جان العلية (مدير عام إدارة المناقصات)
ردّت المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء على كتاب وردها من إدارة المناقصات، حول تطبيق قانون حق الوصول إلى المعلومات بما يلي: لو أُرسل الكتاب إلى الأمانة العامة كان سيُردّ شكلاً، لأنّ أصول مخاطبة الأمانة العامة لمجلس الوزراء تفترض تقديم الكتاب من خلال رئيس التفتيش المركزي. مع التحفّظ على الجواب في المضمون، وبالرجوع إلى قانون حق الوصول إلى المعلومات لا يتبيّن وجود هذا الشرط الشكلي، فهل الأمر شكل آخر من أشكال التفسير بالإضافة؟
نصّت المادة 56 من الدستور اللبناني على أن لرئيس الجمهورية صلاحية إصدار المراسيم ونشرها، والطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أيٍّ من القرارات التي يتّخذها المجلس خلال 15 يوماً. وقد ورد في الفقرة الأخيرة من هذه المادة: «يُعتبر القرار أو المرسوم نافذاً حكماً ووجب نشره....». بالرجوع إلى المرسوم الاشتراعي رقم 9 تاريخ 21/11/1939، المتعلّق بتعيين الموعد الذي تصبح فيه القوانين والمراسيم نافذة، يتبيّن ومن خلال النص في مادته الأولى، أنه في حالة الضرورة، يمكن تقصير المهل المتعلقة بنشر القوانين والمراسيم والقرارات، والقرارات هي من النصوص الواجبة النشر.
تسند المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء إلى المادة 22 من مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء رقم 2552/92، الذي يمنع إعطاء نسخ عن محاضر مجلس الوزراء، ويسمح للوزراء فقط بالاطلاع عليها.
في المبدأ، عند تعارض الأحكام بين قانون ومرسوم، تُطبَّق أحكام القانون، عملاً بقاعدة تسلسل القواعد القانونية، لأن للقانون الصادر عن السلطة التشريعية قوةً تفوق قوة المرسوم الصادر عن السلطة التنفيذية. يُضاف إلى ما تقدّم، أن القانون المتعلق بحق الوصول إلى المعلومات صدر في وقت لاحق لصدور المرسوم رقم 2552/92، وهو يتضمّن في مادته الرابعة والعشرين نصاً صريحاً بأن تُلغى جميع النصوص المخالفة لأحكامه أو لا تأتلف مع مضمونه.
أُقر القانون رقم 28 تاريخ 10/02/2017، المتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومات، في إطار موجة التشريع التي تستجيب للاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات التي تكرّس حق الاطلاع والشفافية المطلقة كقاعدة عامة، لا تجوز الاستثناءات عليها إلّا في حالات خاصة توجد معها أسباب تبررها. هنا نذكر نص المادة العاشرة من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تُلزم الدول المنضوية تحت لوائها، ومنها لبنان، اتخاذ ما يلزم من تدابير لتعزيز الشفافية في إدارتها العمومية، بما في ذلك عملية اتخاذ القرارات.
لماذا الامتناع عن موجب دستوري وقانوني أكدته المادة 52 من الدستور اللبناني؟ والمادة الأولى من المرسوم الاشتراعي رقم 9 تاريخ 21/11/1939، وهو نشر مقررات مجلس الوزراء كما المراسيم.
أين السرية في مداولات تتعلق بأكثر عمليات الشراء العام في لبنان إثارةً للجدل والتباساً، وقد صدرت فيها قرارات ظنية واتهامية تمحورت حول فيول مغشوش وتزييف عينات وفحوصات؟ ونُشرت في الإعلام بالوثائق والأسماء.
هل كان المطلوب من المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء أن تعود إلى المداولات وتستنتج منها أن الشركة اللبنانية تستطيع المشاركة في مناقصات الفيول إذا كانت عالمية؟ أو أن تفرج عن المداولات لمعرفة ما إذا كانت المشاركة في المناقصة محصورة في الشركات العالمية؟ ومن أصرّ على هذه الحصرية في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية؟
لمصلحة من تضع المديرية العامة مثل هذه التفسيرات التي تقرّ بأنها من خارج اختصاصها؟ هل من المناسب من الناحية المعنوية والأخلاقية، أن تتحدث مراجع رسمية لبنانية أولاً عن الشركات العالمية؟ ثم استطراداً عن الشركات اللبنانية؟ علماً أن روّاد العولمة لم يتخلّوا عن اقتصادياتهم ومبادئهم.
بالرجوع إلى المادة الخامسة- الفقرة ب- البند 3، من قانون الحق بالوصول إلى المعلومات، التي تسند إليها، ولا تستند عليها المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء، نسجل ما يلي: جاءت المادة الخامسة تحت عنوان المستندات غير القابلة للاطلاع، أي الاستثناءات التي تفسّر وفقاً للفقه والاجتهاد بشكل حصريٍ ضيق. فعددت المعلومات في الفقرة (أ) أولاً واحدة واحدة، وعددت في الفقرة (ب) المستندات، فنصّت في البند ثالثاً على مداولات مجلس الوزراء معطوفة على قراراته التي يعطيها الطابع السري.
إن حرف الواو الذي استعمله المشرّع هو واو العطف فالجمع، ولو شاء فصلَ المداولات عن المقررات لاستعمل نقطة إلى السطر كما فعل في بنود الفقرة (أ) أو فاصلة داخل البند، كما حصل في البند (1) من الفقرة (ب) عندما وضع فواصل قبل حرف الواو.
من ناحية أخرى، فإن مصادر الأمانة العامة لمجلس الوزراء تقول لجريدة «الأخبار» بتاريخ 25 شباط 2021، ضمن مقالة كتبها الصحافي إيلي الفرزلي، إن مداولات مجلس الوزراء مصنفة سرية بالمطلق، وتسند ذلك إلى المادة 22 من المرسوم رقم 2552/92. بالرجوع إلى هذه المادة، يتبيّن أنها تنص على أن تُحفظ المحاضر الأصلية ونسخ عنها في المكان المخصص لحفظها، وفقاً للأصول، ولا يجوز إعطاء أي نسخة عنها لأحد، على أنه يحق لكل وزير الاطلاع شخصياً على محاضر مجلس الوزراء. إذا كانوا فسّروا ذلك، أو فهموا المقصود من ذلك بأنه السرية، فهذه السرية سقطت مع صدور قانون حق الوصول إلى المعلومات بصراحة نصه لمخالفة أحكامه، وبلغة القانون الذي يعلو المرسوم ويطبّق على الجميع بدون استثناء.
في المقال ذاته تُذكِّر الأمانة العامة لمجلس الوزراء بالقاعدة القانونية التي تقول بأن لا اجتهاد في معرض النص القانوني الواضح الصريح، وهذا أمر متّفق عليه، وكان يجب على الأمانة العامة تطبيقه على المادة 24 من قانون حق الوصول إلى المعلومات، والتي تنص صراحة على إلغاء كافة الأحكام المتعارضة مع مضمونه. إلا أنها وبدل أن تطبّق القاعدة القائلة بأن لا اجتهاد حيث النص صريح، ذهبت إلى الاجتهاد حيث لا نص، وأسندت ولم تستند إلى المادة 17 من المرسوم رقم 2552/92، المتعلق بتنظيم مجلس الوزراء، حيث لا يوجد أي نص قانوني يتعلق باعتبار المداولات سرية، واعتبرتها سريةً لأنها «سرية أساساً»، من دون أن توضح لنا أي أساس هو الذي يعتبر السرية هي القاعدة والعلنية هي الاستثناء؟ كما أسندت أيضاً إلى ما ورد في المادة 17 من إعطاء القرارات الطابع السري بالمواضيع، سواء كانت عادية أو أساسية بالأكثرية المطلوبة دستورياً لإقرارها، لتستنتج أن كل المداولات سرية لعدم النص على طريقة اعتبارها سرية، أليس أقرب إلى المنطق القانوني استنتاج أنها تعتبر سرية بالطريقة ذاتها التي تعتبر بها القرارات؟
إن المداولات مرتبطة بالمقررات، ومبررات إعطاء المقررات الطابع السري لا تختلف في معظمها عن مبررات إعطاء المداولات الطابع السري، إلّا إذا كانوا يصرّون على تضليل الرأي العام عن حقيقة مداولات مجلس الوزراء بأن يعمد كل وزير إلى تسريبها وفقاً لأهوائه، فيما الأمانة العامة لمجلس الوزراء تلتزم الحياد السلبي بحجة السرية ما يقوّض الثقة بمؤسسات الدولة وأجهزة الحكم.
أخيراً يصبح مشروعاً السؤال هل يريدون إقامة مراسم دفن موجب التعليل، أي حق الوصول إلى أسباب القرارات الإدارية غير التنظيمية، الذي كرسته المادتان 10 و11 من قانون حق الوصول إلى المعلومات، في المداولات التي صنّفوها سريّة، فتصدر المقررات من دون أن يعرف الرأي العام أسباب صدورها؟
* مدير عام إدارة المناقصات
تعليقات: