رغم أنها «بي أم» لكن لا مانع من زيادة قوتها
قد لا يتعدى سعر السيارة بضعة آلاف من الدولارات، لكن تكلفة زينتها تتخطى السعر! ليس في الأمر مزحة مع الانتشار الكثيف لـ«السيارات الملغومة» التي أعطت بدورها المجال لإطلاق تسميات على السيارات «المعدّلة لبنانياً» كالنملة والغواصة والوطواط.
«من باله في السيارات؟» قد يسأل كثيرون في ظل تفاقم موجة الغلاء التي تطيح الطبقات المعدمة في البلاد، لكن الإجابة سهلة إذا أحصيت السيارات التي تحظى بأهمية ملحوظة لدى أصحابها، تكاد تفوق أهمية الفرد نفسه في بيروت. منظرها يبدو لافتاً لكثرة أعدادها، وخاصةً بعد التغييرات التي تحلّ على حالتَيها الداخلية والخارجية، بدءاً من الأصوات العالية التي تصدرها، وانتهاءً بتغيّر محركاتها بشكلٍ يساعد على إيصال سرعتها إلى الجنون، مما يثير الاستغراب لكون طرقات لبنان (حتى بعض الأوتوسترادات السريعة) لا تستوعب السرعة المعدّلة.
■ سيارات «ملغومة»
اعتاد اللبنانيون ظاهرة السيارات «المفخّخة» التي تنفجر بين الحين والآخر، لكن الظاهرة التي نتحدث عنها مختلفة تماماً. كلمة «لغم» باللهجة المتداولة بين الشبّان لا تعني سوى تغيير المحرك القديم للسيارة واستبداله بمحركٍ أكثر قوة، ثم تركيبه على هيكلها الذي يصبح صغيراً قياساً إلى حجم المحرّك الجديد: السيارة ستتخطى السرعة الأساسية بسهولة.
عملية «التلغيم» لا تحتاج إلى خبرةٍ واسعة، كما يؤكد وائل (25 عاماً)، شارحاً كيفية حصول عملية الاستبدال وضرورة استخدام «النيترو» للحصول على نتائج مضمونة كما يصفها. وائل لا ينفي خطورة هذا النوع من العمليات، «لكن حب الخطر والسرعة يدفعان بالكثيرين (هو واحد منهم) إلى القيام بأمور كهذه»، إضافة إلى دوافع تبدو أكثر «لبنانيةً»، يعرّف عنها وائل بـ«التجغيل».
يقتضي تغيير المحركات وجود اختصاصيين، وهناك عدد لا بأس به في لبنان، كأحد المحلات المختصة والمشهورة بهذه الأعمال التي توجد قرب «محطة الرحاب»، حيث تقوم ورش دائمة هناك بعمليات «التنفيخ والتلغيم». أيّ خطأ في عملية التركيب قد يؤدي إلى مخاطر جدّية، كما حصل مع بلال (28 عاماً) الذي نجا بأعجوبة من حادثٍ مروّع بسبب قيامه بتزويد المحرك بالنيترو، واستعماله على طريق وادي الزينة ــــ صيدا. لم يندم بلال، بل يعيد ذلك الحادث الخطير إلى إهماله «عملية إضافة الوزن للسيارة»، كما كان يجب عليه أن يفعل! ومن المعروف أن إضافة الوزن وتبديل المحركات تغيّران الصورة والمفعول المصمَّم أساساً من الشركة المصدّرة، مما يطرح تساؤلات جدّية عن خطورة الأمر وعلاقته الحقيقية بارتفاع معدلات حوادث السير في لبنان.
تجدر الإشارة إلى أن «النيترو» هو نوع معروف من الغازات الكيميائية القابلة للانفجار. عند تركيبه تضاف بخاخات إلى الآلية لتتفاعل مع البنزين عند التشغيل، فيكون الغاز مضغوطاً في حاويته (على شكل أسطوانة) ببرودة بالغة ويتفاعل مع الحرارة العالية للمحرك، ولدى ضخّ النيتروجين المضغوط مع الأوكسجين تنخفض الحرارة بسرعة، فتتفكك جزيئات الأوكسجين عن النيتروجين ويزداد الاحتراق، فترتفع عندها حرارة السيارة ويتضاعف عدد دورات المحرك حتى يصل بعضها إلى أكثر من 10 آلاف دورة في الثانية. وعلى هذا الأساس، فإن تشغيل «النيترو» لفترات طويلة، يعدّ عملاً في غاية الخطورة ميكانيكياً.
■ نعيم الشيخ «ضرورة»
«تلغيم» مختلف لسيارة باتت تُستأجر للأعراس (كامل جابر)«تلغيم» مختلف لسيارة باتت تُستأجر للأعراس (كامل جابر)الخطورة لا تتوقف عند المحركات، بل تطال الآليات من الداخل. «كان حلمي أن أركّب صوتاً في سيارتي» يؤكد طارق (27 عاماً) الذي تكلّف أكثر من ألفَي دولار على إضافة أجهزة مقوّية للصوت في سيارته، بينما لم يكلّفه تشويش أجهزة الرادار التي تلتقط السرعة سوى قرص مدمج فارغ، ثمنه ألف ليرة، يعلّق فوق المرآة الرئيسية بكل بساطة فتعجز معظم الرادارات عن اكتشافه!
كلمة «صوت» متعارف عليها في الأوساط المذكورة بأنها الصوت القوي والمرتفع جداً، الذي يتطلب اختصاصيين هو الآخر لأسباب تقنية واجتماعية. تقنياً يضطر مهووسو الأصوات القوية إلى استحداث فجوة في الجهة الخلفية في سياراتهم حتى لا يتعرضوا لما تعّرض له هاني (19عاماً) في محلة الشويفات ــــ حي السلم، حين تشظّى الزجاج الخلفي لسيارته تماماً، مسبّباً حالة من الهلع، لأنه لم يعِ فعالية «الصوت» في سيارته.
صوت آخر يجب توفيره في السيارات، وهو يصدح من معظم المسجّلات في الضواحي مزعجاً المواطنين بمستواه المرتفع. أغنيات نعيم الشيخ التي تترافق مع موسيقى شعبية صاخبة. بعضهم يعشق هذه النوعية من الموسيقى بحكم البيئة واللهجة، وبعضهم يجد فيها نوعاً من الموضة. تلك الأغنيات قادرة على إظهار «إيقاعات خفية» في مكبّرات صوت سياراتهم، على حدّ قول هاني نفسه، الذي يرى أن نعيم الشيخ ضرورة لا بد منها، منوّهاً بإحدى الأغنيات التي أدّاها للسيد نصر الله، ومستغرباً في الوقت عينه أداءه أغنية مماثلة للنائب سعد الدين الحريري، ولا يلبث أن يسمعنا أغنية تحمل تحريضاً مذهبياً واضحاً بصوت «يطبل» الآذان بالطبع. نعيم الشيخ يغني لكل الزعماء والمذاهب، ومن يعلم، ربما يغني للعلمانية والأغاني الوطنية لاحقاً! لا يهم، ما دام المطلوب هو أن تسمع الفتيات الصوت يخرج عالياً من النوافذ ويضرب آذان المارة في ظلّ غياب طبيعي لأجهزة الدولة والمراقبة التي إن حضرت «تستمتع بالموسيقى المزعجة بدل إيقافها»، كما أكد أبو ناصر (63 عاماً) أحد هواة صيد السمك في عين المريسة، الذي يعبّر عن سخطه من الشبّان وسياراتهم المزعجة من جهة، ومن عناصر قوى الأمن الداخلي الذين لا يعترضونهم من جهة ثانية، فيسرحون ويمرحون على طول الكورنيش البحري دون عقاب.
■ الزينة والقانون
الحاجز العازل أو (fume) يحتاج إلى رخصة، وتركيبه في لبنان ليس متقناً فنياً، كما أكد أحد أصحاب المحال المختصة بتركيبه، رافضاً ذكر اسمه، كي لا يسيء الأمر إلى تجارته، مستغرباً لهفة الشبّان على تركيب هذا العازل. علي (21 عاماً) لا يوافقه الرأي أبداً، بل يشرح بكل واقعية ضرورة العازل بالنسبة إليه، «لأن الفتيات يحبّذن ذلك»، ولأنه لا فرق ما دام القانون قد منحه رخصة تسهيل المرور عبر أحد المعارف من مرافقي إحدى الشخصيات «المهمة»، دون أن يعرف أي تفصيل عنه، بل كلّفه الأمر 250 ألف ليرة فقط.
«الموضة للسيارات أصلاً لا للملابس» تقول لينا (22 عاماً) طالبة الجامعة الأميركية في بيروت التي تشارك الشبّان هوسهم بالسيارات، وتستفيض في شرح الإضافات الممكنة على الآلية، بدءاً من تغيير شكلها الخارجي، حيث تفضّل أن تتلاعب بحجم الإطارات وتزيدها إلى 17 بوصة، من دون أن تهتم بخطورة ذلك على الآلية، فسرعتها تتأثر في مرحلة الإقلاع فقط، بينما في المسافات الطبيعية تستعيد سرعتها الطبيعية، كما تشير بإصبعها إلى أضواء الـxenon التي تزيّن واجهة سيارتها الأمامية، وهي الأضواء التي صنعت من لايزر في أوروبا لتضيء في المناخات السيّئة وتتخطى الضباب، بينما تستخدمها لينا «للتشبيح». تضحك وترى الأمر طبيعياً لكونها في لبنان، «وما يسري على الذكور يسري على الإناث».
أما عن ظاهرة الأنتينات الطويلة على ظهر السيارات، فأجاب اختصاصي الزينة بأنها معدّة في الأساس لالتقاط موجات لاسلكية، توصل بجهاز مثبّت داخل السيارة، وتستعملها الشخصيات الأمنية وسيارات «المرافقة»، وما لبث أن أوضح بشكلٍ ساخر أنّ معظم السيارات تستعملها «للفت النظر عالفاضي» أو لتعليق علم ما في المونديال.
لا يخفى على أحد أن الاتحاد الأوروبي ينتقل أيام المونديال إلى بنايات العاصمة وسيارات أهلها، فتحتل الأعلام الأوروبية شرفات المنازل، وتطل «شامخةً» من نوافذ السيارات. الحالة مألوفة جداً، ومن المرجّح أن تعاود الظهور، بما أن العالم على أبواب كأس الأمم الأوروبية. القانون لا يحاسِب على تشجيع المنتخبات الوطنية الأجنبية لكرة القدم، فالأمر ظاهرة عالمية تتخطى لبنان، وتبقى محصورة بالرياضة. اللافت في الأمر أنه رغم السماح بكلّ هذه الأعلام، بقي اللبناني ممنوعاً على اللوحة التي تحمل رقم السيارة لأسباب مجهولة، ويؤدي ذلك إلى رسوبها في حالة المعاينة أو الميكانيك، فيضطر الجميع إلى إزالته إلا من يُعرفون بـ«المدعومين».
لوحة الأرقام تحظى بهوس خاص هي الأخرى، فتختلف أشكالها بين سوداء ومرسومة بالخط العريض، أو غير مرمّزة (أي لا تحوي رمز المنطقة المسجّلة فيها)، بينما اللوحة القانونية هي واحدة، بيد أن ورقة «تسهيل المرور» تفعل فعلها، أو يكون الإهمال قد بلغ الزبى، فلا ينتبه رجال الأمن إلى لوحات السيارات!
حصة السياسة
التعلّق بالسيارات وتزيينها لا يعرف فرزاً ديموغرافياً ويتشارك فيه الشبّان مهما اختلفت انتماءاتهم الحزبية أو السياسية. لكن بطبيعة الحال، لا بد أن «تقتنص» الجماهير فرصة السيارة، للتعبير المفرط به عن آرائها في السياسة، فتستعمل الأصوات القوية لبث أغنية حزبية هنا أو نشيدٍ هناك، وأحياناً بشكلٍ دوري ومتواصل.
صور الساسة المبتسمين تأخذ مكانها الطبيعي على زجاج السيارات، وخصوصاً في حالة الاعتصامات أو مرور ذكرى سنوية ما. الفولارات الملوّنة تشارك في تشويه المنظر، بفضل التوزيع المنّظم للألوان على الأفرقاء السياسيين. أحمد (24 عاماً) أحد مناصري حركة أمل، علّق فولاراً أصفر عليه علم «حزب الله» في سيارته، لأن الأصفر يلائم لون سيارته الحمراء أكثر من الأخضر، فلا مشكلة مع «حزب الله» برأيه، المشكلة تكمن حين يزور أحداً في «تلك المناطق» كما يصفها، حيث يضطر إلى نزع الفولار!
«بعد اغتيال الرئيس الحريري، أنتج «تيار المستقبل» مجموعة من الأغنيات الحماسية» تقول ناريمان (26 عاماً)، وهو الشيء التي كانت تتمناه دائماً، لكون زميلاتها في «حزب الله» و«حركة أمل» كان عندهم أناشيدهم الخاصة، وأغاني الفنانة جوليا أو الفنان مارسيل خليفة لا تقنعها. ترفع الصوت في سيارتها فتصدح المسجّلة «عالوعد نكمّل دربك» دون أن تكمل ناريمان الدرب، فسيارتها مركونة في موقف الجامعة العربية، حيث جرت الإشكالات الشهيرة، وحُطّم آنذاك عدد كبير من السيارات من جانب الطرفين لاحتوائها شعارات سياسية مختلفة.
يصعب اكتشاف مدى هوس اللبنانيين بالسياسة كما بالسيارات، لكن المؤكّد أن الحالتين قد بلغتا درجة عالية من الخطورة!
تعليقات: