كَسَرَ الدولار كل الحواجز وكان حاكم مصرف لبنان يطمئن بأن الليرة بخير
أطلَقَ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بالتكافل مع تصاعد التوتّر السياسي على خط تشكيل الحكومة، عدَّاد الدولار صعوداً. فبعد أن حَسَمَ سلامة ضرورة إيجاد صيغة جديدة لتمويل إلتزامات مؤسسة كهرباء لبنان، بعيداً عن المصرف المركزي، جاءَت عرقلة تشكيل الحكومة بفعل السجال السياسي، بمثابة المسمار الإضافي في نعش الحلحلة الاقتصادية.
أما تهديد قرض البنك الدولي المخصص للعائلات الأكثر فقراً، بالتطيير، جرّاء الخلافات التي حصلت في جلسة اللجان النيابية المشتركة، مؤخراً، فهو رسالة صريحة لحَمَلة الدولار، مفادها الحفاظ على الدولارات لأن الأسوأ آتٍ.
مؤشرات كثيرة
ليس سرّاً أن ارتفاع سعر صرف الدولار سيتزايد إلى معدّل غير معروف حالياً. فيما الحديث عن تثبيت للسعر على معدّل 3900 ليرة المعمول به في المصارف، أو على معدّل 5000 ليرة كما يُشاع في بعض وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي، هو ضرب من الخيال. لأن التثبيت يحتاج إلى عاملين أساسيين، وجود احتياطي كبير من العملات الأجنبية، وتحديداً الدولار، والعامل الثاني وجود استقرار سياسي ونقدي وأمني يطمئن المستثمرين ويجذب أموالهم.
يجتهد التجار للحصول على الدولارات للاستيراد، كما تضيف سياسة دعم استيراد المحروقات والقمح والدواء، مزيداً من الضغط على ما تبقّى من دولارات قابلة للاستخدام في مصرف لبنان. وهذا الضغط يرفع مستوى أسعار السلع، ويعطي المواطنين سبباً إضافياً لعدم التفريط بما لديهم من دولار.
في السياق، فإن ارتفاع مستوى الاسعار وتدنّي القدرة الشرائية للعملة اللبنانية، رَفَعَ مستوى التضخّم. ناهيك بارتفاع أسعار المحروقات وربطة الخبز. فيما أسعار السلع في الأصل تحاكي معدّلَ سعر صرف يفوق المعمول به في السوق السوداء، مهما اختلفت أرقام سعر الصرف، إذ يعمد التجّار إلى ترك هامش مرتفع لأسعارهم "خوفاً" من انخفاض سعر الصرف لسبب ما. وهو أمر غير منطقي ولا يمتّ إلى واقع حركة الدولار بصلة. أما القطاع الصحي، فلا يخرج عن قاعدة الفوضى المنتشرة في البلاد، وتحديداً في ما يتعلّق بالمستشفيات الخاصة التي ترفع أسعارها وتصدر قرارات اعتباطية، وسط تواطؤ واضح من نقابة أصحاب المستشفيات. وحال المستشفيات يعيد التذكير بحال المصارف التي كانت سبّاقة إلى الخروج عن القوانين واتّباع سياسات فردية تستولي على أموال المودعين، مع بداية الأزمة النقدية والاقتصادية.
إعادة هيكلة القطاع المصرفي، والضبابية التي يسير فيها القطاع في الوقت الراهن، تعطي مبرراً إضافياً للاحتفاظ بالدولار، ذلك أن ما تبقّى من دولارات لصغار المودعين في المصارف، مهددة. وهي في الأصل خسرت أكثر من نصف قيمتها، عن طريق اعتماد سعر صرف 3900 ليرة، وإلزام المودعين بسحب دولاراتهم وفق هذا السعر.
كذلك، فإن لجوء مصرف لبنان إلى وقف تزويد الصرافين من فئة "أ" بالدولار، وهو أمر ينتظر التنفيذ فقط، وسيعني توسيع قاعدة السوق السوداء وارتفاع الدولار.
الدولار إلى 10 آلاف؟
حين وصل الدولار إلى 2000 ليرة مع نهاية العام 2019، كان هذا المعدّل مُستَغرباً جداً، فيما الـ5000 ليرة مستوى بدا مستحيلاً. كَسَرَ الدولار كل الحواجز، وحاكم مصرف لبنان يطمئن بأن الليرة بخير، إلى أن أقرَّ بأنه لا يعرف شيئاً. فبلغ الدولار مستوى 10 آلاف، وباتت أسعار الصرف ما دون الـ7000 ليرة، حلماً بعيد المنال.
يسجّل الدولار حالياً نحو 9500 ليرة، ووصوله إلى الـ10 آلاف مسألة وقت فقط. ليصبح الهاجس الأبرز هو عدم تحوُّل الـ10 آلاف إلى معدّلٍ مقبول خوفاً من أرقام إضافية، تماماً كما حصل مع باقي المعدّلات التي طُوِيَت صفحتها.
وهذا الخوف، يستدعي من الناس التساؤل حول بيع ما لديهم من الدولارات للاستفادة من الأسعار المرتفعة، قبل التراجع المُحتَمَل لسعر الصرف. فالسعر يتأرجح دائماً قبل أي قفزة.
الخوف المشروع لا إجابة حاسمة تبدّده. فمن امتلك الدولار سابقاً وباعه، أعرب عن ندمه حين ارتفع سعر الصرف. ومَن اشترى على معدّل مرتفع طمعاً بارتفاع إضافي يُكسبه المزيد، اضطرّ لبيع دولاراته للحدّ من الخسارة حين انخفضت الأسعار.
هي بورصة أسعار وخوف، الثابت فيها غياب الدلالات على انحسار الأزمة وزيادة الدلائل على ارتفاعها وسط شحّ متواصل في الدولار لدى مصرف لبنان، ما يعني أن احتمال ارتفاع سعر الصرف إلى ما يزيد عن 10 آلاف، ما زال قائماً. لكن قرار بيع الدولار أو شرائه، يعود إلى مدى الحاجة للعملة الخضراء، فالتجار يشترونه لتمويل الاستيراد والمستهلكون يبيعونه للاستفادة من قدر إضافي من الشراء بالليرة.
تعليقات: