في ساعات الصباح الأولى من يوم أمس، أُغلقت بعض الطرقات بوتيرة أخفّ مما حصل في ما سُمّي «اثنين الغضب»، لكن معظم من قطعوا هذه الطرقات أعادوا فتحها عند التاسعة لغياب تفاعل الناس معهم، لا بل الانزعاج من زحمة السير. فتح الطرقات في مناطق عدة لم يدم طويلاً، ليعاد إغلاقها... برعاية الجيش! ففي جلّ الديب، على سبيل المثال، وفي إطار التحشيد، تناقل قاطعو الطريق شريط فيديو يقولون فيه إن ضابطاً برتبة عقيد قال لهم «إذا صار عددنا 50 شخصاً، فالجيش لن يفتح الطريق. أما إذا بقي العدد قليلاً، فهو مضطر، بسبب الإعلام، إلى فتح الطريق». حصل أكثر من ذلك، فقد أغلق الجيش منذ ليل أول من أمس المسلك الشرقي للأوتوستراد بثلاث آليات عسكرية، وهو ما تكرر صباح أمس حيث أعاد تموضع هذه الآليات في وسط الطريق، ما تسبب بزحمة خانقة لمدة تفوق الساعة قبل أن يأمر مجدداً بفتح خط واحد، لتبقى الزحمة قائمة.
بات واضحاً أن محاولات تحريك الشارع في اليومين الماضيين، جرت برعاية مزدوجة، من البطريرك بشارة الراعي، ومن قائد الجيش العماد جوزف عون. ما فعله حزب القوات في هذا السياق، هو نشر بعض الشبان في الشوارع التي يحظى بشعبية فيها، حتى لا يمسكها غيره، من دون أن يكون هو المنظّم لهذه التحركات. فسرعان ما تبدّلت الشعارات مساء أول من أمس، بعد خطاب قائد الجيش الرئاسي، لتتحوّل الى عبارات ثناء على حكمته و«إنسانيته».
بعض القوى السياسية تفهّمت «حرد» العماد جوزف عون، أول من أمس، وما جاء في خطابه بعد رفض الحكومة والجهات الدولية طلبه بإقرار مساعدة مالية للعسكريين فقط. لكن تحرّك الجيش أمس ودفعه باتجاه إقفال الطرقات ولو بواسطة 5 شبان، يشير الى اتخاذه خياراً سياسياً لم يعد خافياً، ولا هو سعى الى إخفائه. سريعاً، انضم الى جنود بكركي، رغم أن مشروع البطريركية انتهى في اليوم نفسه الذي بدأ فيه، وخصوصاً بعد توجيه الأمم المتحدة رسالة قوية الى الراعي بعدم موافقتها على عقد أي مؤتمر دولي في غياب توافق داخلي. اللافت هنا، وفق مصادر سياسية، أن يذهب العماد عون إلى تبني مشروع منتهي الصلاحية من دون خريطة طريق، وأن يسعى إلى رفع معنوياته عبر كلمات غزل من شباب لا يتعدّون العشرات، فيما الآلاف ممّن علقوا على الطرقات، إن في جبيل أو الزوق أو جلّ الديب أو الدورة، كانوا يوجّهون غضبهم نحو قاطعي الطريق ورعاتهم. وبرزت انتقادات كثيرة لقائد الجيش، بسبب تخلفه عن تنفيذ مهماته بفتح الطرقات وضمان حرية التنقل.
بيّن تقرير المخابرات أن عدد قاطعي الطرق في كلّ نقطة إقفال لا يتعدّى العشرين شخصاً
وبحسب تقرير أعدّته مخابرات الجيش نفسها، تبيّن أن الذين تولّوا أمس قطع الطرقات، من الشمال الى الجنوب، لا يتعدّون الـ 400 شخص. في بيروت، على سبيل المثال، يذكر التقرير أن 5 أشخاص قطعوا طريق الكولا ــــ جامع حمزة بمستوعبات النفايات وأن 15 شخصاً قطعوا طريق الكولا باتجاه كورنيش المزرعة. وفي جبيل، قطع 15 شخصاً الطريق بالإطارات المشتعلة ونصبوا خيماً، وكذلك في الزوق. وفي منطقة الدورة، أغلق 10 أشخاص الأوتوستراد بالإطارات المشتعلة. وقطع 20 شاباً أوتوستراد البالما في طرابلس بالأحجار والإطارات. الأمر نفسه حصل في ساحة العبدة والمحمرة، حيث أغلقت الطريق بسواتر ترابية، فيما قطع طريق برج العرب بواسطة 5 أشخاص.
في موازاة ذلك، تشير المصادر الى تحوّل مهم، وهو منع إغلاق طريق الجنوب، وإعادة فتحه في كل مرة يُقفَل فيها، وبالتالي تعمّد قائد الجيش إزاحة همّ حزب الله عن كاهله، ليتفرّغ لخطّة محاصرة رئيس الجمهورية. رغم أن الرئيس عون دأب منذ يومين على إبلاغ كلّ من زواره على «حسن العلاقة بينه وبين قائد الجيش، وإصداره تعليمات بعدم التعرض للجيش بأيّ طريقة لأنه يدرك أن ثمة جهة ما تريد توريط جوزف عون، وأنه لن يقدّم أيّ مبرر لتسهيل وقوع قائد الجيش في الفخ».
في مقابل ما سبق، كان إغلاق الطرقات الأبرز يتم بواسطة العسكريين المتقاعدين، حيث تنقّلوا بين 4 نقاط: الدورة وجلّ الديب والزوق وجبيل. وهؤلاء على تنسيق دوري مع النائب المستقيل نعمة أفرام المقرّب من البطريرك الراعي. وقد دعا «قائدهم» العميد المتقاعد جورج نادر، إلى العودة إلى الاعتصام في وسط بيروت السبت المقبل، رغم ذلك، كل معطيات الأجهزة الأمنية تركز على ثلاث وقائع:
1- لم يتمّ رصد أي حركة دولية وتواصل خارجي باتجاه أيّ طرف، بما فيها الجمعيات المحسوبة على هذه الجهات.
2- لم يتم رصد أي تواصل مع التلفزيونات للتركيز على قطع الطرق أو «المبالغة» في الأعداد لإيصال رسالة ما.
3- لا كلمة سرّ سياسية للمتظاهرين، إذ إن مناطق كانت تدعم خطاب البطريرك وأخرى تريد إسقاط رئيس الجمهورية، وثالثة تريد استقالة البرلمان، ورابعة تريد تغيير النظام بأكمله. المشترك الوحيد بين قاطعي الطرق أمس كان توجيه التحية إلى قائد الجيش.
ورجّحت مصادر وزارية أن تفتح جميع الطرقات اليوم، علماً بأن قوى الأمن الداخلي كانت أيضاً تتفرّج على قاطعي الطرق، رغم الثمن الكبير الذي دُفِع ليل أول من أمس، بوفاة شابين إثر اصطدام سيارتهما بشاحنة رُكِنت في عرض الطريق، في شكّا، من دون أيّ تحذير للسائقين. وتذرّعت المديرية بأن قاطعي الطرق لم يعتدوا على الأملاك العامة أو الخاصة، فضلاً عن «أن الجيش لم يكن ليؤازرنا لو طلبنا مؤازرة منه، وكنا معاً نحاول معالجة الأمور بطريقة أمنية لا عسكرية»، وفق مصادر «الداخلية». وقالت مصادر وزارية إنه في حال عدم فتح الطرقات اليوم، فسيُعقد اجتماع بين الوزراء المعنيين وقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية، «لنشوف شو بدنا نعمل».
تعليقات: