الزحمة في «سوق الإثنين» في النبطيّة
«اشترِ حذاءً واربح ربطة خبز»... والبيع بالتقسيط..
عادت سوق الملابس والأحذية المستعملة إلى الازدهار، بعدما كانت قد اختفت لفترة طويلة. ويبدو أنّ التهافت الكبير عليها قد دفع بالعديد من التجّار للتنافس على حجز أماكن لهم في الأسواق الشعبيّة الجنوبيّة ومن ضمنها «سوق الاثنين» في النبطيّة..
متابعو حركة الأسواق الشعبيّة يجزمون بأنّ عودة ظاهرة البسطات إليها بكثافة، مردّها إلى الأحوال الاقتصادية المتردّية التي يعانيها غالبيّة اللبنانيّين، إذ «يمكن من خلال هذه الأسواق شراء 3 قطع من الملابس بألفي ليرة فقط، فيما لا يكفي هذا المبلغ لشراء زر قميص لقطعة جديدة»، حسبما يقول أحد التجّار في النبطيّة.
أكثر من 10 بسطات بالية تنتشر بشكل لافت في «سوق الاثنين»، «احتلت بجدارة» مكان البسطات التي تعرض البضائع الجديدة. تسبق الوصول إليها هتافات يردّدها الباعة، بصياح يملأ الساحة، «يا أبو العيلة، 3 قطع بألف ليرة». وبين كثرتها وصياح باعتها يتزاحم عشرات المواطنين يقلّبون البضاعة ويختارون ما يحلو لهم منها وما يتناسب مع أوضاعهم المعيشيّة.
35 عاماً من مزاولة مهنة بيع الأحذية المستعملة، جعلت لحسن زيات من طير دبا، والمتنقّل من سوق إلى سوق، زبائن يقصدونه أينما حلّ. أمّا عن بضاعته، فيقول: «على الذمّة ألمانيا وبلجيكا، وأبيعها بأسعار تراوح بين 5 آلاف ليرة و25 ألف للحذاء النظيف». ويضيف: «بسبب الأوضاع المادية الصعبة للناس صرت أبيع بعض زبائني الموثوق بهم بالتقسيط. أمّا مردوديَ اليومي من السوق الشعبيّة، فيراوح بين 500 و700 ألف ليرة يمكن أن تكون قيمة الربح فيها نحو 100 ألف ليرة، أدنى بقليل أحياناً أو أكثر بقليل في أحيان أخرى»، مشيراً إلى أنّه اختار هذه المهنة لأنّ «رأسمالها قليل، والفقر وقلّة الأموال جعلتني ألجأ إليها».
عند زاوية أخرى من السوق يقف خالد عبد الغني، القادم من مخيم عين الحلوة قرب صيدا، على كرسي ليراقب مَن دخل حدود بسطته التي شهدت ازدحاماً لافتاً بعد العرض الذي أطلقه: «اشترِ حذاءً أو قطعة ملابس واربح ربطة خبز».
يقول خالد إنّ «مردّ الازدحام حول بسطتي يعود للنوعية التي أبيعها، فمعظم الملابس والأحذية جديدة وماركات معروفة يعني باب أوّل... ومعروف أنّ البضاعة الأوروبية أفضل من تلك الصينية الموجودة في الأسواق». ولدى سؤاله عن الأسعار، يوضح: «لكلّ قطعة سعرها الخاص، وهي تراوح بين ألف ليرة و15 ألف ليرة، بحسب نظافتها، ويمكن أن أساير زبائني إذا اشتروا كمية من البضاعة».
يبيع قاسم قميحة من بلدة كفرصير، وهو أب لأربعة أولاد، الألبسة المستعملة منذ 3 سنوات، بعدما قرّر معلّمه، حيث كان يعمل في مرفأ بيروت، بيع كمية الألبسة المستعملة التي يملكها في أسواق شعبية في المناطق اللبنانية. يقول: «نهار الاثنين أشارك في سوق النبطية، والخميس في سوق بنت جبيل، وفي بعض الأحيان أفضّل ألّا أعمل بسبب ضعف السوق، فأستعيض عن هذا العمل بعملي الأساسي في مرفأ بيروت كحمّال». ويضيف: «في بنت جبيل السوق أفضل، ربّما بسبب الفقر في تلك المناطق الجنوبيّة، أو لوجود عدد كبير من المزارعين الذين يشترون الألبسة البالية للعمل في الحقول، ولكن أحياناً لا أذهب لعدم توافر البنزين»، مشيراً إلى أنّه يعمل «من السابعة صباحاً حتى الثانية ظهراً، والمردود 70 ألف ليرة فقط لا غير، نصف المبلغ لشريكي، وأدفع 5 آلاف ليرة للبلدية و10 آلاف ثمن بنزين للسيارة، فيبقى لي مبلغ زهيد قد يكفي لشراء خبز وخضر للأولاد».
أما عدنان عبد الرحمن الذي يبيع أحذية بالية «مستوردة من ألمانيا وبلجيكا»، فقد بدأ العمل في هذه التجارة منذ 15 سنة، «في سوق الأحد في بيروت، ثم في شحيم، وقد قصدنا النبطية منذ 3 سنوات، ونحن نملك محالّ في الضاحية الجنوبيّة لبيروت. إلّا أنّ التجارة كانت مربحة في السابق أكثر، ولكن المضاربات الكثيرة غيّرت مجرى الأمور، كما أن قرار منع استيراد الملابس المستعملة قد أثّر علينا قليلاً، والسبب يعود لشكوى تجار الملابس الجديدة».
ويوضح عبد الرحمن أنّ «تكلفة الشحنة (14 طناً) الآتية من ألمانيا 18 ألف دولار أميركي كحد أدنى. حتى أسعار الأحذية البالية قد ارتفعت بسبب ارتفاع أسعار اليورو، فالقطعة المبيعة في السابق بألفين، تباع الآن بـ5 آلاف، ورغم قلّة الأرباح أنا أعيش مرتاحاً وأصرف على أهلي في الوقت نفسه».
بعض قاصدي بسطات البالية يغنم بقطعة مميزة من الثياب أو الأحذية، فيغادر السوق متأبطاً «صيده الثمين» الذي وجّه من خلاله طلقة تحدّ متواضعة إلى صدر الفقر والعوز، أو حتى غلاء المعيشة... لعلّ ما وفره من ثمن قطعة شبيهة جديدة يسدّ رمق الخبز وبعض الجوع.
تعليقات: