها شحّ الدولارات. من دونها يمكن لقطاع الكهرباء أن ينهار. حتى الآن، لا يزال مصرف لبنان رافضاً الالتزام بتأمين كل حاجة القطاع من العملة الأجنبية. وإذا استمر على هذا المنوال، فإن أولى النتائج ستكون توقف معملَي دير عمار والزهراني عن العمل. الشركة المشغّلة ينتهي عقدها يوم الاثنين المقبل. ولتجديده تريد ضمانات بالحصول على الأموال اللازمة للقيام بعملها. وإذا لم يتحقق ذلك، فإن عشر ساعات من التغذية ستختفي
ليس بالفيول وحده تستمر كهرباء لبنان في تأمين الطاقة الكهربائية. في الفترة الماضية، كانت وزارة الطاقة تصب كل جهودها في خانة تأمين الفيول للمعامل بعد انتهاء عقد سوناطراك. ولذلك تحديداً، بشّر وزير الطاقة، بعد موافقة العراق على تزويد لبنان بـ 500 ألف طن من الفيول، بأن لا خوف من العتمة. لكن الخوف لم يفارق كل العاملين في القطاع. شح الدولارات سبق أن جمّد الكثير من الأعمال ولا يزال يساهم في الحدّ من إنتاج الطاقة. وهذا ما جعل الوزارة وكهرباء لبنان تسعيان مع مصرف لبنان لتأمين حاجة القطاع من الدولارات الطازجة. عملياً، لا قيمة للفيول إذا لم تؤمن الصيانة وقطع الغيار الضرورية لاستمرار عمل الشبكة والمعامل. وهذا يعني أن أي تفاؤل باستقرار التغذية بالتيار قبل معرفة توجّهات مصرف لبنان يبقى حذراً، وخاصة أن الخشية لم تعد من تجميد الأعمال بل من إمكانية توقف الشبكة.
عند منتصف يوم الاثنين المقبل، ينتهي عقد شركة «برايم ساوث» المسؤولة عن تشغيل وصيانة معملَي دير عمار والزهراني. «كهرباء لبنان» طلبت رسمياً تجديد العقد لمدة سنة. لكن، حتى اليوم لا تزال الشركة ترفض التجديد قبل الاتفاق على آلية الدفع التي تضمن القيام بأعمال الصيانة وشراء قطع الغيار. إذا لم تحصل على هذه الضمانات، فهذا يعني إطفاء المعملين اللذين ينتجان 800 ميغاواط عن الشبكة، والتي تعادل 10 ساعات تغذية بالكهرباء يومياً. قيمة العقد 61 مليون دولار سنوياً، والشركة طلبت الحصول على 80 في المئة منه بالدولار «الطازج»، ثم وافقت على تخفيض النسبة إلى 75 في المئة، لكن كهرباء لبنان لا تملك الإجابة. هي تلتزم بدفع الأموال بالليرة على سعر الصرف الرسمي، كما كانت تفعل عادة، والمصرف المركزي هو الذي يحوّل الأموال إلى الدولار، كما جرت العادة أيضاً. هذه الآلية تعطلت مع انهيار سعر الصرف وشح الدولارات في مصرف لبنان. ولذلك، صار الأمر يتطلب التنسيق مع المصرف المركزي للحصول على الدولارات الطازجة. وهذا يستهلك الكثير من الاجتماعات والشروحات للمعنيين في المصرف، في مسعى لإقناعهم بأن تأمين حاجة القطاع للدولارات يوازي أهمية الحصول على المواد والسلع الأساسية. أضف إلى ذلك أن حرمان القطاع من الدولارات لن يكون مفيداً حتى لمصرف لبنان. فانقطاع عشر ساعات من ساعات التغذية اليومية، سيتم تعويضها من المولدات الخاصة التي تحصل على المازوت المدعوم، ما يعني دفع مبالغ أكبر من تلك التي تم توفيرها.
في حالة «برايم ساوث»، فإن الشركة تطالب أيضاً بـ 45 مليون دولار متبقّية من عقد 2020. ولذلك، فإن النقاش يشمل حالياً المبلغ الإجمالي، أي مستحقات 2020 و2021. تدرك مؤسسة كهرباء لبنان أن لا مجال للترف في النقاش، على اعتبار أن نحو 40 مليون دولار ستخصص لإجراء الصيانة الأساسية لثلاث مجموعات إنتاج ستصل خلال العام الحالي إلى معدل 40 ألف ساعة إنتاج التي يفترض بعدها توقيف المجموعة عن العمل وصيانتها من قبل الشركات المصنّعة، أي في هذه الحالة شركتا «انسالدو» و«سيمنز». المشكلة أنه بصرف النظر عن توفّر الأموال، فإن هذه المجموعات يجب أن توقف عن العمل عند الوصول إلى الـ 40 ألف ساعة إنتاج، وبالتالي فإن عدم البدء بالصيانة التي تحتاج إلى 45 يوماً، سيعني إطالة أمد توقف توقف المجموعات عن العمل.
إذا كان الخطر يلاحق معملَي دير عمار والزهراني مهدداً بإطفاء المحركات، فإن الإطفاء طال فعلياً معملَي الزوق والجية الجديدين. شركة MEP المشغّلة للمعملين اضطرت إلى إطفاء 10 مجموعات إنتاج من أصل 14 مجموعة بسبب عدم توفر الأموال اللازمة لشراء الزيوت وقطع الغيار. وهي إذ تنتج حالياً ربع طاقتها، فإنها لن تتمكن من إعادة تشغيل كامل المعمل، إلا عندما تحصل على الدولارات الطازجة لتأمين المعدات الضرورية لصيانة التوربينات وتشغيلها.
مؤسسة الكهرباء كانت قد وضعت، قبل نهاية العام، تقديراً لحاجة القطاع إلى الدولارات الطازجة. وتبيّن لها أنها تقارب 300 مليون دولار سنوياً. هذا المبلغ موزّع عملياً بين المؤسسة نفسها وبين شركات مقدمي الخدمات ومشغّلي المعامل، إضافة إلى البواخر التركية. وهو قد ينقص أو يزيد تبعاً للمفاوضات مع مصرف لبنان، لكن المشكلة التي صار المفاوضون يدركونها أن المصرف يرفض الالتزام بأي مبالغ، وهو حتى لو التزم، فلا شيء يمنعه من التراجع عن التزامه، كما حصل فعلاً مع شركات مقدمي خدمات التوزيع.
تلك الشركات المعنية بالأعمال المرتبطة بالحاجات المباشرة للمشتركين، تعاني من الأزمة نفسها، أي عدم توفر الدولارات الضرورية لاستمرار الأعمال، ولا سيما منها: تركيب العدادات، تمديد الكابلات، تركيب المحطات والمحولات والأعمدة وصيانتها… كل المعدات المطلوبة للقيام بهذه الأعمال يتم شراؤها بالدولار. ولذلك، وبعد اجتماعات عديدة عقدت بين الشركات والنائب الثالث لمصرف لبنان سليم شاهين في العام الماضي، تم الاتفاق على أن تحصل هذه الشركات على أموالها مثالثة: ثلث المبلغ دولارات طازجة، وثلثه «لولار» (دولار وهمي موجود في القطاع المصرفي اللبناني)، وثلثه بالليرة على سعر 1500 ليرة للدولار. عملياً، تم العمل بهذه الآلية لفاتورة واحدة فقط، قبل أن يقرر المصرف الانسحاب من هذه الآلية والاكتفاء بدفع الجزء اليسير من الأموال بالدولار.
مصرف لبنان يدفع للشركات الأجنبية ويرفض الدفع للشركات اللبنانية!
بداية، كان المطلوب من الشركات أن لا تُحوّل أرباحها إلى الخارج، فأبدت الأخيرة استعدادها لأي إجراء يضمن عدم حدوث ذلك، كأن يدفع المصرف مباشرة للمورّدين. لكن الأزمة الفعلية بالنسبة إلى الشركات تمثّلت في رفض المصرف دفع الدولارات الطازجة للمورّدين اللبنانيين. بدا ذلك غريباً، على اعتبار أن المصرف لم يمانع الدفع لشركات أجنبية، علماً بأن أغلب تعاملات مقدمي الخدمات تتم مع تجار ومصنّعين لبنانيين. فعلى سبيل المثال، شركات تصنيع المحوّلات والكابلات هي شركات لبنانية تملك مصانع في لبنان، لكنها تستورد المواد الأوّلية من الخارج. لذلك فإن عدم دفع الدولارات لمقدمي الخدمات يعني تلقائياً عدم الدفع للشركات المصنّعة، وبالتالي توقف الأعمال. في المقابل، حتى لو أمكن استيراد حاجة الشركات من الخارج، فإن ذلك يعني الحاجة إلى الكلفة كاملة بالدولارات الطازجة، بينما يتم الاتفاق مع المصانع اللبنانية على توزيع الفاتورة بين الليرة والدولار و«اللولار»، بما يساهم في تخفيف الضغط عن مصرف لبنان.
كهرباء لبنان تقدّر حاجة القطاع بـ 300 مليون دولار طازجة
حتى اليوم، لم تُحلّ هذه الإشكالية. حاجة الشركات الأربع تصل إلى 70 مليون دولار سنوياً (تختلف باختلاف حجم الأعمال وتوفر المعدات). وطالما أن مصرف لبنان لا يدفع، فإن الأعمال تتأخر. وعلى سبيل المثال، هنالك حاجة ماسة لتركيب نحو 100 ألف عداد في كل لبنان، (سبق أن قدمت طلبات للحصول عليها وأصحابها يحصلون على الكهرباء مجاناً من خلال التعليق). لا إمكانية حالياً لتركيبها بسبب عدم توفر المعدات المطلوبة لذلك، ما يسبب خسائر كبيرة لكهرباء لبنان تقدر بـ 36 مليار ليرة سنوياً (مع افتراض أن كل عدّاد يدفع 30 ألف ليرة شهرياً فقط). ذلك لا يعني مصرف لبنان. المصرف وافق على دفع بعض الفواتير للمورّدين الأجانب، لكنه يرفض الدفع للمورّدين المحلّيين! لكن إذا لم تعالج المشكلة جذرياً، فإن الأزمة ستتحول إلى كرة ثلج. كل العقود الموقعة مع كهرباء لبنان، شارفت على الانتهاء. عقد البواخر التركية ينتهي في أيلول، وعقد شركة MEP وشركات تقديم الخدمات BUS و«دباس» و«مراد» وKVA ينتهي مع نهاية العام. هؤلاء بدأوا يلوّحون بعدم الرغبة في تجديد العقود من دون ضمانات تأمين الدولارات التي يقولون إنها لازمة للقيام بعملهم.
لذلك، ورداً على حجة عدم توفر الأموال، كان وزير الطاقة قد اقترح، أثناء اجتماعات الدعم، زيادة سعر صفيحة البنزين ألفي ليرة تذهب لتغطية حاجة الكهرباء من الدولارات، لكن الاقتراح رفض. كذلك، في الاجتماعات غالباً ما تطرح مسألة تخفيض عدد شحنات البنزين وتحويل الأموال التي يتم توفيرها إلى قطاع الكهرباء. وأكثر من ذلك، فإن ثمة من يعتبر أنه عند الضرورة يمكن تخفيض ساعات التغذية ساعة واحدة، ستكون كافية لتوفير الدولارات للقطاع لضمان استمراريته.
لكن مقابل كل هذه الاقتراحات، الجميع لا يزال بانتظار مصرف لبنان ليقرر مصير الكهرباء.
تعليقات: