أكثر من ألف مزرعة مهدّدة بقرار خفض رسوم الاستيراد

مصير قاتم يهدد مزارع الدجاج (مروان بو حيدر)
مصير قاتم يهدد مزارع الدجاج (مروان بو حيدر)


تنتج 60 مليون فروج سنوياً ويعتاش منها 7500 عائلة..

قرار مجلس الوزراء القاضي بخفض الرسوم الجمركية على الفروج المستورد يهدد قطاعاً واسعاً ينتج نصف اللحوم المستهلكة في لبنان، فمن يتحمّل وزر قرار كهذا؟ لا سيما أن 7500 عائلة تعتمد على قطاع مزارع الدجاج في لبنان لتأمين موارد رزقها

اتخذت الحكومة في جلستها الشهيرة في الخامس من أيار الماضي قراراً يقضي بخفض الرسوم الجمركية على استيراد الفروج الكامل والمقطع من 70 في المئة إلى 20 في المئة، وخفض الحد الأدنى للاستيفاء على الفروج الكامل من 4200 ليرة إلى 100 ليرة، وخفض الحد الأدنى للاستيفاء على قطع الفروج من 9000 ليرة إلى 2000 ليرة... هذا القرار يهدد، بحسب دراسة أعدتها النقابة اللبنانية للدواجن، حوالى 1018 مزرعة تقريباً متخصصة بتربية الفروج المحلي، وتنتج سنوياً حوالى 60 مليون فروج، وتغطي حاجة الاستهلاك الفردي بحجم يتراوح بين 20 و22 كيلو من اللحوم سنوياً، وهذه الطاقة الإنتاجية، وفق الدراسة، ستتأثر سلباً وبشكل كبير نتيجة مزاحمة الفروج المستورد الذي يلقى الدعم في بلاد المنشأ، وتتقاطع هذه الدراسة مع أخرى أعدّتها الفاو في عام 2005، وتظهر أن لبنان ينتج سنوياً ما يصل إلى 122 طناً من لحوم الفراريج.

■ «احتكار» الفروج

تبرر الحكومة قرارها بخفض الرسوم الجمركية، بالحاجة إلى إجراءات تحدّ من ارتفاع أسعار الفروج محلياً، وروّج الوزير سامي حداد لفكرة أن الحماية الجمركية التي كانت توفّرها الحكومة للمزارع المحلية، أدّت إلى ارتفاع الأسعار، إلا أن حدّاد نفسه لم يتحدّث عن الواقع الاحتكاري في هذا المجال، الذي يتوجّب تفكيكه كمقدمة لتصحيح الأوضاع في السوق، فهناك شركتان تحتكران الفروج هما «هوا تشيكن» و«تنمية»، إذ تبلغ حصتهما حوالى 30 في المئة من السوق، لكن ما يتوجب توضيحه أن سيطرتهما تتم عبر المزارع الصغيرة والمتوسطة المنتشرة في المناطق الريفية، لا سيما في البقاع، فالطاقة الإنتاجية لهاتين الشركتين لا تصل إلى ربع حصتهما من السوق، إلا أنهما تحتكران في إنتاج أمهات التسمين، التي لا يتعدى حجم المشاريع فيها عشرين مشروعاً تربي 650.000 دجاجة (إمّاية) تنتج فراخاً وتوزع على المزارع الأخرى، وتنتج «هوا تشيكن» 70 في المئة من إنتاجها عبر آلية توزع خلالها الفراخ والعلف على المزارعين الصغار والمتوسطين، ثم تدفع مقطوعية معيّنة تضمن ربحاً محدوداً ولا تتأثر بتقلبات أسعار الأسواق مهما حصل، وأشار أمين سر النقابة اللبنانية للدواجن سمير قرطباوي إلى أن الربح الإضافي يعود للشركة، وفي المقابل لا يتعرض المزارع لخسائر في حال هبوط الأسواق، ويؤمن مسلخين حديثين تبلغ طاقتهما الإنتاجية 20 مليون فروج سنوياً، (ذبح الفروج ونتفه للقطاع)، في حين هنالك 4 مسالخ متوسطة الحداثة طاقتها عشرة ملايين فروج سنوياً، وهنالك عشرون مسلخاً ومنتفاً (غير حديثة) طاقتها حوالى ثمانية ملايين فروج سنوياً.

وبخصوص مزارع إنتاج البيض، أظهرت الدراسة المذكورة وجود 200 مزرعة متخصصة لتربية الدجاج البيّاض لإنتاج بيض المائدة، تربي حوالى مليوني دجاجة تنتج حوالى 500 مليون بيضة سنوياً، تكفي للاستهلاك اللبناني بواقع 125 بيضة للفرد الواحد، ومن أصل هذه الكمية المذكورة كان يصدّر عبر مشروع إيدال حوالى 30ـــ40%، وأشار قرطباوي إلى أن إلغاء الدعم عن تصدير البيض سيؤدي إلى كساد القطاع وتكبيد هذه المزارع خسائر كبيرة.

■ 7500 عائلة ستفقد مورد رزقها

وتظهر الدراسة أن ضرب قطاع الدواجن الذي يرتكز على إنتاج الفروج سيؤدي إلى تراجع دخل ما يتراوح بين 50 و55 ألف إنسان ترتبط أعمالهم بهذا القطاع، لأن قطاع الدواجن يؤمن العمل على كل الأصعدة، بما فيها معامل العلف وصناعة المعدات والأدوية والنشارة ونقل المواد العلفية، وخاصة من المرفأ إلى المزارع، ويبلغ عدد هؤلاء ما لا يقل عن عشرين ألف شخص يعيلون حوالى 55 ألف شخص تقريباً، في حين تقدّر المبالغ الموظّفة حالياً في مختلف نشاطات إنتاج الدواجن بما يتراوح بين 600 مليون إلى 700 مليون دولار أميركي، ويبلغ حجم الدورة الاستهلاكية السنوية أربعة ملايين دولار لكامل القطاع.

وعن الفئات الأكثر تضرراً من قرار خفض أكلاف الاستيراد، قال رئيس نقابة مربي وموزعي الدواجن في لبنان جان الهوا إن القطاع لن يندثر كلياً بعد القرار، لكنه سيتقلص بحجم يتراوح بين 40 و50 في المئة، لافتاً إلى أن معلوماته عن طبيعة القطاع تظهر أن 7500 عائلة من الأكثر فقراً سيفقدون مورد رزقهم، مقدراً أن 12 ألف عائلة هي التي تعيش من إنتاج هذا القطاع، ملاحظاً أن أكلاف الإنتاج المرتفعة والمزاحمة الأجنبية ستفرض تضاؤلاً إجبارياً في حجم القطاع، لا سيما أن استهلاك الفروج الحي سيتراجع، لأنه يرتكز على المناطق الفقيرة والشعبية، في حين أن القرار سيخفض الأكلاف على الفنادق والمطاعم الضخمة التي ستعتمد على الفروج المستورد الرخيص، لافتاً إلى أن انخفاض البيع سيضطر الشركات الكبيرة إلى تقليص نشاطاتها.

■ كلفة إنتاج طن العلف

وفي ظل الارتفاع العالمي في أسعار الحبوب والعلف، التي ارتكز إليها المزارعون في مطالبتهم تأمين الدعم لهم، أظهرت أرقام الدراسة أن لبنان استورد 350،000 طن من الذرة الصفراء تبلغ قيمتها 115.500.000 مليون دولار خلال عام 2007، واستورد 90.000 طن تقريباً من فول الصويا والكسبة بمبلغ يصل إلى 40.500.000 دولار أميركي، لتبلغ كلفة استيراد الحبوب الإجمالية 156.000.000 دولار تقريباً، ويستورد لبنان ما يقارب 75 في المئة من هذه الكمية من الولايات المتحدة الأميركية، ويشير قرطباوي إلى أن الذي يرفع أسعار الأعلاف هو ارتفاع تكاليف النقل التي تصل إلى 140 دولاراً أميركياً لكل طن، مشيراً إلى أن استيراد طن من الذرة تبلغ كلفته 350 دولاراً أميركياً، وطن من الصويا 550 دولاراً، وأشار قرطباوي إلى أن هذه الأكلاف تتأثر صعوداً وهبوطاً حسب آليات العرض والطلب ونسبة العوامل الفنية الأخرى وظروف البلد المستورد منه، ما جعل كلفة تصنيع طن واحد من العلف تبلغ 400 دولار بعد الزيادة العالمية التي طرأت على أسعار الذرة والصويا والمواد الأولية الأخرى.

■ كلفة إنتاج كيلو الفروج

وأعدّت النقابة اللبنانية للدواجن دراسة أخرى عن كلفة إنتاج كيلوغرام واحد من الفروج، فوصلت تكلفة الإنتاج إلى دولار و97 سنتاً لكيلو الفروج الحي الواحد، في حين يبلغ مجموع الأكلاف للفروج بعد الذبح 3 دولارات و23 سنتاً، وذلك بدون احتساب الأرباح، في حين كلفته مع احتساب الأرباح تبلغ 4.26 دولارات، أي ما يعادل 6400 ليرة لبنانية، مشيراً إلى أن هناك أحد حلّين أمام الحكومة؛ إمّا أن تمضي في قراراتها التي ستصيب مزارعنا بالضرر، وإمّا أن تدعم أكلاف الإنتاج، مشيراً إلى أن مطالب أصحاب المزارع ترتكز على إعادة رفع الرسم الجمركي إلى 45 في المئة لكي تتساوى كلفة الفروج المستورد المدعوم مع كلفته الداخلية، مقابل فرض بيع نسبة معيّنة من الإنتاج على شكل فروج كامل محدّد السعر، مشيراً إلى أن هذا الحل يرضي المستهلك وأصحاب المزارع الذين يستطيعون رفع أسعار المقطّعات حينها مع عدم فقدان الفروج الكامل من السوق، وأظهرت الأرقام أن كلفة تأمين الطاقة تبلغ 18 سنتاً لكيلو الفروج الواحد، ما يبرر مطالبة أصحاب المزارع بدعم تكاليف المحروقات والكهرباء، والتي أشار قرطباوي إلى أنها الأعلى في العالم.

مجرد إشارة

الفروج يؤمن 50% من اللحوم

أظهرت أرقام دراسة أعدتها الفاو أن قطاع الدواجن ينتج 122 ألف طن من فروج المزارع، إضافة إلى 10 أطنان من الفروج البلدي، ليبلغ مجموع الإنتاج 131 ألف طن، في حين يستورد 95.8 طناً من لحوم الأبقار والماعز والأغنام، وينتج 16 طناً من لحوم البقر البلدي، و5.4 أطنان من لحوم الأغنام البلدية، و6.6 أطنان من لحوم الماعز، ما يظهر أن قطاع الدواجن يؤمن نصف استهلاك لبنان من اللحوم.

تعليقات: