المصارف تتنافس على اللولار: بدعة لخداع المودعين ومراكمة الأرباح

تميل كفّة الصراع لصالح المصارف القادرة على تأمين سيولة دولارية (علي لمع)
تميل كفّة الصراع لصالح المصارف القادرة على تأمين سيولة دولارية (علي لمع)


ساهمت الفوضى الحاصلة في تسعير الدولار، في تضخيم السوق السوداء وازدهار أعمال غير شرعية قانوناً، وأخرى شرعية وقانونية وإن كانت غير أخلاقية، في ظل الأزمة المستفحلة في البلاد. وتُعتَبَر المصارف من أبرز القطاعات التي تستغل الفرص لمراكمة الأرباح، بعيداً من أي اعتبار أخلاقي وأحياناً قانوني. وتُشكِّل عملية احتجاز أموال المودعين، زبدة الممارسات غير الأخلاقية والقانونية. ويأتي تحتها سلسلة من الممارسات التي تزيد الخناق على المودعين وتبتزّهم لتحرير فتاتٍ من ودائعهم.


ابتزاز جديد

ظهر مصطلح "لولار" أو الدولار اللبناني، والذي يجمع بين الليرة والدولار، في محاولة للتعويض على المودعين الذين احتجزت ودائعهم الدولارية، وبات سحبها بالليرة بلا قيمة. فحاولت المصارف إغراء المودعين لتخفيف غضبهم، بتحويل ودائعهم الدولارية إلى "لولار"، عن طريق زيادتها بنسبة معيّنة وصلت في بعض الأحيان إلى الضعف. إلاّ أن تلك المبالغ لا يمكن تسييلها كاملة ولا تحويلها إلى الخارج، بل يمكن إطفاء دين بها، أو سحب جزء منها بالدولار والباقي بالليرة. على أن يُشطّب أصل المبلغ عند نفاده إسمياً.

غاب الـ"لولار" عن المشهد بعد تأزّم الوضع ووصول سعر الدولار إلى نحو 11 ألف ليرة، فيما قيمته مصرفياً تساوي 3900 ليرة، وسعر الصرف الرسمي ما زال 1500 ليرة. وتراجعت حركة التحويلات من الخارج عبر المصارف نظراً لانعدام الثقة بها. لكن المصارف أعادت ضخَّ الحياة إلى الـ"لولار" عبر استمالة المودعين لسحب الدولار النقدي. لكن بمعادلة حسابية أقلّ ما يُقال فيها أنها ابتزاز. إذ كَشَفَ الخبير الاقتصادي دان قزّي أن بعض المصارف غير المعروفة كثيراً، تقوم باستدراج الناس لتحويل الـ"لولار" من مصرف آخر إلى خزائنها، مقابل السماح لهم بسحب 28 بالمئة من ذلك المبلغ، بالدولار النقدي. ويشير قزّي في حديث لـ"المدن" إلى أن "هذه المصارف كانت تسمح قبل بضعة أشهر بسحب الدولار وفق نسبة 35 بالمئة. وعليه، كان المصرف يشتري وديعة اللولار بـ35 بالمئة من قيمتها، فيما اليوم يشتريها بـ28 بالمئة، فيربح بذلك 7 بالمئة".

بتعبير أبسط، مَن يملك 1000 لولار في أحد المصارف، يحوّلها إلى المصرف صاحب العرض، ويسحبها بالدولار النقدي بقيمة 280 دولاراً، بعد أن كان يسحبها 350 دولاراً.

وتلجأ المصارف إلى تقليص نسبة السحب نظراً لتدهور الأوضاع وعجزها عن تأمين الدولار وأحياناً الليرة، وفق سقوف السحوبات المعمول بها. فيختار صاحب الوديعة بين إبقائها في المصارف وتكبّد المزيد من الخسائر في قيمتها مع تراجع سعر صرف الليرة، وإما سحب جزء منها بالدولار، وتبديله في السوق السوداء، وتعويض جزء من الخسائر بالليرة.


مصارف كبيرة

لم تقف المسألة عند المصارف الصغيرة، إذ تكشف مصادر مصرفية أن "بعض المصارف الكبرى في لبنان تقوم بهذه العملية منذ أشهر، ومن بينها مصارف باعت فروعاً لها في الخارج مؤخراً". وتضيف المصادر في حديث لـ"المدن"، أن "أحد المصارف يتواصل مع بعض زبائنه ليقوموا بتحويل اللولار إلى خزائنه، مستفيداً من ضعف السيولة لدى البنوك المنافسة".

وتشرح المصادر أن "المصارف الكبيرة تستفيد من زيادة مؤنتها بالدولار، ويتحوّل هذا الدولار بعد شطبه من حساب الزبون بفعل سحبه إسمياً بنسبة 28 بالمئة، إلى دولار كامل لصالح المصارف بنسبة 71 بالمئة، يمكن استعماله في زيادة رأس المال، أو تحويله إلى الخارج لصالح أصحاب المصارف، أو إطفاء ديون متراكمة على المصارف في الداخل أو الخارج أو أي عملية أخرى".


فائدة أم صراع؟

تختلف النظرة إلى العرض المقدَّم من المصارف، وتتأرجح بين مَن يعتبرها صراعاً على الودائع، تميل كفّته لصالح المصارف الكبيرة القادرة على تأمين سيولة دولارية لأصحاب حسابات اللولار، لتستفيد بذلك من الجزء الأكبر من المبالغ، وتساهم بالتالي في ضرب المصارف الأخرى، وبين من يعتبرها خطوة ذات ربح مشترك، حيث أن بعض المصارف لم تعد تملك القدرة على تأمين الدولار والليرة لتغطية سقوف السحوبات، فيساهم انتقال اللولار إلى مصارف أخرى، في تخفيف ضغط السحوبات.

ومن ناحية ثانية، قد تستتبع هذه الخطوة قراراً مِن بعض المصارف القادرة على تلبية سقف السحوبات. ويقضي القرار بوقف التحاويل لمنع استنزاف الموجودات الدولارية وإن كانت إسمية. فموجودات المصارف تُحتَسَب وفق ما تسجّله جداولها، حتى وإن كانت عاجزة عن تلبية حجم الطلب على السحوبات النقدية، وهو حال كامل القطاع المصرفي.

تعليقات: