طوابير أمام محطّات المحروقات: السوق السوداء تتحكّم بالأسعار


البنزين بالقطّارة "بس هالقد فيني عبّيلك"، عبارةٌ لم تعد غريبة على مسامع اللبنانيين المنتظرين في طوابير سياراتهم أمام محطّات المحروقات في أكثر من منطقة. تقنين بيع الوقود بتعرفة مالية لا يتجاوز سقفها الـ20 ألف ليرة للسيارة، لم يمنع محطّات عكار من العمل لساعة واحدة فقط يومياً، كما فتح المجال جنوباً أمام تحكّم السوق السوداء بأسعار المادة الحيوية. وفي الحلقة التي تربط الشركات المستوردة للنفط والموزّعين والمحطّات والمواطن، تغيب الدولة القادرة على ضبط التفلّت وكبح جشع تجّار الأزمات في حماية ضمنية منها لبعضهم.


الغالون بـ40 ألفاً جنوباً

في الجنوب، ممنوع تعبئة "الغالون" حتى لو كانت سيارتك مقطوعة على بعد أمتار من المحطّة، هذا ما حصل مع أحد المواطنين، تنفيذاً لتعليمات أصحاب المحطّة، التي برّر أحد عامليها الأمر بالقول: "عليك الانتظار بالصف". شحّ الوقود يعيده هؤلاء إلى عدم تسلّمهم الكميات اللازمة من شركات التوزيع، مبرّرين بذلك تقنين تزويد السيارات بالبنزين، حيث لا تتجاوز حصّة المركبة الـ20 ألف ليرة وفي بعض المناطق تتدنّى إلى حدود الـ15 ألفاً. والحال كذلك اغتنم التجار في منطقة بنت جبيل الأزمة، فنشطت تجارة بيع البنزين بـ"الغالون" وفق أسعارٍ تحكمها السوق السوداء ليتجاوز سعر "الغالون" سعة 15 ليتراً، الـ40 ألف ليرة.

تعيش مدينة النبطية، أسوأ أزمة بنزين في تاريخها. عادة ما كانت الأزمة تُحلّ خلال أسبوع، أما اليوم فالمعاناة يومية، فيما المحطات مقفلة بالكامل، والحصول على البنزين مرتبط بمقولة "إنت وحظك". ثلاثة أو أربع محطّات على أحسن تقدير تعمل حتى نفاد الكمية، فيما السيارات تشكّل صفوفاً طويلة ولساعات، يضطر خلالها المواطن تحمّل الانتظار، في ما بات اسمه " الذل بعينه". مع ذلك، يرى كثيرون أنّه "لو اعتاد الناس المقاطعة لما وصلنا إلى هذه الكارثة".

وقد أشار صاحب "محطة خميس"، إلى أنّ "الأزمة مردّها إلى تقنين عملية تسليم الفيول من الشركات، التي بالكاد تسلّم المحطات عيّنة واحدة تنفد بعد ساعتين فقط"، مرجّحاً تفاقم الأزمة نتيجة تدهور الأوضاع المالية والاقتصادية.


إشكالات على الوقود في طرابلس

الازدحام أمام محطات طرابلس بدأ مع ساعات الصباح الأولى، إما لتعبئة خزّانات السيّارات، أو من أجل شراء مادة المازوت للتدفئة وتشغيل مولدات الكهرباء وغيرهما، خوفاً من نفاد المادتين من الأسواق، أو استباقاً لارتفاع مرتقب لأسعارهما بعد غد الأربعاء، على غرار ما يحصل أسبوعياً، في الفترة الماضية.

وكما في الجنوب، تكتفي محطّات الشمال بتعبئة خزانات السيارات بكميات يُراوح سعرها ما بين 10 آلاف إلى 20 ألفاً على الأكثر. وتسبّب ازدحام السيارات على محطّات الوقود وامتدادها في طوابير تزيد أحياناً على 100 متر، في إقفال عدد من الشوارع وتوقّف حركة السير في أكثر من منطقة وحيّ في عاصمة الشمال، كما الحال في بولفار فؤاد شهاب والتلّ والقبّة والبحصاص والزاهرية، فضلاً عن وقوع إشكالات بين مواطنين وعاملين في المحطّات، في حين فضّلت محطّات أخرى رفع خراطيمها بانتظار صدور جدول الأسعار بعد غد.


عكّار أيضاً تعيش معاناتها

المعاناة تمتد إلى عكار، والتعرفة موحّدة بين كارتيل المحطّات: تُسمح التعبئة بـ20 ألف ليرة لا أكثر. وفيما عزا أصحاب المحطّات تقنينهم للوقود إلى عدم تمكّنهم من تسلّم المادة من منشآت النفط، أكدت مصادر خاصة لـ"الأخبار" أنّ "هؤلاء التجار باتوا يطمعون بارتفاع الأسعار بشكل أسبوعي، وهو ما يدفعهم إلى تخزين البنزين ومنهم من يعمل على بيعه بالسوق السوداء حيث يصل سعر الـ20 ليتراً إلى 60 ألف ليرة".

لم يتبدّل المشهد للأسبوع الثاني على التوالي، خراطيم مرفوعة وأبواب مغلقة أمام الناس المتهافتين خوفاً من فقدان البنزين وصعوبة تسيير أمورهم. وإن قرّر أصحابها بيع جزء ممّا لديهم يكتفون بفتح أبوابهم لساعة واحدة فقط لا غير من الثامنة وحتى التاسعة صباحاً.

ومنذ يوم الجمعة الماضي، تقفل محطّات قرى بعلبك ــ الهرمل واحدة تلو أخرى، إلى أن اكتمل المشهد عصر الأحد، بإقفال جميع محطّات المحافظة بسبب نفاد المحروقات بنوعَيها، البنزين والمازوت.

ويشكو أصحاب المحطّات من التقنين الذي يُمارس عند تسليم الكميات المطلوبة، إضافة إلى المماطلة في التسليم، حتى الأربعاء، تاريخ صدور جدول الأسعار، الذي يتضمّن ارتفاعاً إضافياً في الأسعار، ما يعني أرباحاً إضافية للشركات المستوردة للمحروقات.

كذلك، ينتقد أصحاب المحطّات في بعلبك ــ الهرمل البيانات التي تصدر من هنا وهناك عن توافر البنزين والمازوت وعن بواخر تفرغ على الدوام حمولاتها متسائلين: «أين هي إذاً تلك الكميات».



تعليقات: