رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان
تصاعدت حدة التوتر في أرمينيا بعدما أصدرت هيئة الأركان العامة للجيشِ الأرميني بيانا طالبت فيه باستقالة حكومة نيكول باشينيان الذي وصف بدوره بيان هيئة الأركان بأنه محاولة انقلاب عسكري
وتوترت الاوضاع بعد أقالة رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان مساعدا للجنرال أونيك غاسباريان رئيس هيئة الأركان العامة للجيش. تلك الخطوة أججت العلاقة ما بين الحكومة والجيش، ما دفع هيئة الأركان إلى المطالبة باستقالة رئيس الوزراء، معتبرة أنه "لم يعد قادرا على اتخاذ القرارات الضرورية". ليرد باشينيان على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك قائلا: "أعتبر أن بيان هيئة الأركان هو محاولة انقلاب عسكري" بينما أعربت وزارة الدفاع الأرمنية عن رفضها لـمحاولات توريط الجيش في السياسة..
في بيان وقّع عليه أكثر من أربعين عسكرياً بارزاً من قيادات الجيش، بينهم رئيس الأركان أونيك غاسباريان، وجميع نوابه ورؤساء الإدارات وقادة كبريات الوحدات العسكرية، انتقد العسكريون "خطوات قصيرة النظر وغير مبررة" من قبل الحكومة، من ضمنها إقالة خاتشاتوريان، وشددوا على أن الإقالة قرار "غير مسؤول ومناهض للدولة". واشار العسكريون في بيانهم إلى نفاد صبرهم من "اعتداءات الحكومة على الجيش"، وقالوا إن "الإدارة غير الفعالة والأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها السلطات الحالية في مجال السياسة الخارجية أودت بالبلاد إلى حافة الهاوية". وخلصوا إلى أن حكومة باشينيان لم تعد قادرة على "اتخاذ قرارات مناسبة في الظروف العصيبة والمصيرية الحالية"، وطالبوها بالاستقالة.
وصل باشينيان إلى السلطة نتيجة ثورة ملونة مدعومة من الغرب عام 2018، ومنذ ذلك الحين، حاول باستمرار إفساد العلاقات مع روسيا، والاقتراب من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، على الرغم من حقيقة أن روسيا هي الدولة الوحيدة القادرة والمستعدة لضمان أمن أرمينيا. وقد انتهى ذلك الموقف الانتحاري، إلى جانب ثقة عالية وغير مبررة بالنفس، بكارثة عسكرية في الحرب مع أذربيجان في قرة باغ، تم إنقاذها فقط بفضل الضغط الروسي على أذربيجان، في الوقت الذي خسر فيه الأرمن جميع الأراضي الأذربيجانية التي تم الاستيلاء عليها من قبل حول قرة باغ.
وباشينيان صحافي سابق ومعارض تاريخي دخل إلى السلطة في ربيع 2018، مدفوعاً بثورة واعدة بإخراج هذا البلد القوقازي من الفقر واجتثاث النخبة الفاسدة. وشهدت أرمينيا منذ استقلالها مع سقوط الاتحاد السوفياتي في 1991، سلسلة من الأزمات والثورات السياسية سقط في بعضها قتلى.
وبرغم الاحتجاجات فور الهزيمة في الحرب، نجحت حكومة باشينيان في النجاة من الموجة الأولى من الأزمة، لكن التوتر داخل المجتمع استمر في الغليان.
وكانت أرمينيا وأذربيجان وروسيا قد توصلتا، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى اتفاق لوقف كامل لأعمال القتال في كاراباخ، قضى، إلى جانب وقف إطلاق النار، بوقف تقدم يريفان وباكو وبقائهما في مواقعهما، وتسليم أرمينيا جزءاً من الأراضي لأذربيجان، ما أثار موجة من الاحتجاجات ضدّ باشينيان للمطالبة باستقالته.
ودعا ساسة وأنصار المعارضة في أرمينيا باشينيان للتنحي منذ أن وقع اتفاقاً للسلام وضع حداً لقتال دام 44 يوماً حول المنطقة الانفصالية، لكنه تضمن تنازلات إقليمية لأذربيجان. ورفض رئيس الوزراء التنحي، ودافع عن اتفاق السلام باعتباره كان صعباً لكنه ضروري ومنع أذربيجان من اجتياح إقليم ناغورنو كاراباخ بالكامل.
ودعا حزب المعارضة الرئيسي في أرمينيارئيس الوزراء إلى اغتنام "الفرصة الأخيرة" للخروج من السلطة دون عنف وتجنب "حرب أهلية".
وقال "حزب أرمينيا" المزدهرة أكبر تشكيلات المعارضة: "ندعو نيكول باشينيان إلى عدم قيادة البلاد إلى حرب أهلية وإراقة دماء"، مضيفا "لدى باشينيان فرصة واحدة أخيرة للمغادرة من دون حدوث أي اضطرابات".
وقال فازغين مانوكيان، الذي تريد المعارضة تعيينه رئيساً للحكومة: "سنبقى هنا! فليأتِ (باشينيان) وسنملي عليه مطالبنا.
من جهتها اكدت موسكو دعمها للحفاظ على النظام والهدوء في أرمينيا وتسوية الوضع ضمن إطار القانون حصرا.. بينما دانت أنقرة ما وصفته بمحاولة الانقلاب ودعوات العسكريين لاستقالة الحكومة.
و أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، تأييد بلاده الحفاظ على الهدوء والنظام في أرمينيا. وذكر بيان صادر عن الرئاسة الروسية (الكرملين)، ، أن بوتين وباشينيان بحثا خلال اتصال هاتفي المستجدات الأخيرة في أرمينيا بعد دعوة الجيش الحكومة للاستقالة.
ومع دخول موسكو على خط الأزمة السياسية في أرمينيا، أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اتصالاً هاتفياً مع نظيره الأرميني آرا أيفازيان، أعرب خلاله عن أمل بلاده في تسوية الوضع ضمن مجرى سلمي، ومؤكداً أنّ روسيا تنظر إلى ما يجري على أنه شأن داخلي أرميني.
بدوره أعلن الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف أن أرمينيا ستجد نفسها في وضع أكثر حرجا في حال عدم تنفيذها شروط اتفاقية إقليم ناغورني - قره باغ.
وأشار علييف إلى أن ما يحدث في يريفان هو شأن داخلي لأرمينيا، وأعرب عن أمله في ألا تؤثر هذه الأحداث على تنفيذ البيان الثلاثي بشأن قره باغ.
من جهتها ، دعت الولايات المتحدة إلى "ضبط النفس" في أرمينيا وحضّت القوات المسلّحة الأرمينية على "عدم التدخل" في الشؤون السياسية للبلاد. وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس "نتابع الأوضاع عن كثب"، وأضاف "نحض كل الأطراف على ضبط النفس وتجنّب أي تصعيد أو أعمال عنف"، مشدداً على ضرورة "عدم تدخّل القوات المسلحة في الشؤون السياسية الداخلية"
كما أعلن حلف شمال الأطلسي "الناتو" أنه يتابع عن كثب التطورات في أرمينيا وشدّدت المتحدثة باسم الحلف، أوانا لونجيسكو، في تغريدة عبر "تويتر" على ضرورة أن تتجنب الأطراف في أرمينيا التصريحات والأعمال التي من شأنها تصعيد التوتر. وقالت لونجيسكو إنه "يجب حل الخلافات السياسية سلمياً ومن خلال الديمقراطية بما يتوافق مع الدستور الأرميني".
كما دان وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو بشدة ما وصفه بأنه محاولة انقلاب على رئيس الوزراء الأرميني، مبيناً أنه ليس من المقبول أن يطالب الجيش باستقالة زعيم منتخب ديمقراطياً.
وخلال مقابلة مع باشينيان امس الاول ، ألقى اللوم في هزيمته على رئيس الجمهورية السابق، سيرج سارغسيان، الذي اشترى صواريخ "إسكندر" Iskander الروسية، والتي انفجر منها فقط 10% أو أقل، وفقاً لباشينيان.
إلا أن ذلك التصريح أثار سخرية وضحكا على الملأ من نائب رئيس الأركان العامة لأرمينيا، تيران خاتشاتريان، وكذلك ممثل الجيش الروسي، الذي أعلن أنه لم يستخدم صاروخ "إسكاندير" واحد في الحرب الأخيرة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أي استخدام لـ "إسكاندير" كان سيتسبب في حرب مباشرة بين أرمينيا وأذربيجان، وليس مع إقليم قرة باخ.
من جهته، اشار المحلل السياسي ألكسندر نازاروف الى ان الأزمة في أرمينيا هي جزء من أزمة النظام العالمي القديم المنتهية ولايته، حيث تزداد حدة العلاقات بين القوى العظمى، وتقل فرص البلدان الصغيرة للمناورة فيما بينها، سعياً منها للجلوس على حصانين في نفس الوقت. الآن حان الوقت لاتخاذ مواقف أكثر تحديداً، وهو ما سيؤثر على قدرة الدولة في البقاء على قيد الحياة. فالأزمات على شاكلة الأزمة الأرمينية هي أزمات ناتجة عن التناقض بين المصالح الاقتصادية والحيوية الأخرى للبلاد وخضوع النخبة الحاكمة لواشنطن ومطالباتها، التي تزداد صعوبة تنفيذها يوماً بعد يوم.
فالأزمات على شاكلة الأزمة الأرمينية هي أزمات ناتجة عن التناقض بين المصالح الاقتصادية والحيوية الأخرى للبلاد وخضوع النخبة الحاكمة لواشنطن ومطالباتها، التي تزداد صعوبة تنفيذها يوماً بعد يوم.
وفي السياق، أكد رئيس مركز الأمن الدولي في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أليكسي أرباتوف، أن استقالة رئيس الوزراء الأرمني حتمية، ولن تؤدي التطورات إلى حرب أهلية في الجمهورية. وقال أرباتوف لوكالة "نوفوستي": "هذا أمر حتمي تماما، والسؤال الوحيد هو متى وبأي طريقة. ولا مفر منه ولا شك فيه".
وكان معارضو رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان قد اعلنوا عن عزمهم على عدم مغادرة ميدان الحرية، وسط يريفان، والبقاء فيه ليلاً للمطالبة باستقالته وقال منسق "حركة إنقاذ الوطن" المعارضة إشخان ساغاتيليان،: "كونوا مستعدين، عند الضرورة سنبات بهذا الميدان".
تعليقات: