انحلال كبير يعصف السلطة المحلية (علي علّوش)
لا مبالغة بالقول أن مجلس بلدية طرابلس، ارتقى من مستوى مجلس "النميمة" إلى سوية المجلس "المافيوي"، نتيجة تأثر بعض أعضائه بأفلام هوليوود البوليسية، وكأنهم "قبضايات زمانهم"، في ظل غياب واضح لأي حس بالمسؤولية تجاه أهالي المدينة، بينما استهوتهم حالة الفوضى والفلتان الأمني وإشهار السلاح التي تعمّ البلاد.
يوم أمس الاثنين، عند الرابعة عصرًا، انعقدت أول جلسة لمجلس بلدية طرابلس، في قصر نوفل عند ساحة التل، برئاسة رياض يمق، بعد نحو 6 أسابيع من مقاطعة الجلسات، إثر الخلاف الذي نشب بين يمق وبعض الأعضاء، الذين رفضوا التوقيع على عريضة لرفع دعوى باسم المجلس ضد محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا، على خلفية إشكاله مع يمق.
لكن، لم يتوقع أحد أن تنتهي جلسة الاثنين بتفجير القلوب الممتلئة بإطلاق النار.
"المدن" حصلت من عدة شهود عيان، على ملابسات الجلسة التي عجزت حتى القوى الأمنية ومخابرات الجيش التي طوقت قصر نوفل عن ضبطها، قبل بلوغ لحظة إطلاق الرصاص:
بدأت الجلسة عند الساعة 4:30 حتى اكتمل النصاب بـ11 عضوًا، بعد وفاة زميلهم لؤي مقدم متأثرًا بإصابته بفيروس كورونا.
في البدء، ناقشوا أول بند مع لجنة المناقصات، إلى أن حضر بعد دقائق عضو المجلس أحمد العتر (وهو كاتب عدل أيضًا!)، وكان برفقته أحد العمال المياومين بالبلدية (خ.ش)، أدخله معه بالقوة إلى الجلسة.
توجه العتر مباشرة إلى عضو المجلس البلدي أحمد حمزة الملقب بـ"الباشا"، اقترب منه، وسأله غاضبًا: أنت ليه بتحكي بضهري؟
تطورت الملاسنة الكلامية سريعًا بين العضوين إلى تضارب بالأيدي، ولم يفلح زملاؤهم بإبعادهما عن بعضهما البعض، إلى أن تدخل العامل خ.ش. للدفاع عن العتر الذي اصطحبه معه كأنه مرافقه الخاص(!)، فهجم على حمزة، ويحصل التضارب بينهما. وفي لحظات، سارع العامل، الذي لا يتجاوز 25 عاماً، إلى سحب المسدس من خصر حمزة بالقوة، وأطلق ثلاث رصاصات: واحدة بالأرض، وواحدة بين أقدام الأعضاء، وأخرى بالسقف.
ولدى السؤال عن سبب تجوّل حمزة حاملًا مسدسه، يأتي الجواب أنه كغيره من بعض الأعضاء لا يخرجون من دون مسدساتهم، وأن حمزة هو أشبه بمختار منطقة القبة، ويقصده كثيرون هناك لحل المشاكل بالمنطقة.
وبعد انتهاء هذا المشهد البوليسي، استطاع العامل الهروب، بعد أن وقع ضحية استغلاله وتحريضه من قبل العتر، والخوف من تحميله وحيدًا مسؤولية الحادث، بينما سادت حالة من الهلع في قصر نوفل، استدعت بكاء أحد الأعضاء نتيجة الخوف والتوتر من الرصاصات المتطايرة.
إطلاق النار مجدداً
وعلى الفور، حضرت قوة من الجيش اللبناني وفرع المعلومات، لمعرفه ملابسات الحادثة داخل القصر، لكن لم تمض ساعات، إلا وأُطلق النار بإتجاه مكتب كاتب العدل توفيق العتر، الكائن في محلة الجسر، ويرجح أنه على خلفية الاشكال داخل قصر نوفل.
وواقع الحالي، يأتي انفجار هذا الاحتقان بين الأعضاء من جهة، وبينهم وبين يمق من جهة أخرى، بعد أشهر من الخلافات والمكائد، التي تصاعدت حدتها مع إحراق مبنى بلدية طرابلس، إثر ليالي المواجهات بين مجموعة من المحتجين والقوى الأمنية نهاية كانون الثاني 2021 (راجع "المدن").
وبعد أن كشفت "المدن" عن وساطة كان يبادر إليها مفتي طرابلس والشمال، الشيخ محمد إمام، بين الأعضاء، بهدف لمّ شمل المجلس -الذي يعكس أداؤه بالمناسبة صورة مصغرة عن السلطة السياسية– يبدو أنها وصلت لطريق مسدود، ولم يكمل إمام تواصله مع كامل الأعضاء، ما يعني أنه فضّ يده منهم. كما لم تشهد المدينة أي تدخلات سياسية، كما جرت العادة، للجم حدة الخلافات. (راجع "المدن").
"الدنيا فالتة"
في المحصلة، يبدو أن طرابلس متروكة، في ظل غياب سياسي واضح، وتلكؤ أمني، وانحلال كبير يعصف السلطة المحلية، بينما تستشري في المدينة مشاهد الفوضى وترفع نسبة السرقات. ويستغرب بعض المراقبين تمييع التحقيقات المتعلقة بإحراق البلدية، وأخذها لمسار آخر عبر اتهام المحكمة العسكرية لمجموعة من المحتجين بـ"الإرهاب"، فيما يرى كثيرون أن رياض يمق لم ينجح بضبط إيقاع المجلس البلدي ليتسم أداؤه بالشعبوية.
وحتى الآن، لم يتضح مسار الأمور بعد اللجوء للعنتريات واستقدام مرافقين لإطلاق الرصاص، فيما الخشية من استمرار الخلافات، بما يؤثر على الأوضاع في طرابلس عمومًا.
ولدى تواصل "المدن" مع الرئيس رياض يمق، رفض التطرق لملابسات الحادث، مكتفيًا بنبرته الغاضبة قائلًا "الدنيا فالتة، يوجد لدينا كاتب عادل يصطحب مرافقاً لإطلاق الرصاص". ولفت يمق أنه لن يدلي بشيء ما دامت القوى الأمنية والمخابرات حاضرة أثناء الحادثة. وقد أرسل كتابًا رسميًا لوزارة الداخلية بملابسات ما حصل.
تعليقات: