انتظارات» الجرمق: لكي تصبح بلدة لأبنائها

قصر «نورا» كما سيُطلق عليه بعد إنجاز بنائه
قصر «نورا» كما سيُطلق عليه بعد إنجاز بنائه


وعود عرقوبية من السياسيين بإعادة الأراضي ووحدها قطر بنَت لهم كنيسة..

8 سنوات مرّت على التحرير ولا يزال أهالي بلدة الجرمق ينتظرون العودة إلى بلدتهم التي بيعت أراضيها الزراعية إلى مستثمرين كبار خلال فترة الاحتلال، ولم يتقاضَ أصحاب المنازل تعويضاتهم التي تسمح لهم بإعادة بناء «نواة بلدة»

كامل جابر

كلما لاح في الأفق كلام عن عودة المهجّرين، استعرض أبناء بلدة الجرمق (قضاء جزين) مختلف الأفكار أو التخمينات حول قرار أو خطة ما لدى الدولة اللبنانية تعيد الهوية الفعلية للقرية التوّاقة إلى أهلها، المهجرين منذ 32 عاماً، لتدبّ الحياة من جديد بين تلالها وسهولها.

خطَّ التحرير عيده الثامن، ليطفئ ثماني شموع تساوي سنوات مماثلة بنهاراتها ولياليها من أحلام أبناء القرية الذين غرّبتهم إسرائيل عنها قسراً عام 1976 بسبب العدوان المستمر عليها، ثم كلياً بعد سنتين بسبب تدميرها عن بكرة أبيها، ولم يبقَ في حينه غير أطلال من بيوت متواضعة كانت لمزارعين يعملون ويعتاشون من السهلين المجاورين: الجرمق والميذنة. استعاض البعض ببيوت جديدة في محلّة العرقوب التابعة عقارياً للجرمق عند ضفتها الشمالية، بديلاً عن الضيعة القديمة التي دمّر العدوان كنيستها وكلّ ما يرمز إلى القديم.

■ أحلام الأصول وأوهام الفروع

ظنّ أبناء القرية أن البيوت المتواضعة بعددها في محلة العرقوب، مع ما بني في سنوات الاحتلال المباشر، سيمثّل نواة القرية التي قد تكوّن حافزاً لإعادة بناء الجرمق «الحلم» وانتشارها مجدداً. وكان الرهان على أموال تعويضات يجب أن يدفعها مجلس الجنوب لمن كان يقطن البيوت القديمة من الأصول، مع مبالغ أخرى قد تطال الفروع، أسوة بالآلية التي اتّبعت في سجد، البلدة الجارة.

لكن، بعد 8 سنوات من تاريخ التحرير، لم تتقاضَ الأصول أيّ تعويض وبقيت أحلام الفروع تدور في فلك البحث عن هوية للجرمق، وخصوصاً بعدما لاحت في الأفق مشكلة «عويصة» تمثّلت في أن من كان يملك سابقاً معظم عقارات البلدة التي يعمل فيها أهل الجرمق، باعها إلى مستثمرين وتجار من خارجها من دون مراعاة حق السكان والمزارعين في الشراء قبل غيرهم.

يذكر أن الدولة اللبنانية كانت قد منحت الجرمق هوية البلدة من خلال مجلس بلدي تحقق عام 2004 يتألف من تسعة أعضاء، مع مختار جديد ومجلس اختياري. واقترع الأهالي يومها، 23 أيار 2004، في «كونتينر» قرب العين القديمة، بسبب عدم وجود مركز للبلدية أو مدرسة أو حتى كنيسة. فالأخيرة كان الاحتلال قد دمرها عام 1980.

وجرت محاولات يتيمة لبناء بعض البيوت في محلة العرقوب على نفقة أصحابها، وصل عددها اليوم إلى 33 بيتاً، يقر البعض بأن عدداً منها تحقق بمبالغ أولية من تعويضات مجلس الجنوب، التي لم تكتمل حتى اليوم، ما اضطر أصحابها إلى استكمالها على نفقتهم الخاصة.

وبسبب صغر مساحة الأرض، التي يملكها مستثمرون كبار، فكّر أبناء البلدة في بناء تعاونية سكنية على مساحة 396120 متراً مربعاً لتكوّن قرية نموذجية على أنقاض قريتهم، بانتظار حصولهم على بعض التعويضات عن المنازل المدمرة؛ بيد أن أحلامهم لم تزل أضغاثاً بسبب غياب التعويضات، أو حتى خطة قد تشجع على عودة تحتاج إلى مبالغ طائلة لنحو 2500 نسمة تمثّل عائلات البلدة التي يعمل أربابها اليوم، بالوظيفة أو بمهن «على قدّ الحال».

■ قصر نورا

رغم هذا الواقع، يعاند كريم نورا أعوامه الثمانين ليبني بيتاً يستره مع زوجته بعدما حطّ به الترحال «أخيراً في مسقط رأسي الجرمق». تنقّل نورا من حارة حريك إلى برمانا، فبعبدات، ضهور الشوير، ضهر الصوان، ثم برمانا، فميرنا الشالوحي «ولم أجد أفضل من العودة إلى أرض المهد الجرمق بعدما سُدّت بوجهي السبل. بدأت بتركيب حجارة فوق حجارة وبعض الصخور على الطريقة البدائية، على أرض موروثة لي ولإخوتي العشرة بحثاً عن السترة».

يوزع نورا بعض أثاث منزله في محيط المنزل الذي لم تزل الطريق إليه وعرة «ما تسبب بوقوع زوجتي مرتين وكسر رجلها. لكنني أشكر كل من ساندني في بناء هذا المنزل المتواضع، وخصوصاً المطران شكر الله الحاج وبعد الانتهاء سوف أسميه قصر نورا».

«بعد 8 سنوات من التحرير لا داعي لأن نعود إلى بدايتها، وخصوصاً بعدما عدنا من التهجير لنجد أن الأرض التي حرثناها بالآلات البسيطة، بالمعول والرفش والفدّان مبيعة لناس لا تعنيهم من قريب أو بعيد. جميلة كانت أحلام أبناء البلدة في العودة والبناء، لكننا بعد سيل الوعود والمراجعات بتنا كالشحادين على أبواب المسؤولين، وهذا ليس من شيمنا، لذلك سلّمنا بالأمر الواقع ورضخنا لقدرنا المحتوم»، بحسب مختار الجرمق نبيل شديد.

ويسأل شديد «معالي الأستاذ عدنان القصار عما تعنيه الجرمق ليشتري معظم أراضيها ويحرمها لإخوته أبناء الجرمق؟ أتهمه بأنه يأخذ من درب إخوته بهدف الربح، لأننا رحنا لنشتري فعلمنا أنه اشترى المتر بثلاثة دولارات، ونحن نعلم علم اليقين أنه اشترى المتر بـ65 سنتاً، وهي لا تساوي أكثر من ذلك. الجنة من دون ناس لا تداس، فكيف إذا كانت ضيعة من دون ناس؟».

ويطالب شديد «بأن نعامل أسوة بأبناء جارتنا سجد الذين تلقّوا التعويضات عن الأصول والفروع، بقرار من مجلس الجنوب، وبرغم كل مراجعاتنا لم نلبّ، حتى جاءت قطر لتحقق حلم الأهالي ببناء كنيسة. نحن أشد الشاكرين لسمو أمير قطر الذي سيعيد بناء الكنيسة التي شيدها الأهالي عام 1913 وهدمتها إسرائيل عام 1980، ما سيشجع الناس أكثر على العودة، ويصبح لدينا، على الأقل، سقف كبير يؤوينا».

يتابع: «عُدنا من عند دولة الرئيس نبيه بري بنحو 20 ألف دونم من أرض شقيقة زوجته التي اشترتها في الجرمق، وتقوم البلدية بتخليص الأمر حتى يتسنى لنا امتلاك بعض القطع التي قد تشجعنا على البناء مجدداً. وكذلك وعدنا الشيخ سعد الحريري ببناء القرية إما على حساب دولة صديقة أو على نفقته الخاصة، ونحن برغم شكرنا للجميع لم نر شيئاً ولا نزال ننتظر».

لم تستطع بلدية الجرمق القيام بأي مشروع لافت، حتى الجسر الذي يوصلها بكفررمان ومنطقة النبطية، دمره العدوان في 12 تموز 2006، لم تكن للبلدية علاقة في إعادة بنائه. أمّا ما يدخل إلى صندوقها من مخصصات الصندوق البلدي المستقل فيكاد لا يكفي ريّ مزروعاتها. والمياه ينقلها الأهالي من مشروع قرب «عين الجرمق» أو من جارتها كفررمان بالغالونات، بعدما كانت البلدة تشرب سابقاً من مياه نبع الطاسة، وللتعويض بدلاً من شبكة جديدة تصله بالنبع الذي يروي منطقة النبطية، بنى مجلس الجنوب بئراً لم تجهز حتى الآن.

وبرغم كل ذلك «نحن مستعدون لتأمين الأرض بكل ما أوتينا من قوة، شرط أن نحصل على وعد بالتعويض على الأصول والفروع، من أجل تحقيق حلم عائلات البلدة في نحو 350 منزلاً في الجرمق. ويكفينا بذلك تكاليف شهر واحد من سفر الوزراء، أو بلا أسبوع من القيمة المضافة على الخلوي».

يختم شديد: «عدنا إلى الجرمق بعد أيار العام 2000 لنجد لافتة تشير إلى البلدة، وبعد مسيرة 8 سنوات من البحث والمراجعات، لا يتوافر لنا إلا اللافتة. وكأنه كُتب على نحو 2500 إنسان أن يبحثوا عن هوية أخرى لبلدة تضمّهم تحت فيء أشجارها... فليحسبونا من الأرمن، من الفلسطينيين أو حتى من البدو الذين يسكنون اليوم في بيوت ويتوزعون في أحياء، أو فليرسلونا إلى دولة تهتم بنا»، يقول المختار شديد

حركة إعمار متواضعة في ما يملكونه من أراض
حركة إعمار متواضعة في ما يملكونه من أراض


تعليقات: